جنوب السودان...وكل جنوب
أسابيع قليلة فقط تفصلنا عن الاستفتاء المقرر في جنوب السودان، إما الاتحاد، وإما الانفصال، وهو الأمر المتوقع كما يشير معظم المراقبين.
مثلت الأنظمة في السودان، ذلك النمط من الأنظمة العربية التي تحصل على 99.99% من الأصوات - هذا قبل نظام الجمهوريات الملكية والدساتير المفصلة على المقياس – ومنذ الخمسينات، وبعد " إنقشاع الإنجليز " تعرض جنوب السودان للتهميش طوال العقود اللاحقة، ورغم كل النداءات التي كانت توجه للحكومة المركزية في الخرطوم بضرورة الالتفات للجنوب، إلا كافة النداءات ذهبت أدراج الرياح.
جنوب السودان – مثله مثل كل جنوب عربي-، كان سلة السودان من الموارد الطبيعية كالنفط والغاز، وفيه أخصب أراضي السودان، وأطول مسارات النيل، وأكبر احتياطيات المياه الجوفية، وكانت حكومة السودان تستغل كل هذه الموارد، دون تخصيص القليل منها لتنمية الجنوب، فلفت ذلك نظر القوى الكبرى التي تمتهن الاصطياد في المياه العكرة، فأخذت تدس أصابعها في الشأن السوداني، نظرا لوجود البيئة المناسبة لذلك من فقر وجهل وتخلف، وغياب البنى التحتية، فكانت تلك البيئة مرتعاً للجمعيات التبشيرية والشركات عابرة القارات وغيرها من أصحاب المصالح.
الآن، يقف السودان أمام مفترق طرق، ويحبس العرب أنفاسهم، ذلك أن انفصال جنوب السودان، سيترتب عليه تداعيات أخرى مثل انفصال دارفور، وربما امتدت العدوى لدول مجاورة تشابه في ظروفها السودان مثل مصر، التي تخطط الولايات المتحدة وإسرائيل لتقسيمها لثلاث دول: دولة للمسلمين، ودولة للأقباط، ودولة للنوبيين في الجنوب.
كلام كثير يقال بشأن الجنوب، وكل جنوب في البلاد العربية، وربما يحتوي كل جنوب في البلدان العربية على ما يزيد على 80% من مصادر دخل تلك البلدان، في الوقت الذي يصرف فيه أقل من 5% على تنميتها، وقد ذهبت بعض الدول إلى حرمان جنوبها من مياهه لصالح العاصمة، وتركتهم في " عطشهم " يعمهون، لكي لا " تحرم " نساء عواصمها من متعة الاستحمام في المسابح، على حساب عطش الجنوبيين، مما قد يولد نزعات انفصالية على المدى البعيد، فهل نستفيد من تجربة جنوب السودان؟ سؤال قد يزعج البعض، لكنها الحقيقة فقط.