احلام : عشرينية ودعت ثقافة انتظار الوظيفة منحازة لابداعها الحرفي
المدينة نيوز:- ودّعت العشرينية احلام، ثقافة انتظار الدور في الوظيفة بعد ان تخرجت من الجامعة بتخصص " معلم صف " منذ عام 2013 مراهنة على قدرتها الفذة في انتاج قطع فنية غاية في الدقة والفرادة والجمال يطلق عليها " كروشيه " تنسجها بشغف مغلف بسعة الخيال لتحيلها حقائب وملابس للكبار والصغار واكسسوارات للهواتف الذكية والدمى بشخصيات كرتونية فضلا عن قطع اخرى قد تخطر ببال الزبائن.
وتنثر بهذا الانتاج من الحرف اليدوية فرحا ملونا في اطار تراثي من خيوط صوفية واخرى حريرية مستخدمة احجارا كاللؤلؤ الصناعي والازرار والاحجار الصناعية الملونة ليضفي عليها رونقا راقيا، يجمع بين الاصالة والحداثة، ويحاكي مخيلة الجيل الصاعد وتوقه نحو التميز والندرة في الاستحواذ على قطع تصنع خصيصا لهم، ولا يوجد لها مثيل في الاسواق، حيث البضائع المغرقة والمتشابهة التي لا تعبر عن هوية خاصة لمقتنيها. تقول احلام لوكالة الانباء الاردنية ( بترا ) : تخرجت وتزوجت ولدي طفل عمره اربع سنوات، فساعدني هذا النوع من الانتاج على تحمل مسؤولية البيت بالشراكة مع زوجي، الذي كان وما زال الداعم الاكبر لي في اشتغالاتي، اضافة الى والديّ ، اذ انهما العون في تسهيل تسويق القطع الفنية عبر محل تجاري في احد احياء عمان القديمة، لافتة الى ان هذا الفن يستحوذ على اهتمام قطاع واسع من الناس. " وكم كانت سعادتي كبيرة، حين لمست اقبالهم على شراء منتجاتي " تردف احلام، لتعرب عن فرحتها بزيادة الطلبات الخاصة , ما يعكس تعلقهم بالحرف والاشغال اليدوية التي تضفي الكثير من الجمال على القطع التي انتجها بروحي وحبي لهكذا نوع من الفن . ومما يلفت انتباهها، "ان الزبائن يملكون حسا فنيا وخرائط طرق لما يريدونني ان انفذ، مستخدمين تقنية " الواتساب " للتخاطب , وطلب القطع الفنية اليدوية عبر رسمها , محددين الالوان المطلوبة" حيث انها قادرة على تنفيذ اي شكل مهما كان معقدا , سواء نقلا عن صورة او عن مخطط هندسي . ولما كانت منصة التواصل الاجتماعي " الفيسبوك " صلة الوصل بينها وبين الزبائن والراغبين بمزيد من انتاجها , تعول احلام على دور تلك المنصة كناية عن " غرفة عرض " يجول عليها المتصفحون , لتعكس اهتماماتهم وتركيزهم على قطع دون غيرها , فتكثف انتاجها منه , رغم انها تحب فرادة القطع وان يكون لكل زبون هوية مختلفة , تبقيها على صلة بالتنوع والابداع , على حد وصفها . " احببت ان اكون جزءا من نجاح ابنتي , فاذهب الى محلنا التجاري واحرص على ترويج بضائعها بحب " , هكذا تقول والدتها , مفسرة دورها في هذا السياق بانه مسؤولية متواصلة لرسالة تربية الابناء والعناية بهم .
وفي موازاة ذلك يعتب والدها على بعض الزبائن ممن لا يقدرون القطع اليدوية التي يستلزم انتاجها وقتا طويلا وتركيزا عميقا ودقة متناهية , فيسعون لشرائها بابخس الاثمان , معلقا : افضل بقاء القطع تزين محلي التجاري على ان تباع بثمن بخس .
وتعلق ضاحكة : حتى طفلي يدعمني , قائلا " ماما شاطرة بشغل الصوف " , فيما يتقبل فكرة ان يكون " موديلا " اقيس عليه الملابس التي انجزها لمن هم في مثل سنه وحجمه . ولان العمل عبادة ترجمت احلام هذه المقولة الى امر واقع يشبه احلامها المشروعة في استقلالية مالية تتيح لها فتح محل خاص بها , يشكل نواة لمزيد من الانتاجية , آملة ان تكون سببا في تشغيل العديد من السيدات والفتيات ممن يملكن ذات الشغف ضمن مشروع ضخم في المستقبل القريب .
يقول استاذ علم الاجتماع المساعد في جامعة اليرموك الدكتور عبد الباسط العزام, ان احلام ومثيلاتها يعكسن نماذجا ناجحة , تحارب ثقافة العيب , وتتطلع الى تغيير الواقع الاقتصادي بالارادة والعزيمة سعيا للوصول الى استقلالية مالية تجنبهن ضيق ذات اليد من جهة وتجعلهن قادرات على المشاركة في عملية التنمية المستدامة ما ينعكس قدرة متميزة على محاربة البطالة بسعي ذاتي . ويؤكد ان المجتمع مطالب بدعم مثل هذه النماذج التي تشكل قدوة للمتعطلين عن العمل , ما يخفف من عوارض الاكتئاب والاحباط , ويعزز من الجرأة والثقة بالنفس , والقدرة على بناء العلاقات الاجتماعية واتخاذ القرار المناسب وفق سياق مجتمعي منجسم ومتقبل للفكرة . ويعكس التغلب على مصاعب الحياة صلحا مع الذات ونظرة مشرقة للحياة يتخللها دعما عاطفيا ايجابيا من البيئة المحيطة كمتطلب لاستمرار الابداع والعمل الخاص المتفرد , اذ تحصن ثقافة العمل والانتاج من الشعور بالسعادة في اطار " النمذجة " التي تعدي ايجابيا كل من تسلل له الاحباط من عدم القدرة على ايجاد فرصة عمل تناسب تخصصه الجامعي . " ما فعلته احلام ومثيلاتها هو انعكاس للتعلم الاجتماعي عبر استنهاض الطاقات الكامنة التي يكون الفرد قد عطلها بانتظار قوائم التوظيف , غير انها تطلق عنانها ضمن عدوى من قصص نجاح سطرت هزيمة لكل ثقافات الانتظار " هذا ما يراه استاذ علم النفس الارشادي والتربوي في جامعة اليرموك الدكتور فيصل الربيع الذي يؤكد ان البحث الذاتي عن العمل يعكس وسيلة من وسائل التفوق على الذات وسعيها نحو ادراك مكنونات النفس والتطلع نحو المستقبل بنظرة ايجابية دون لعن الظلام .
ويشد بدوره على يدي احلام وسواها داعيا كل من ينتظر الوظيفة الى البحث عن آفاق رحبة من العمل الذي قد لا يكون مرتبطا بتخصصاتهم , ولكنه يحرق مراحل قد تنعكس على نفسية الافراد بشكل سلبي . يشار الى ان معدل البطالة في الاردن وصل الى 4 ر18 في الربع الاول من العام الجاري وفقا لدائرة الاحصاءات العام , اذ بلغت نسبتها بين الذكور 16 في المائة , مقابل 8ر27 للاناث ,فيما وصلت في صفوف حملة الشهادات العليا اي الافراد المتعطلون ممن يحملون مؤهل بكالوريوس فاعلى نحو 1ر24 في المائة ..
وفي موازاة هذه الارقام يتجه العديد من المتعطلين عن العمل الى مسارات انتاجية متواضعة تشبه ما قامت به احلام مستغلين الثقافة الالكترونية وقدرتها على تسويق البضائع المنتجة ذاتيا .
--(بترا)