سياسيون واكاديميون: ضرورة تلازم مسارات الاصلاح الشامل بما ينعكس ايجابا على حياة المواطن
المدينة نيوز :- اكد سياسيون واكاديميون ضرورة تلازم مساري الاصلاح السياسي والاقتصادي ضمن بوتقة من الحوارات الجادة القادرة على وضع خطط تنفيذية عابرة للحكومات تفضي الى حكومات برلمانية برامجية وحزبية، ترتقي بالمسيرة الديمقراطية التي اتخذها الاردن نهجا يحاكي قيم العدالة وتكافؤ الفرص والوسطية والاعتدال.
وعبروا لوكالة الانباء الاردنية (بترا) عن توقهم الى تسريع مسيرة الاصلاح الشامل بما ينعكس ايجابيا على حياة المواطن ومعيشته وكرامته, لافتين الى ان الاصلاح بشكله الحالي لم يرتق بعد لما تضمنته الاوراق النقاشية السبع لجلالة الملك عبدالله الثاني.
وشددوا على ان " لا اصلاح بدون مكافحة حقيقية للفساد، حتى وان تم تعديل قوانين ناظمة لمكافحته, كالكسب غير المشروع والنزاهة ، فالعبرة دائما في التطبيق والنفاذ, وليس في القوانين " . وفي هذا الشأن قال وزير الخارجية الاسبق الدكتور كامل ابو جابر ان السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، ولابد من ربطهما ببعض ضمن حزمة اصلاحية متوازية ومتكافئة , منوها الى ان جلالة الملك عبدالله الثاني جعل من دعواته المتكررة للإصلاح نهجا اردنيا متواصلا لا يرتبط بحكومة بعينها, وجلالته يعد بحق " ابو الاصلاح " , ولابد ان نقتدي جميعا بهذا النهج. واضاف ان جلالة الملك حين يشدد على تضمين الاوراق النقاشية بالدعوة الى الاصلاح, فإنه يرسل عمليا الإشارات الواضحة للحكومات بضرورة التنفيذ الفعلي، مشيرا الى ان الاردن وبمعزل عما يقال حول تباطؤ مشيرة الاصلاح قد مضى بشكل تقدمي الى حزمة من الاصلاحات التي انعكست ديمقراطيا وبرلمانيا, وان خبت حزبيا لأسباب كثيرة, وهذا ما جعل من المرجعيات المتخصصة بالشؤون الحزبية تستمر في النظر الى تحسين شروط العملية الحزبية بما يتوافق والقنوات الطبيعية لعملها وتواجدها على الارض.
ولفت الى ان الدولة الاردنية ومنذ عقود تشجع الحياة الحزبية ولكن لأسباب متنوعة لم يتمكن المجتمع الاردني من فرز احزاب سياسية الامر الذي ضاعف اعباء السلطة التنفيذية التي لا تعتبر، من وجهة نظره، السلطة مقصرة في محاولات السير قدما نحو اصلاح النظم الداعمة للعملية الحزبية، سواء من حيث التشجيع او الدعم او توفر الارضية الخصبة لعملها ضمن بيئة ديمقراطية لا تلغي الآخر , بل على العكس تشجع التناغم والتباين الحاصل بينها طالما كانت ضمن الثوابت الوطنية ومسلمات الحفاظ على الاوطان واستقرارها. وأكد ان الاصلاح الشامل في الاردن لم يتأخر رغم شح الموارد والظروف الاقليمية الراهنة والسابقة, وانما استطاع وفقا لحيثيات متواضعة النهوض والتطور في شتى الميادين, لافتا الى ان ذلك ليس كلاما نظريا وانما واقع على الرغم انه لا يلبي الطموح بشكل كلي, وانما الاجتهاد للوصول اليه موجود في شتى الميادين.
وتابع: منها على سبيل المثال القطاع الاعلامي الذي ينهل توجهاته من فكر جلالة الملك عبدالله الثاني الذي صنع نهجا للمراقبة الذاتية عبر سبل التخفي الذي كانت بمثابة رسالة واضحة لتقصي الحقائق بمسؤولية وموضوعية. وقال ان توجهات جلالته حول الاصلاح الشامل بما فيها الإعلام لم تكن داخلية فحسب بل نال اعجاب العالم عبر خطاب معتدل وجامع ومتقدم , يعد مرجعا لأي خطاب إعلامي داخلي كان ام خارجي، مستشهدا بردة فعل الرئيس الاميركي دونالد ترمب على سبيل المثال، قبوله بحل الدولتين بعد خطاب جلالة الملك أخيرا في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي الاطار ذاته، رأى ابو جابر ان كل النقاشات المتعلقة بإقرار قانون الجرائم الإلكترونية, هي نقاشات مطلوبة لذاتها للوصول الى صيغة موضوعية لضبط الانفلات الملحوظ لوسائل التواصل الاجتماعي، دون ان يكون مقصودا لغاية تكميم الافواه.
من جهته، رأى استاذ العلاقات الدولية في الجامعة الاردنية الدكتور حسن البراري, ان الاصلاح في الاردن ليس متوازيا ضمن مسارين كما هو مأمول، أي أن دعاة الاصلاح الاقتصادي يطورون أنظمة لا تعالج البنى الاقتصادية المنتجة وانما تذهب الى دافعي الضرائب لتغذية العجر في الموازنة، وهذا الامر يعد مكبلا للإصلاح الاقتصادي الذي من المفترض ان يأخذ بعين الاعتبار برامج التحول الاقتصادي والاجتماعي والتي برزت خلال سنوات سابقة كعنوان للإصلاح الشامل , مشيرا الى ان الاصلاح بمفهومه الفعلي يتضمن حزما تعالج الفقر والبطالة, وهذا الامر لم يحدث بل زادت نسب البطالة بشكل لافت في الآونة الاخيرة.
وزاد بقوله " لا يوجد اي جهة في الاردن تملك برنامجا واضحا للإصلاح الاقتصادي ، على الرغم من ان الاوراق النقاشية لجلالة الملك كانت تقوم في مجملها على ضرورة الاصلاح , لافتا الى اهمية عودة كل الحكومات لهذه الاوراق وتنفيذها بحذافيرها , لا ان تذكر في سياقات الاصلاح النظري فحسب ، لان المواطن ملّ من الوعود الحكومية التي لا تنعكس بالضرورة على حياته ولقمه عيشه بالإيجابية .
وقال ان ملف الاصلاح السياسي ليس حكوميا , ولا يرتبط بأشخاص بل من المفترض ان يشكل طريقة حياة تراعي احتياجات المواطنين وتوقهم لتعزيز الظروف الاقتصادية والمعيشية , " اي اننا نحتاج لبرنامج اصلاحي عابر للحكومات ".
وعن المجالس المركزية قال: انها غير الفاعلة، بل عززت من النظرة العامة لمجلس النواب على انه خدمي, اكثر منه تشريعي , وهذا تراجع في الاصلاح الذي كان يرنو الى استقلالية القرار الاداري بما يفضي لتخصص في الخدمة الشاملة والعامة.
وفي سياق متصل تناول البراري الملف الإعلامي في الاطار الاصلاحي، مبينا "اننا لا زلنا نراوح المكان ضمن إعلام حكومي لم يصل بعد الى إعلام الدولة الذي يأخذ بعين الاعتبار الموالاة والمعارضة الوطنية وشتى الاطياف والمكونات والهموم والقضايا بشكل حيادي ووطني وموضوعي و" هذا ما نصبو اليه".
وشدد على اهمية وجود قانون الجرائم الإلكترونية لــ"ضبط فوضى الفضاء"، مشاطرا الدكتور ابو جابر رأيه حول ضرورة ان لا يقر القانون بهدف كبت الحريات او القمع، وضرورة تعديل وإقرار كل التشريعات المفضية الى تعزيز مكافحة الفساد كقانوني الكسب غير المشروع والنزاهة كعناوين عريضة للإصلاح الجاد .
بدوره، قال المتخصص في العلاقات الدولية الدكتور وليد ابو دلبوح " كنا نتأمل ان الحل الشامل لقضايا وطننا والاقتصادية منها تحديدا، في الاصلاح الذي لم يأخذ حيزا مأمولا ، والمطلوب التسريع الفوري له بكل السبل، استنادا للأوراق النقاشية لجلالة الملك " ، التي وصفها بانها " انضج من آلية التنفيذ , ومتقدمة وثورية بالمعنى الايجابي " ، مفسرا: اننا نفتقد لخطط حكومية توازن بين الموارد والانفاق بشكل واضح .
وبين ان الاردن يجتهد حقيقة نحو انجاز اصلاح ملحوظ , ولكن للأسف " ندور في حلقات مفرغة " ، معرجا مثلا على قوانين الاحزاب التي تغيرت غير مرة, والنية الان للعودة الى قانون 1989 ، متسائلا : كيف لنا ان نعود اليه في سياق هذا التغيير الكبير الذي طرأ على الاردن والعالم ايضا؟
وشدد على ان القوانين المتعلقة بالأحزاب ليست " كبسة زر " ، وانما من المفترض ان تشكل رافعة دائمة للتنمية السياسية بما يأخذ بعين الاعتبار كل المرجعيات والاطياف والفئات والاحزاب المرتبطة بإقرار القوانين عبر المشاركة والعصف الذهني.
وقال: لا يختلف الاردنيون على حبهم للوطن والحفاظ على امنه واستقراره، لكنهم ملوا من غياب انعكاس الرؤى الاصلاحية على حياتهم, وان كان هناك تغيير ايجابي في مأسسة الحكومة الإلكترونية والاجتهاد في انجاز بعض المشروعات وغيره، لكن كل هذا لا يمنع ان المواطن تواق مثلا الى محاسبة الفاسدين حتى النهاية، وعدم الاكتفاء بالترويج نظريا لضرورة المحاسبة والمساءلة، خاصة في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، لافتا الى ان مأسسة مكافحة الفساد، يتطلب قرارا جريئا من الحكومات التي تتولى زمام امانة المسؤولية الحالية والتاريخية.
وعرج على ان اي مشروعات قوانين او اطر تعديلها لها علاقة بمكافحة الفساد كالكسب غير المشروع والنزاهة لا يمكن ان تؤتي ثمارها بلا تطبيق فعلي, اذ ان جل مشاكلنا ليست في القوانين, بل في التطبيق والنفاذ، مردفا ان نسبة عالية من الشعوب في الدول المتحضرة لا تعرف الدساتير ولكنهم يرونها في الشارع والمؤسسات والمعاملات.
وشدد على ضرورة ان يشعر المواطن بالإصلاح بكل القطاعات وخاصة الاقتصادية منها, معولا على دور الإعلام في الاضاءة على الانجازات الحكومية التي تنعكس ايجابا على المواطنين، مشيرا في هذا السياق الى اهمية تحول الإعلام الى إعلام دولة بما يخدم كل القضايا بلا استثناء.
من جهته، قال وزير التنمية الاسبق الدكتور امين المشاقبة ان الحديث عن الاصلاح السياسي يتطلب مراعاة عوامل عدة، منها النواحي القانونية والدستورية ومراجعة القوانين الناظمة لعملية الاصلاح ودمقرطة المجتمع، كما يتطلب اصلاح البنى والهياكل في المؤسسات بربطها بنوعية الوظائف التي تؤديها، موضحا "ان هنالك مؤسسات اكل الدهر عليها وشرب ولا حاجة لها وانما تشكل عبئا اقتصاديا بالغا، ولابد في هذا السياق من الغاء الهيئات المستقلة التي انشئت في السنوات الاخيرة لذات السبب وهو "العبء الاقتصادي والتضخم والبطالة المقنعة".
وتابع: ومن العوامل ايضا، اعادة النظر في منظومة القيم الاجتماعية والسياسية ، فنحن في الاردن نجدد في القوانين بشكل دائم، وهذا جيد من حيث الشكل ولكن من حيث المضمون غيرنا قانون الاحزاب على سبيل المثال عدة مرات، ولكن الاحزاب ما تزال غير فاعلة، اي اننا لا نراعي في الاصلاح القانون الحزبي جذر المشكلة واسباب العزوف عن الحياة الحزبية, بل نذهب الى تغيير القوانين بتجرد عن الاسباب الحقيقية الكثيرة.
واوضح المشاقبة ان القانون ثقافة، اما السلوك السياسي فيحتاج الى قيمة, كما ان الحالة الذهنية العامة يلزمها مواكبة للتغيرات, في الوقت التي لا زالت فيه تلك القيم تقليدية.
ودعا الى تفعيل مؤسسات التنشئة الاجتماعية والسياسية كي نحدث التغيير في الاجيال الشابة والنقلة نوعية في التعامل والسلوك وطريقة التفكير .
واضاف ان البحث عن تعديل قوانين قائمة كقوانين اللامركزية والاحزاب لابد من ان يرتبط بالحالة الذهنية للناس مع المتغيرات، فالقصة ليست بتعديل القوانين بقدر التطبيق والفحوى والمضمون.
واعتبر ان قانون الاحزاب الذي صدر 1992 لا يختلف كثيرا عن قانون عام 2015 , الا بالتمويل واعداد من يشكلون الحزب، وعلى الرغم من التغيير في تلك القوانين فإن نسبة المشاركة الفعلية في الاحزاب الاردنية لا تتجاوز 5ر1 بالمئة رغم وجود 47 حزبا.
وفي معرض جوابه، قال : العقلية التي تمارس الانتخابات لا زالت محكومة بجملة من السلوكيات التي افقدتها الثقة بالديمقراطية اثناء العملية الانتخابية، كالتزوير والمال سياسي وشراء الذمم ، وهذا سببه غياب الحالة الذهنية عن المجتمع للتطور السياسي.
وفيما يتعلق بإصلاح القوانين الداعمة لمكافحة الفساد ، قال ان المسألة غير مرتبطة فقط بإقرارها, العبرة في التطبيق دائما وابدا، فالأردن يشهد فسادا, لا نستطيع ان ننكره، مشددا على ان اي اصلاح من المفترض ان يرتبط بإعلام متطور قادر على مواكبة حالة التغيير المرجوة نحو الشعور الجمعي بحدوث الاصلاح وانعكاسه عليه.
--(بترا)