يا فيروز ...رجعت الشتوية!
![يا فيروز ...رجعت الشتوية! يا فيروز ...رجعت الشتوية!](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/65127.jpg)
ما من فصل شتاء أطل علينا ببرده دون مطره وثلوجه ، إلا بدأنا بالدعوة ‘إلى إقامة صلوات الاستسقاء في عموم المساجد بأوامر أوقافية ،وقد نمارس أفعالا وأقوالا احتجاجية ، وذلك بإطلاق مجموعة من عبارات جلد الذات ،وتأنيب الضمير الجمعي بارتباط انحباس المطر بسبب معصية البشر ، وناتجا عن انتشار المعاصي والذنوب في المجتمع لنبدأ باستحضار كثير من الصور المحتملة لهذا الغضب الإلهي نلتقطها من طبيعة العلاقات الاجتماعية بين طلبة الجامعات وقضايا الاختلاط ، والإعلام وفضائياته ، والأسواق وما فيها من فوضى وعيوب اجتماعية تفرضها عموما طبيعة الحياة المعاصرة ، وإن الرغبة في الحصول على المطر وطلب السقيا أمنية أزلية في التكوين البشري وضرورة لإقامة أود الحياة للزرع والضرع ، ومرتبطة بمشيئة الخالق وهذا لا يمنعنا من التوقف عند سؤال مهم : ماذا بعد نزول المطر ؟ وهل نحن جاهزون مسبقا لاستقباله ، وهل مدننا وقرانا وشوارعنا ومؤسساتنا مؤهلة للاحتفاء ببركة الأرض وملحها ؟
بسقوطه أرضا تتوقف الحياة في مدننا وقرانا وأريافنا ، فلا شوارعنا مؤهلة لاستقبال هذا الزائر السنوي ، ومئات المناهل مفتوحة الأفواه وممدودة الألسن ساخرة من المارة ومن أصحاب السيارات التي أوقعتهم في بطونها ، بسبب سرقة معظم أغطيتها الحديدية ، ناهيك عما أحدثته شركات الصرف الصحي والمياه من كوارث حقيقة هي أشبه بكوارث البورصة وما تلاها من دمار وركود مالي نال كل المواطنين ، إننا في هذا العام نعيش معاناة حقيقية بسبب حالة شوارعنا مقطعة الأوصال ،والحفريات والمطبات وأكوام التراب والرمال التي ضاعفت البلوى هذا العام الذي توقفت فيه جميع المشاريع الحكومية وحركة التجارة والبنوك والمحلات ولم يبق غير الحفارات تعمل بجد ليل نهار في شوارعنا !؟
ولا مدارسنا ولا جامعاتنا مؤهلة لاستقبال الأمطار ، و هي تشكو من عدم وجود الوقود وارتفاع أسعار المحروقات ،فمعظم مدارسنا تعاني من عدم وجود وسائل التدفئة ، وأستغرب من بعض المدارس التي تأسست قبل عشرين عاما وليس لديها خطة ، ولو مستقبلية لمواجهة البرد والجليد والمنخفضات ،ولا تفكر وزارة التربية والتعليم في أمور التدفئة إلا عندما تكون المدرسة مدرجة ضمن قاعات التوجيهي ،لذلك نتمنى على الوزارة أن تكون عطلتها الصيفية في فصل الشتاء حفاظا على معلمينا وطلبتنا.
أما الجامعات فالأمر مختلف ، ولكن المشكلة تكمن في تشغيل التدفئة المركزية : من قلة عدد الفنيين القادرين على صيانة الآلات ، وعدم وجود حوافز مادية تشجعهم على المتابعة الحثيثة فهم في نهاية المطاف موظفون خاضعون للترهل أسوة بزملائهم الآخرين ، وكلنا يعلم أن هؤلاء الفنيين يحصلون على أضعاف ما يتقاضونه من دوائرهم حال انتقالهم إلى القطاع الخاص ، يضاف إلى هذا ما تحتاجه الصيانة من قطع غيار هي غير متوفرة في أغلب الأوقات ؛لذلك نجد أن التدفئة في المؤسسات الحكومية تترنح بين القطع أو التوقف الاضطراري بسبب سوء الأحوال الإدارية والفنية .
كم من المسئولين وضع خطة وافية لمواجهة الآثار السلبية الناجمة عن تدفق المياه والانجرافات ، وأنا على يقين أن معظمهم لن يتنبه إلى هذه الأمور إلا مع أول ( شتوة ) وحصول أضرار . وكم منهم من كلف لجان الصيانة والسلامة العامة بتفقد خزانات المياه والأدوات المتطايرة من على البنايات ؟ وكم منهم كلف عماله بتنظيف قنوات المياه مما علق بها من أوراق وأتربة طوال العام ؟وكم منهم أجرى الصيانة اللازمة للنوافذ والأسطح وميازيبها وأماكن تجمع المياه قبل فصل الشتاء وفي أيام الرخاء ( والدنيا دفا وعفا )؟
تعجبني نصائح الدفاع المدني على التلفزيون حول ضرورة (أخذ الحيطة والحذر) وعدم السكن عند الأودية , لأن أخذ الحيطة والحذر يكون قبل موعد الشتاء بأشهر ، وبعمل جولات ميدانية على السلامة العامة وبمتابعة كل من له علاقة بالشتاء ، والقيام بحملة شعبية توعوية إرشادية في أوقات الرخاء ،ومسح شامل على كافة المرافق للاطمئنان على سلامة المواطنين ، ومعالجة حالات الخطورة قبل وقوعها، لا أن تقع ثم نحاسب المتسبب فيها.وما إعطاء رخص البناء وجاهزية المشاريع الحكومية عن طريق الرشوة والمحسوبية والتنفيع على حساب الوطن إلا دليل على أننا غير متأهبين لاستقبال الشتاء .
نحن نكتفي في الأردن دون ،سائر الدول، بأن نظهر على الشاشة في أيام الثلوج صور المحافظين والحكام الإداريين لطمأنة الرأي العام بأن الأمور (عال العال وكل شي تمام )، وما يعجبني أنهم كلهم متفقون على ارتداء الأزياء الموحدة ( الشماغ) والمعطف الذي يظهر عليه كرات ثلجية ،مع تصاعد بخار الماء من أفواههم، وتظهر خلفهم صورة لجرافة البلدية العجوز تجرف على خجل 10سم من الثلوج ، ما نطالب به هو إيجاد خطة شاملة كاملة يشترك في إعدادها وتنفيذها كل مؤسسات المجتمع المدني والقوات المسلحة والقطاع الخاص.
وما نتمناه ،ولو لمرة واحدة، في العمر أن نستمتع بمرأى الثلوج مثل بقية خلق الله في العالم ،وأن نمارس هواية التزلج واللعب ،والتقاط الصور التذكارية مع الزائر ( ثقيل الدم على الفقراء) ، لا أن نكون معه في مواجهة مع البرد والكاز والمغص وتعليق الدوام وقطع الكهرباء ، وانكسار محابس الماء مع عدم وجود ( موسرجي ) يشفق على حالتك السيئة بقطع النزيف الأرضي لا السماوي ،والاستماع إلى رسائل الدفاع المدني المرعبة وحالة الاستنفار والتأهب القصوى ،وحمل اسطوانة الغاز التي لم ينته أجلها إلا في هذا اليوم ،وإغلاق الصحراوي والصفاوي والغباوي وثغرة عصفور ،ونقص في الأموال والثمرات ، وحوادث السيارات ، وألم الأسنان ( ومناقرة العيال مع عدم وجود التلفزيون) و رضوض وكسور وجبائر بيض ، بطون أطفالنا أولى بها من أرجلهم وأيديهم .