بلاغ رقم واحد
سنعتبره، مجازا، البلاغ رقم واحد للحرب على الامتيازات والهدر من المال العام ذلك الذي أصدره رئيس الوزراء أول من أمس، ويحدد استخدامات السيارات وكوبونات الوقود والهواتف الأرضية والخلويات والأثاث والمياومات للسفر والاستضافات والحفلات.
ليست المرّة الأولى على ما نذكر، فقد لجأت حكومات سابقة لإصدار بلاغات وتعليمات لتقييد النفقات ثمّ عادت الأمور لسيرتها الأولى. وفي عهد حكومة سابقة تمّ سحب سيارات أو استبدالها بأدنى لكبار الموظفين، ثم شيئا فشيئا تراخى التطبيق. ونحن لا نعرف ما هي فعالية مثل هذه الحملة وما مردودها من الوفر، لكن نفكر بإجراءات أكثر حسما لسدّ بعض الأبواب من الأساس وإرساء تقاليد جديدة في الإنفاق الحكومي. فمثلا، بدل الإنفاق على السيارات وقودا وصيانة وغير ذلك مما يصعب حصره أو مراقبته أو إدامة التشدد فيه، يمكن استبدال ذلك بمبلغ مقطوع وثابت، فيتحدد بوضوح الإنفاق الحكومي ولا يبقى عرضة للاستغلال الذي نعرف قنواته الالتفافية التي لا تنتهي. وكذا الحال بالنسبة للاتصالات والخلويات، وبدل أن تدفع الدولة من فاتورة الهاتف للمدير 50 دينارا، وهي عرضة للتغير والأخذ والردّ، يمكن إضافة 50 دينارا على الراتب وإلغاء باب دفع الفواتير من أساسه. وحتّى للوزير لا يجوز أن تكون فاتورة الهاتف مفتوحة! وفي غرفتي في مجلس النواب يوجد خط مباشر يستخدم الصفر، اي بإمكاني إجراء مكالمات لا حصر لها خلوية وغير محلية، وهذا على الأرجح موجود في مكاتب المديرين وكبار المسؤولين، فهل يجوز إتاحة حجم استخدام مفتوح بلا قيود حتّى في المكاتب؟!
هذه ليست دعوة لتقييد وإذلال المسؤولين، بل لإرساء تقاليد حضارية مسؤولة. وفي اوروبا تجد مسؤولين كبارا يستخدمون وسائل نقل عامّة. لا يجوز أن يتيح موقع المسؤولية امتيازات غير الراتب المقرر في القانون، والنفقات التي تتبع المنصب يجب أن تكون واضحة ومقننة. وما يسمّى تقشفا يجب أن يتحول إلى تقليد ثابت ولا يعود اسمه تقشفا بل مسؤولية تجاه المال العام.
قبل ذلك كان رئيس الوزراء قد طلب كشوف العاملين في الهيئات والمؤسسات المستقلة وعلى حساب المشاريع ومواقعهم وصفتهم الوظيفية ورواتبهم، والهدف كما يبدو استجلاء الصورة تمهيدا لبحث الاختلالات في الرواتب والامتيازات داخل القطاع العام ما بين الوزارات والهيئات المستقلّة، وهو أحد الالتزامات التي قدمت في البيان الوزاري. وكذلك أحيل إلى البحث موضوع تقاعد الوزراء والدرجات العليا. وعلى سبيل المثال، فإن شخصا قفز إلى منصب عال يحصل على الدرجة العليا وينال تقاعدها بينما آخرون يتقاعدون بنصف القيمة بعد خدمة لأكثر من 30 عاما أوصلتهم الى الدرجة الخاصّة منذ سنوات طويلة.
معالجة الامتيازات والاختلالات والهدر بصورة جذرية ستوفر على الخزينة مبالغ هائلة على الأرجح، قد لا تضطرنا لسدّ باب الوظائف الدنيا مثل الفئة الرابعة بوجه الناس وفي هذه الظروف!