بين القانون المدني و(القوانين العشائرية )

تم نشره الأحد 19 كانون الأوّل / ديسمبر 2010 11:40 مساءً
بين القانون المدني و(القوانين العشائرية )
د. طارق عبد القادر المجالي

عجيب غريب ما نحن فيه يا أبناء وطني ،حين أرى كثيرا من صور الفوضى تعم أرجاءك ، والفوضى شقيقة الأنفلونزا بأنواعها ، وتنتقل عدواها إلى كل إنجاز ، فتزكمه ، وإلى كل بناء فتهدمه، ما الذي أصابنا خلال السنوات العشر الأخيرة من هذا القرن المشئوم ؟ نحاول أن نفتح الألبوم فلا نجد غير الأشلاء والدماء والحرائق وحوادث السيارات والقتل والثأر ومشاجرات القرى البائسة والانتخابات المزورة، وفضائح مربي الحكام المبجل ( ويكيليكس).
وإذا ما انتقلنا في صور بانو رامية إلى واقعنا الأردني ، يكاد المرء أن يلف حول رأسه ما يتيسر له من أحزمة ، ويتمنى بلع ما قي بيته من (بانا دول ) لما يعانيه من صداع الفوضى في كل شؤون حياتنا اليومية.
نحن نفتخر ونعتز بأن نشأة الدولة الأردنية ونهجها وما يزال قومي التوجه ، عروبيّ الممارسة والتطبيق ، عاش على ثراها الأخوة :الشامي و العراقي والمصري و التحم أبناء الضفتين بوحدة أبدية لم يشهد لها العالم نظيرا ، لكننا ونتيجة لانتشار الفوضى السياسية والاجتماعية والإعلامية والثقافية والتربوية ، وثقافة البورصة والأسهم والثراء ،والانفتاح على الديمقراطية المعلبة ،وإفرازات المجالس النيابية والبلدية أخذت تطفح على سطح التركيبة الاجتماعية المتوسطة المتجانسة كالدمامل شخصيات ورقية على الصعيد الحكومي والرقابي والتشريعي وعلى الصعيد العشائري ،لا همّ لها سوى تحقيق المكتسبات الذاتية والمصالح الشخصية ، والتوريث أيا كانت التركة ، بدءاً بالوزارة ومرورا بموظف البنك ،وانتهاء بعامل في مدرسة نائية ، وتفشّى شعار ( ابن الشيخ شيخ وابن الحراث حراث ) وبهذه الممارسات قزمنا صورة الوطن الباسقة ، وولّدنا عند عامة أبناء الوطن والشباب بخاصة مراجل وقدورا تغلي حقدا ونقمة وغضبا وألغاما موقوتة تثور ساعة الاحتكاك بها أو بمجرد الاقتراب منها . ومهما حاولنا أن نقف على أسباب معقولة لانتشار الفوضى لا نجد سوى التهاون في تطبيق القانون الأردني، وسأكتفي بنموذج واحد ،هو لب القضايا الاجتماعية التي نعاني منها .
هل باتت الحكومة ،ومؤسسات المجتمع المدني ،ومراكز صنع القرار، والجامعات عاجزة عن أن تقدم مشروعا متكاملا ومدروسا بعناية ،حول قضية واحدة هي مطلب شعبي وحضاري ،أسوة بكل الأقطار العربية ودول العالم ؛ ومضمون هذا المشروع تحكيم وإخضاع وإلزام كل من على الأرض الأردنية بالقوانين المعمول بها في الأردن ، وأن تتوقف جميع أشكال وصور ومظاهر الاحتكام إلى القوانين العشائرية التي ما عادت صالحة لا لعصرنا ،ولا لواقعنا ذي الإيقاع السريع ، وهو مطلب جماهيري أهم من مناقشة قانون المالكين والمستأجرين وقانون الضمان الاجتماعي على أهميتهما .
إنه من غير المعقول ولا المقبول أن يخضع المواطن الأردني الذي ارتكب عملا جرمبا ،بغض النظر عن فداحته ، إلى قانونين :قانون مدني وقانون عشائري، مع اشتراط تلازمهما معا ، ولا تنتهي المقاضاة ،ويغلق ملف الدعوى في المحكمة إلا برشف فنجان القهوة السادة ، وكتابة صك الصلح، ومن المفارقات الساخرة أننا نطلب شهادات مزاولة مهنة للحلاقين ومحلات الدواجن ،وأصحاب المهن المختلفة ،إلا من فئة شيوخ العشائر ومن مستشيخيها، الذين يزاولون أعمالهم دون متابعة من أحد ،ويمارسون صلاحياتهم دون ضوابط غير ضمائرهم ،حيث يظهر من بينهم الانتهازي والنفعي ،والمصلح والمفسد ،ولا من رقيب ولا من حسيب ، ولك أن تتصور عشرات الشكاوى التي قدمت إلى المحاكم ضد قضاة وأطباء ومعلمين ومهندسين وصيادلة ،وما من قضية تقدّم بها مواطن قد تضرر نتيجة تصرفات أحد شيوخ الجاهات والعطوات السلبية فقدّم إلى القضاء بتهمة الفساد ؟!
ما نريده بإصرار من نواب الأمة ،هو الإسراع بتقديم مشروع قانون عصري ،يوقف جميع أشكال التقاضي خارج المحاكم ، وأن يتوقف العمل نهائيا بالقانون العشائري المتخلف والمزاجي وغير المكتوب، على الرغم من أننا ننصاع له لا حبا فيه ، بل رغبة في درء المخاطر الناجمة عن البطء الشديد في إجراءات التقاضي في المحاكم وعدم البت السريع في القضايا الشائكة .
من أين لموظف أو موظفة يسكن في المدينة بمن يأخذ له عطوة بسبب حادث سير ؟وما علاقتي بابن عمِّ أهوج ارتكب جريمة ما لأحمل معه أنا و عائلتي والعجزة والمرضى، وأعيش في سجن الجلوة العشائرية في ( خربوش) أو في مدرسة تضم كل ( خمستي) إلى أن تسقط ( الشبرية ) من يدي بعد عد الجدود ؟؟؟أما كان من الأجدر ببساطة ،تطبيق القانون على الجاني وحده ، لأنه (لا تزر وازرة وزر أخرى ),وبسط يد القانون والرضوخ له لا لغيره ؟
هل من الصعوبة زجّ مجموعة من مثيري الفتن والمشاجرات والنعرات بالسجن إلى أن يقول القضاء كلمته الفصل ؟ ومنع أهاليهم وكل وساطاتهم وجاهاتهم ونوابهم من عرقلة سير العدالة ،أو محاولة التأثير على السلطة القضائية من أن تنفذ قراراتها .
هل لنا أن نختار شعارا على غرار (الإسلام هو الحل) بأن نقول : (القانون هو الحل) وأن نكون جادين بإرغام الحكومة على بسط هيبة القانون ، وإيقاف كل أشكال التقاضي خارج إطار المحكمة ، وأن نتقبل هذا السلوك الحضاري وحده ،فهو الضمانة العادلة الوحيدة أمامنا في فض المنازعات ،من أجل أن تنتفي مظاهر ( الفزعات العشائرية) وصور العنف المجتمعي ،والبلطجة والابتزاز ، طالما أن المجرم وحده هو الذي سيتقدم إلى المحكمة ،فنكون بهذه الممارسة المتحضرة قد أخذنا على يد الجناة مهما كانت صلة قرابتهم بنا وأن نبدأ بمرحلة جديدة ،كسائر خلق الله جميعا ،الذين تخطوا مرحلة النظام العشائري إلى نظام عادل شامل يرضي جميع المواطنين ،ويوفر الأمن الاجتماعي والاستقرار لنا جميعا ؟؟



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات