سوسيولوجيا الانتخابات النيابيّة

تم نشره الأحد 07 تشرين الثّاني / نوفمبر 2010 07:55 مساءً
سوسيولوجيا الانتخابات النيابيّة
خالد فيّاض الشرفات


9/11/2010 يتوجه الأردنيون نحو صناديق الإقتراع لإختيار ممثليهم في مجلس النوّاب المقبل، وتأخذ عملية الحِراك السياسي والإنتخابي لهذه الانتخابات أشكالاً وأبعاداً مختلفة عند الأردنيين بشكلٍ خاص، فهناك أبعاد سياسيةٍ بالطبع، وهذهِ الأبعاد تبرز في المناطق الحضرية من الأردن مثل مراكز المحافظات الكبرى كالعاصمة عمّان، ومركز قصبة الزرقاء، ومركز قصبة محافظة إربد، وهناك أبعاد نفسيّة لِهذا الحراك الإنتخابي من مثل ميول وإتجاهات الأفراد نحو مرشح مُعيّن قد تُبنى على الإرتياح النفسي والطمأنينة لمجرد أن هذا المرشح قد طَرَحَ شعار إنتخابي ما أعطى بعض المقترعين بعض الإرتياح حول قضيةٍ ما، وقد يتغيّر إتجاه المقترعين نتيجة لمظهر هذا المرشح، فقد يُعطي شكل المرشح الخارجي انطباعاً لدى جمهور الناخبين نحو الإطمئنان والإعجاب، فقد يكون لوضع الكوفيّة وطريقة إرتدائها تأثيراً، وقد يكون لملامح الوجه أيضاً تأثيراً عند فئة لا يستهان بها من المقترعين، وقد يكون الهندام والوسامة باعثاً على تغيير رأي كثير من المقترعين وهكذا .
ولكن تبقى الأبعاد الإجتماعيّة أثناء عملية الحِراك الإنتخابي هذه هي الأبعاد الأكثر حضوراً، بل أنها تطغى حتى على الأبعاد الإقتصادية التي يجد الكثير من الناخبين بها فرصة سانحة لإقتناص غنيمة إقتصاديّة ماديّة، كأن يوعد بوظيفة معيّنة بعد النجاح أو كأن يوظف في شركات أحد المرشحين لمجرد موقفه الإنتخابي، وقد تتطور هذه الغنيمة لإستغلال ما يسمى الأن بعملية (المال القذر) أو "عملية شراء الأصوات " أو ما يطلق عليه أكاديمياً ظاهرة "المال السياسي " وهذه الظاهرة يجب أن تحارب بقوة، وأن يُدخل أبناء الأردن بجميع فئاتهم وشرائحهم ويتكاتفون مع القوات الأمنيّة لوأد كُل محاولة من هذا القبيل على إختلاف أساليبها المتعددة .
أقول تبقى الأبعاد الإجتماعية لهذا الحِراك هي الأبرز على الساحة الأردنية في هذه الأيام وقد نلخصها من خلال ما يلي :-
أولاً: تشكل ظاهرة الحِراك الإنتخابي تربة خصبة للتفاعلات الإجتماعية وفيما بعد ستنمو هذه التفاعلات وتتطور لتصبح علاقات إجتماعية مؤثرة على كامل النسيج الإجتماعي الأردني، وخير مثال على نشوء هذهِ التفاعلات هو إيجاد مكان مناسب لها وهو ما يسمى " بالمقر الإنتخابي " هذا المقر الإنتخابي الذي يجمع الناس من شتى الأصول، وشتى الجهات الأربع وبمختلف الأطياف السياسيّة، والفئات العُمرية، وحتى أحياناً كثيرة على صعيد الذكور والإناث، وكذلك من مُختلف الخلفيات والمكانات الإجتماعية، فيلتقي الشباب ، بالأطفال، واليافعين، و حتى الشيوخ، كما أن المُعارض والموالي، والإشتراكي والليبرالي لا بدّ أن يلتقوا في مقرٍ إنتخابيٍ واحد، ولا بدّ في كثير من الأحيان أن يتقابلوا لتناول وليمة واحدة من نفس الإناء. وهذا ما يطوّر – بالضرورة- تفاعلاً إجتماعياً ، ولا بدّ لهذا التفاعل أن يولّد علاقات إجتماعيّة .
ثانياً: يجدّ الكثير من الناس خلال هذا الحِراك مكاناً أثيراً وفُسحةً زمانية لإبراز فنون قد تكون دفنت لسنين من خلال إبراز القدرة على استحضار "الذات الإجتماعية " والمكانة الإجتماعية المهدورة على إمتداد مئات السنين، من العزة بالنفس، والبرستيج والهيبة الإجتماعية وذلك من خلال إستضافة بعض المرشحين وفتح "مقرات مؤازرة " وإعلان ذلك على الملأ، وتكليف أنفسهم –رغم الضائقة المالية– مبالغ طائلة لإشعار ذلك المرشح بالولاء المطلق، ومن المفارقات أن الكثير من هؤلاء قد تجده يؤازر بهذه الطريقة أكثر من مرشح سواءاً بنفس الدائرة أو بدائرة أخرى.
ثالثاً: تبقى العشيرة " بسوسيولوجيتها " هي الحاضر الأبرز على إمتداد هذه الظاهرة من الحِراك الإنتخابي، فلا تزال هي –حتى في بعض المناطق الحضرية- التي تسيطر على هذا الحِراك والتي تُعلن الفرز حسب الولاء، بداية من الولاء العائلي إنتقالاً الى العشيرة فالفخذ ثم القبيلة، فالبناء القبلي، والموروث القبلي لا ينفك يظهر في مثل هذه المناسبات بشكلٍ دوريٍ، وخاصة حينما لا يستطيع الأفراد والجماعات من تحقيق مصالحهم خارج بناء هذه العشيرة أو القبيلة، فالغالب أن معظم إن لم يكن كُل السلوكات والتفاعلات السلوكية، وإسترتيجيات الناس اليوميّة تطبع بطابع يستمدُ جذورهُ من هذا الإرث والبناء القبلي، وما يدعم هذا ضعف التكوينات السياسيّة الحديثة كالأحزاب السياسيّة، والنقابات العمالية والمهنية، وغيابها شبه التام عن هذا الحِراك، وهذا ما يُشكل خطراً على مسألة الولاء والإنتماء السياسي، حيث تستحضر الولاءات الفرعيّة وتتغذى وتكبر على حساب الولاءات للنظام السياسي والدَّولة، وهذا بدوره يُغذي ما يسمى بالتضامن القبلي العشائري على حساب التضامن الإجتماعي المدني . فالعشيرة في الأردن لا تفتأ تستعيد إنتاج الكثير من ملامحها في كثير من المناسبات السياسيّة والإجتماعيّة .
رابعاً: هُناك فئة من المرشحين والذي يَفتَقِد أكثرهم للقاعدة الشعبيّة وحتى العشائريّة - وهي كلمة السّرّ في الفوز بمقعد نيابي- يعتمدون على أوضاعهم الإقتصادية المادية الجيدة من أجل إستمالة بعض المقترعين، فنجدهم يخترعون أساليب شتّى في تقديم المساعدات والهبات لكثير من النّاس في سبيل أن يؤثروا بهؤلاء، وقد كشف الحِراك الإنتخابي هذا ولا يزال عن طبقة إجتماعية أو شريحة إجتماعية جديدة على المجتمع الأردني إتضح أنها تملك أرقاماً فلكية من المال على مختلف العملات بالدينار أو الدولار أو اليورو، وقد أوجَدَ هذا الثراء الكبير عند بعض المقترعين إن لم نقل أغلبهم، الكثير من المهن والنشاطات الإقتصاديّة الموسميّة، فأصحاب محلات الأفراح، وأصحاب محلات الحلويات، والخطاطين، وأصحاب محلات القماش، وبائعي عصّي المكانس، والعاطلين عن العَمَل كلهم وجدوا إما زيادة محمومة في المبيعات وإما أعمال ونشاطات جديدة مربحة حتى لو كانت مؤقتة .
خامساً: إنّ الحِراك الإنتخابي أوجد شريحة من الناس تعمل كسماسرة وعرّابين لبعض المرشحين فهؤلاء مهمتهم إما تمهيد الطريق للمرشح نحو الولوج الى شريحة من المقترعين ممن هم مستعصيين على المرشح ويحسبون على مرشح آخر، وفي هذه الحالة يكون إختراق هذه الجماعة أو الشريحة من الناس فتحاً عظيماً من فتوحات وغزوات المرشح وسمساره أو عرّابه الذي زكاه على غيره من المرشحين، وغالباً ما يكون فئة السماسرة من المتقاعدين، أو العاطلين عن العمل ومن الذين طوّروا أساليب للإقناع والمناورة بحكم العَمَل السابق والعلاقات، أو بحكم المكوث من دون عمل ثابت لفتراتٍ طويلة، أما العرّابين فهم غالباً ما يكونون من الوجهاء أو الشيوخ، أو النواب السابقين الذين إكتسبوا خبرات، ووجاهة بحكم مكانتهم الإجتماعية وهيبتهم، وغالباً ما يدخل هؤلاء كمناكفة لبعض المرشحين المنافسين الذين سبق له أن دخل معهم إما بمنافسات ومماحكات شديدة، وإما لأنه يريد أن يثبت للأخرين بأنه لا يزال متواجد على الساحة ويستطيع إن لم ينجح أو يرشح نفسه أن يجد بدائل وممثلين عنه تحت قبة البرلمان .



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات