لشوكها المتهدّل شُرفة
في ملتقيات والدي
حيث حكايات المواسم المرتبكة
ونوافذ أضحت لاهوتاً مرتعشاً
ينام الوقت فاتحاّ ذراعيه للمتسامرين
وتختبئ خيبات الأسماء في ملامح الغيبوبة
هناك لا بحر دون فراق
ولا جدار دون غياب
يزفّ الرحيل هناك حقائب الغربة
فوق ألواح السواد الباتر
كأنها أطياف تغفوا على الرصيف
ضيوف أبي خارج المدينة منهكين
يحملون على ظهورهم جرّة احتضارهم
كأن الحياة رمقتهم ترياق الطريق
يذبلون قبل اختفاء الليل
يرفعون رؤوسهم كلّما عبرتهم كؤوس الشاي
يعدّل والدي الوسادة أسفل مرفقه
يرمي لفائف التبغ للحاضرين
يُشعل سيجارته من وقد الرّيح
يقول: ثوبنا يلفظ دربه
يتضرّع البقية إلى الله بصوت واحد
وترتفع سبّاباتهم للأعلى كأنّهم
يغادرون عتمة العمر
لا قاع لهذا السفر
هكذا الحديث يمتد به الشجن
يقول أحدهم: الأرض تحب الصلاة
بالأمس شاهدت في ثوب المطر
رأس النهر يجري
يردّ والدي: غزير هذا الخريف
يقطف سرير الزهر من فاكهة الجسد
تناولوا زادكم وتعالوا غداً
خلفنا ثمر الشتاء
تراهم قامات تومض وتنكسر
وكلّما تأرجحت الأجفان
يغفون برهة ويَصْحون
يعودون للحياة
تظلّ القصص مثل الشواطئ
تخمد نوارسها تارة
وتارة تتوهّج في بحورها
وأنا أستمع لذاك الصرير القزحي
أصدّ جراد النوم
وأختلس سريراً بين الأقدام في كل مرة
كنتُ هناكَ في الكوّة المجدولة
أبحثُ في صوت العيون الرّاكدة
عن عصافير لا ترحل
وألتقط من رماد الوقت بلابل النهار
هناكَ كنتُ أرقدُ فوق الظلال الجافة
وأحلامي الصغيرة حبلى
تنتظر استيقاظ المطر
في ملتقيات أبي
يجثم الدهر فوق الوجوه خطىً ممطرة
ينحني الصبح لكف تشقّقت بما أنبتت
تنمو وردة الخبّيزة من الركام
يولد من عشبها بعد الفجر قديساً
لضيوف أبي أجنحة تتلوى
حين يراودها قنديل الفصول
لتلك المجالس خفقات كأنها العوسج
ولشوكها المتهدّل شُرفة تتكئ على قلبي
باتت أضلاعي تعاصفني كالماء الصاخب
وتدفقني تجاعيداً على مرآة بكماء
لم أعد أذكر
هل عبروا حزن المدينة مرة
أم أوجعهم قماش الثوب سهواً
لكن من يمحو إذا زحفوا
أخاديد الحكايات عن ملامحي
وإن شدّهم البياض
من يغفر للعربة ازدحام الصناديق؟