بين الرقمية والليبرالية
وقفت عند دراسة مستقبلية نشرتها مجلة (فورن افيرز الأمريكية) تتحدث عن (التنافس ما بين الذكاء الاصطناعي فيAI الذي يعتمد الرقمية أي (الديجيتالية- إن جاز التعبير) والديموقراطية الليبرالية في صوغ النظام العالمي المستقبلي) وقد يبدو الموضوع معقداً أو ضرباً من التنبؤات اللامعقولة، إلا أنه يستحق اهتمام المثقف العربي الذي يتطلع إلى المستقبل برؤية ايجابية، وبثقة بقدرات الشباب المبدعين في عالمنا العربي، مهما كانت الغمة التي يمر بها قائمة ولعرض هذه الفكرة مبسطة أو ميسرة، فإن ذلك يتطلب تبسيطا لمفاهيم ثلاثة تتعلق بهذه الرؤية، هي: مفهوم الذكاء الاصطناعي (AI) يعبر عن سلوك وخصائص معينة تتعلق ببرامج حاسوبية لمحاكاة القدرات الذهنية الخاصة بالبشر، والرقمية تعبر عن مجتمع (تكنولوجي معرفي معلوماتي) لا يكتفي بإتقان استخدام المعرفة ولكنه يتطلع إلى إنتاجها، وأما (الديوقراطية الليبرالية) فهو تعبير عن شكل متقدم من أشكال الديموقراطية ومبادئ الليبرالية لصوغ مجتمعي ذي بيئة (فكرية علمية مدنية) تسمح بتطوير المجتمع بشكل متسارع، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ومدنياً.
وعودة إلى جوهر الدراسة بعد هذه التبسيطات في المفاهيم، فهل ثمة صراع ما بين (الديموقراطية الليبرالية، والسيطرة الرقمية ممثلة بالذكاء الاصطناعي) في تطوير النظام العالي أو إعادة صياغته بأنماط غير مألوفة؟ فالنظريات السياسية تضع (الديموقراطية الليبرالية) طريقاً أقوم للنجاحات الاقتصادية في عالم يوصف (بنظام التفوق الاجتماعي)، الذي يبتدع الأساليب غير التقليدية للاستجابة لتحديات المستقبل.
أما النظريات الرقمية فتضع الهيمنة أو السيطرة على المجتمعات البشرية في أيدي السلطة التي تمتلك قوة المعرفة، فتصبح هيمنتها على المواطنين أشدّ إحكاماً، مع قدرتها على إحداث نقلة مركزية في التخطيط الشامل الذي يستجيب بشكل أكثر سرعة لتلبية الحاجات الفردية والاجتماعية.
وتنهي الدراسة إلى أن مستقبل (النظام العالمي) يتطلب تحقيق التناغم ما بين (قوة المعرفة الرقمية) (وقوة الديموقراطية الليبرالية)، فاحتكار الأولى، أي (قوة المعرفة الرقمية) وإصفاف الثانية، أي (قوة الديموقراطية الليبرالية) من شأنه أن يعمق الخلل في النظام العالمي، وقد لا تتمكن المجتمعات التي تعتمد (السلطة الرقمية) من الحفاظ عليها متجددة، وقد لا تتمكن من البقاء دون تنامي الديموقراطيات الليبرالية في المجتمعات، وتظل الأنظمة المجتمعية المتطورة أو الساعية للتطور، بحاجة لاستثمار التكنولوجيات الحديثة لتعزيز الإبداع في مؤسساتها، وإبقاء جذره الديموقراطية الليبرالية متجددة لاغتناء مسيرة البشرية نحو عالم مستقبلي بجناحيه الفكري والتكنولوجي.
وأخيراً، فإن كانت الديموقراطية الليبرالية أمريكية الصنع، وفق (فرانسيس فوكوباما- في كتابه: نهاية التاريخ والإنسان الأخير)، فإن الرقمية أو ال AI هي عالمية الطابع، وهما من نتاج الفكر الإنساني الذي يخدم البشرية.