فقه التعويم

تم نشره الإثنين 03rd كانون الثّاني / يناير 2011 01:15 صباحاً
فقه التعويم
خيري منصور

ليس التعويم حكراً على الاسعار والعملات فهو مصطلح قابل للهجرة الى سياقات اخرى غير الاقتصاد والبورصات ومنها الثقافة وشجونها المزمنة في عالمنا ، وهو افساد مزدوج ، لأنه يدمر المعايير كلها ، لهذا سعى جُناة التعويم على الفن عندما بدأ أي شخص من المارة يصلح للغناء اذا كان ابناً محروماً من ارث الحنجرة والصوت ، ومن يقرأ على الشاشات أسماء المشتغلين في السينما هذه الايام سرعان ما يتذكر آباء وأمهات هؤلاء ، فالوراثة في الفن أصبحت ثقافة سائدة ومشروعة ولا أحد يعترض عليها ، وحين يصبح عدد المغنين العرب في هذه الحقبة الصفراء التي تحولت الى مجال حيوي لتجريب التعويم اكثر من مليون ، فان المشهد يصبح مبكياً من فرط الاضحاك ، ويصدق هذا ايضا على الاعداد الغفيرة للكتاب والكاتبات والشعراء والشاعرات في بلاد العرب والوحيدون الذين ظلوا في أماكنهم خارج البورصة كانوا ولا يزالون محصنين بالعفة والاستغناء ، ويستحقون التقدير لأنهم لم يمدوا أيديهم الى الاناء العملاق الذي تسبح في مرقه الخراف والافاعي معاً،

التعويم يقصد به خلط الحابل بالنابل بعد أن اضاف التاريخ في غيبوبته البابل ايضا الى هذه الثنائية ، ولأن الثقافة العربية بقيت الى حد ما خارج المدار الجحيمي الذي ندور فيه حول انفسنا فقد قرروا على ما يبدو منذ نهاية القرن الماضي افسادها ، فبدأوا باللغة التي اصبح اهلها يرطنون بها في المطاعم والمقاهي ، وثمة من يخجلون من النطق بها لأنها لا تليق بما بلغوه من تقريد ومحاكاة ضريرة للآخر لمجرد انه الغالب،

ومن قالوا ان افضل وسيلة سلمية لتدمير أمة هي وضع الاشخاص غير المناسبين في مواقع معينة لم يخطئوا على الاطلاق لهذا لم تكن بعض البلدان بحاجة الى قصف نووي أو ابادة مسلحة ، فقد تحققت الاهداف عن طريق آخر ودون اراقة قطرة دم ، لكن ما أريق وسفح حتى ملأ الشوارع والساحات والارصفة هو الكرامة الانسانية والكبرياء القومي ، ولو احتكمنا على سبيل المثال فقط للقوائم التي توجد في أدراج نقابات الكتاب والفنانين في العالم العربي لوجدنا انها تكفي اذا أعيد توزيعها ثلاث قارات وقد تفيض،

للوهلة الاولى تبدو الحرية وشعار دع ألف زهرة تتفتح الذي اطلقه ماوتسي تونغ هو السبب ، لكن الامر ليس كذلك ، لهذا لم يبطل العجب ، فالاهمال واللامبالاة وتهميش المهن الحيوية ذات الصلة بالعقل لا علاقة له بالحرية أو حدائق الأزهار المتفتحة ، بل هو من افراز استراتيجية التعويم ، التي تحذف الفوارق بين السلحفاة والصقر وبين حبة الزيتون والحصاة ، وبقدر ما هناك متضررون من هذا التعويم ، فثمة اضعافهم من المستفيدين والذين يستثمرون حالة انعدام الوزن هذه لصالحهم ولو الى حين،

والارجح ان هذه المرحلة سوف تحتاج في المستقبل القريب الى غربال محكم ومشدود ، فما هو مرشح من الزؤان للسقوط قد لا يخطر ببال من تحطمت اضراسهم منه.

إن زمنا يحذف فيه الفارق التاريخي والمنطقي بين الاحتلال والتحرير وبين الغزو والضيافة وبين ماء الوجه وعرق أصابع القدم لا نستغرب عندما يتحول إلى مسرح للتعويم بمختلف أنماطه ، كي يصبح المشهد كله مرسوما بالأسود والأسود فقط،،(الدستور)


 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات