مشاهد ما بعد 14 أيار...
شهد العالم، بما في ذلك سكان العالم العربي الذين يمثلون (5%) من سكان العالم، شهد ما يسمى: احتفالات نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس (14/5)، وتقع في منطقتيْن: القدس الغربية ذات الأغلبية اليهودية، والقدس الشرقية في منطقة منزوعة السلاح، وأصبحت جزءاً من الأراضي المحتلة (1967) ويسكنها الفلسطينيون، ويمكن اعتبار هذا الحدث الصهيو- أمريكي الخطير بداية (للنكبة الثالثة)، حيث كانت (النكبة الأولى) عام (1948) وجاءت (النكبة الثانية) كما سماها (البروفسور الخالدي) متمثلة بهجرة المليون يهودي من الاتحاد السوفيتي في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي.
وثمة مشاهد هامة تتضح بعد حدث (14/5/2018):
المشهد الأول، إسرائيلي: كشفت إسرائيل عن خطة لفرض السيادة الإسرائيلية على القدس الشرقية بتكلفة (2) ملياريْ شيكل لامتلاك الأراضي، وتطوير القدس، شرق وغرب وشمال وجنوب (حسب تعبير نتناهيو)، وتطوير مناطق يهودية مزعومة في البلدة القديمة وبلدة الطور ذات الأغلبية العربية، وبناء قطار هوائي بين القدس الغربية والحائط! والأشد خطورة من ذلك كله تخصيص (300) ثلاثمائة مليون شيكل لتشجيع المدارس العربية التخلي عن المنهاج الفلسطيني وتطبيق المنهاج الإسرائيلي، وتشمل الخطة (فرض سيطرة إدارية تامة على جميع مرافق الحياة في القدس الشرقية، وأما المنطقة (ج) من الأراضي الفلسطينية والتي تنتشر فيها المستوطنات (وحوالي 300) ثلاثمائة إلف مستوطن، فسوف تخضع لسيطرة مدنية أمنية إسرائيلية أشد مما هي عليه الآن، والتضييق على (300) ثلاثمائة إلف فلسطيني لتهجيرهم منها.
المشهد الثاني، عربي: يتمثل هذا المشهد بالتداعيات المتعلقة بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس في احتفال ذي طابع يهودي- أمريكي يمكن وصفه الصهيوني، وبأحداث غزة والمجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال الصهيوني، ووضع خطة عربية لمواجهة هذين العدوانيين الأمريكي والصهيوني، يدعو النظام العربي، ممثلا بجامعة الدول العربية، إلى إدانة القرار الأمريكي باعتباره لاغياً وباطلاً، والدعوة إلى التراجع عنه! كما يطالب بتوفير الحماية الدولية للمدنيين الفلسطينيين، والتمسك بالسلام كخيار استراتيجي، ويدعو الدول إلى إدانة أي قرار لأي دولة تقدم على نقل سفارتها تذكيراً برفض هيئة الأمم المتحدة للقرار الأمريكي، وينطوي المشهد على تناقضات: فنقل السفارة قد تم باحتفال توراتي- صهيو-أمريكي، مما يجعل التراجع عنه، أمريكيا على الأقل، غير وارد، أما توفير الحماية للشعب الفلسطيني، ففي تقديري أن الشعوب العربية أولى من المجتمع الدولي بذلك، ولديها الإمكانات.
المشهد الثالث، إسلامي: يتمثل هذا المشهد بقرارات القمة الإسلامية التي عقدت في اسطنبول، واشتملت على (30) توصية، من أهمها : توفير الحماية للشعب الفلسطيني، والدعوة إلى تشكيل لجنة خبراء دولية مستقلة للتحقيق في مجازر غزة، وأخرى دولية للتحقق من تلك الجرائم، وما ينتج عن ذلك من تبعات ومسؤوليات، ومن أهم تلك التوصيات الدعوة إلى الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، وبالقدس عاصمة أبدية لها ونقل سفاراتها إلى القدس الشرقية المحتلة.
المشهد الرابع، أمريكي: يتمثل بالتمادي، بحثت الدول الحليفة لأمريكا والصديقة لها، على الاقتداء بها، ونقل سفاراتها إلى القدس، وتتوقع أن كثيراً من هؤلاء سيتخذون الخطوة نفسها، وفي الوقت نفسه، مازالت الاتصالات جارية ومستمرة للترويج لما يسمى (بصفقة القرن)، والتمهيد لإيجاد الوقت المناسب لإعلانها، حيث أن جميع ما تناقله الوسائل الإعلامية ناجم عن تسريبات غير مؤكدة، والمقصود من ذلك أن تظل قابلة للتعديل.
والخلاصة من هذه المشاهد، أن المرحلة تتطلب إيجاد تضامن عربي-إسلامي-دولي، لا يترك مجالا للغلو أو التعنّت الصهيو- أمريكي، وترجمة هذا التضامن بموقف قومي، بصراحة ووضوح من النظام العربي أولاً، وإذا ما وجد ذلك فستكون المواقف الدولية أكثر جرأة واستجابة لنداء العدالة الدولية أيضاً.