قصة ولادتي
كان عادل طفلا جميلاً, عيونه عسلية, وله شعر يشبه زغب النوارس,... ولادته تركت بصمة رائعة في قلب أمي تذكرها بأنها ما زالت قادرة على الحب و الانجاب بعد انتظار سنوات من الضياع,... أصبح عمره عامين و عندما حانت ساعة ولادتي لم تجد امي من تستأمنه على طفلها الغالي إلا أقرب جارة لديها في ظروف صعبة تقطر ألما وحزنا, لم تسمح لها الظروف يومها بالاستعانة بأي شخص آخر،اودعته وكأنما أودعته للموت..سلمته وهي تبكي دماً مع الدمع.. وتمنت لو يحضر زيتون عجلون وينابيعها وكل الازقة في راسون كي يستردوا عادلاً الجميل...
ولدتني امي وعادت مسرعة لتكمل فرحتها.. وجدت عادلاً مريضاً ويشكو الاماً في بطنه... ويشير بأصابعه إلى أمعائه.. أحست أمي بالتمزق وخيبة الأمل والخوف من المجهول..فكرت في أخذه إلى الطبيب ولكن ضيق الحال منعها وكبل يديها، استسلمت للقدر المحتوم...مات عادل ودفن في راسون..دفن بكفنه الطفولي الطاهر.. وأظن أن طيفا من قلب أمي جاء إليه في رقوده الأخير.. وتلا صلاة الحب والرحمة, وأعلنه شهيدا وذكرى لا تمحى...
رحمك الله يا أخي.. وأعانك الله يا أمي, لماذا تداهمك الأيام بالوجع, ولماذا في كل ليلة يُرسل إليك ألف دمعة, ولماذا قدرك أن تنتحبي ولا تنحني.. ولماذا قدر عادل أن يموت غريبا عنك.. بعيدا عن قلبك.. ليتك يا عادل تعرف الأن كيف علمتني امك بعد موتك الحب وسحر الرجولة والشجاعة والقوة في الحق والتسامي نحو الشمس رغم وعورة الدرب... ظل سريرك فارغا يا أخي.. وأستئذنك لأنام عليه هل تأذن لي يا عادل؟! أنا أخيك الأصغر.. الذي سمع حكايتك مرات ومرات.. وترك موتك نقشا في قلبه لن تمحوه الأيام.. نقشا رسمته امي بصوتها المتحشرج وهي تروي لي قصتك التي لا تنتهي، ووجعها الذي لا ينضب.
مسكينة أنت يا أمي.. أوصالك تقطعت وأملك الصغير, وكأن الحزين تحرم عليه الفرحة كحرمة عرفه.. أما أنا ففطمت قسرا.. كمن نزحوا قسرا في عام النكبة, حيث كانت الأمة ترفل بأمالها القصار فوق أعتاب الخيبة والخذلان وحالها يقتات من اليسر مرة ومن العسر مرات.
السلام عليك يا حبيبي.. يا عادل.. فأنت عجلون.. وأنت لم تمت.. ولكن الذي مات هو الحب والطهر والبطولة.. وستبقى في قلب أمي جرحا داميا, وفي ذكرياتي لغة رصينة وقصة للوجع, وأنا أراك كلما هب هواء عجلون فارسا تمتطي جوادك الأبيض.. وروحا ترفرف في عالم الخلود.
فلتنم يا أخي هانئا قرير العين فها هي امي تنام جنبك نومة اللحود السرمدية، فقد عادت لتضمك إلى صدرها فتحتويك يا طائر النورس الجميل...فتصيران معا حكاية للعشق والألم.