المشهد الثقافي القطري.. مزيج من العصرنة والإبحار في الذاكرة الوطنية
المدينة نيوز:- ليس صعبا على المشاهد ان يلمس التمازج الذكي بين معايشة العصر بكل تجلياته التقنية وبين تاريخ الآباء والأجداد الذين كان لهم الفضل فيما وصلت اليه الدولة القطرية، وهو ما تعبر عنه بوضوح الثقافة القطرية.
وردة الصحراء.. متحف يربط ماضي قطر بحاضرها يرتقب محبو المتاحف في قطر والعالم، الافتتاح الرسمي لمتحف قطر الوطني ليواكب احتفالات الدولة باليوم الوطني في 18 كانون الأول المقبل، والذي يُعد من أبرز المشروعات الثقافية في الدولة وأكثرها طموحا، ويؤكد التزام قطر بالتحول لمركز ثقافي عالمي، ويمنحها صوتا تعبّر من خلاله عن احتضانها للماضي واستشرافها للمستقبل، وجسرا يربط بين ماضي الأمة الثري بحاضرها المتنوع والمنفتح على العالم.
وتم بناء المتحف الجديد حول القصر القديم للشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني، أحد أشهر معالم الدوحة التراثية، والذي يشير إلى نمط الحياة القديم في قطر وسيكون واحدا من أهم صالات العرض في المتحف الجديد بفضل تميز موقعه، فيما تم تصميم هوية بصرية جديدة للمتحف عبر حملة مبتكرة مصممة خصيصا لزيادة وعي الزوار بالمتحف ورسالته، وتتميز الهوية ببراعة وجمال تصميمها المستوحى من ثلاثة أبواب في المتحف الوطني القديم، لتشير إلى ماضي الدولة وحاضرها ومستقبلها، ولتجسّد الرسالة الرئيسية للمتحف والمعاني الرمزية التي يحملها، وتتسم بشكلها اللافت، وتصميمها المتقن، لتشكل رسالة بصرية بسيطة في ملامحها قوية في مضمونها، ولتعبر عن مكانة قطر في العالم. ووجهت رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني، الدعوة للمواطنين والمقيمين للمشاركة في بناء محتوى متحف قطر الوطني بما لديهم من وثائق أو مقتنيات والتي "تمثل جزءًا من ذاكرة قطر وتاريخها ليتم تخليدها في المتحف إيمانًا بأن متحف قطر الوطني ملك لكل قطري، وجزء من تاريخه وامتداد لجذوره وانعكاس لهويته" وسيضم المتحف مقتنيات تاريخية وقطعا فنية معاصرة تروي فصول قصة القطريين عبر التاريخ، مبحرا في أعماق الماضي ليلقي الضوء على تراث الدولة وحكايات أهلها مع البحر والصحراء، ولن يقتصر تجسيد هذه المعاني على مقتنيات وأنشطة المتحف فقط، بل ستنعكس أيضا في تصميمه المبتكر الذي استوحاه المعماري الفرنسي الشهير جان نوفيل من وردة الصحراء، ليكون المتحف المطل على كورنيش الدوحة تجسيدا ماديا ومعنويا للهوية القطرية.
متاحف مشيرب قلب الدوحة تحتفي بالتراث تعتبر متاحف مشيرب معلماً مهماً ورئيسياً في قلب الدوحة وهو أول مشروع لإعادة إحياء وسط مدينة مستدام وذكي في قطر. وتحتفي متاحف مشيرب بتاريخ أربعة بيوت تراثية ساهمت بدورها في تحقيق رؤية مشيرب العقارية وتقديم أول مشروع مستدام في قطر، وهي بيت بن جلمود الذي يؤدي دوراً محورياً في التوعية ومحاربة مظاهر الاسترقاق على مستوى العالم ، وبيت الشركة الذي يسلط الضوء على تاريخ النفط في قطر، وبيت الرضواني الذي يشكل نموذجاً لنمط حياة القطري في الماضي، بينما يحمل بيت محمد بن جاسم زائريه في رحلة إلى تاريخ منطقة مشيرب.
وتقع المتاحف في الحي التراثي في قلب العاصمة القديم وتشكل جزءاً مهماً من تاريخ قطر، وتوفر المباني التي أعيد ترميمها والمعارض التي تضمها مساحة مهمة للمجتمع، للتعرف عن قرب على مختلف جوانب الحياة في قطر قبل النهضة الاقتصادية الكبرى التي تشهدها حاليا.
وفي إطار مهمتها ورسالتها، عملت متاحف مشيرب على بناء روابط قوية وشراكات تعاون مع مؤسسات أكاديمية وثقافية من ضمنها جامعات ومدارس وبرامج بحثية ومعارض بهدف الاستفادة المتبادلة من هذه القدرات، وفرّت لزوار مكتبتها القدرة على مطالعة وتصفح مصادر المعلومات الرقمية التي تتيحها مكتبة قطر الوطنية. وخلال الاحتفال باليوم العالمي للمتاحف، تم الإعلان عن حصول متاحف مشيرب على جائزة "أفضل الممارسات" التي تقدمها اللجنة الدولية للأنشطة التعليمية والثقافية لتكون بذلك ضمن خمس مؤسسات دولية فازت بجوائز اللجنة في هذا العام، ويعود فوز متاحف مشيرب بهذه الجائزة تقديراً لممارستها المميزة في المجال التعليمي ونشر الثقافة.
وفي إطار انفتاحها على محيطها، وتفعيلا لدورها الثقافي شهدت متاحف مشيرب العديد من المعارض والفعاليات الثقافية ومن أهمها معرض"حنّا بنات قطر"، الذي أقيم بالتعاون مع كلية لندن الجامعية قطر، ويروي قصص ثلاثة أجيال من النساء هن الجدة والأم والبنات، حيث يروي قصصا لنساء قطريات، كان لاكتشاف النفط أثر كبير في تغيير نمط حياتهن.
وبطريقة إبداعية، صمم طلبة خارطة لدولة قطر تتضمن رمز المعرض (الجدة والأم والبنت)، ووزعوا عليها التواريخ المهمة في حياة المرأة القطرية، بدءا من افتتاح أول مدرسة رسمية للبنات عام (1957 ـ 1958)، مرورا بتأسيس جامعة قطر عام 1973، حيث كان للطالبة القطرية حضورا قويا إلى جانب أخيها الطالب القطري، ووصولا إلى عام 2017، حيث تم تعيين أول امرأة قطرية كمتحدثة باسم وزارة الخارجية القطرية.
وتقوم متاحف قطر حاليا بتنفيذ استراتيجية جديدة لإعداد جيل جديد من الفنانين التشكيليين القطريين، لتكون لهم مكانتهم على الساحة العالمية في مجال الفنون عبر مشاريعها المستمرة والتي تساعد على صناعة نجوم في مجال الفنون التشكيلية، ولهذه الغاية يستضيف برنامج "مطافئ" 18 فنانا نصفهم من القطريين والنصف الآخر من الجنسيات الأخرى من المقيمين بالدولة ويستمر تسعة أشهر يحصل خلالها الفنان على مساحة عمل "استديو" وراتب شهري يوفر له مستلزمات تنفيذ أعماله الفنية، فضلا عن توجيه وإرشاد فني من أكاديميين ومتخصصين في المجال الفني، بالإضافة إلى فرصة المشاركة في برنامج الفن العام لمتاحف قطر وبرنامج تزيين المدينة والمشاركة في معارض دولية ، لينتهي البرنامج بمعرض متميز، ومثلما نجح "مطافئ" في الدوحة، نجح برنامج الإقامة في باريس في تقديم نماذج مبشرة لوضع أقدامها على خريطة الفنون العالمية.
ووصفت الشيخة المياسة المشهد الفني القطري بأنه سريع التطور، وأن لدى متاحف قطر استراتيجية واضحة تجمع بين التطور والاحتفاء بالموروث الثقافي، مشيرة الى ان قطر أطلقت العديد من المبادرات الثقافية والفنية، منها إنشاء متاحف فنية، كالمتحف العربي للفن الحديث الذي يعرض العديد من القطع الفنية لفناني الشرق الأوسط، ومتحف الفن الإسلامي الذي يحتوي على قطع من الثراء التاريخي الرائع يعبر عما يجب أن يكون عليه المتحف، إلى جانب مطافئ مقر الفنانين الذي يضم 24 استوديو، وتم من خلاله إطلاق برامج "الإقامة الفنية" لرعاية الطاقات الفنية.
النخلة كموروث ثقافي وللنخلة مكانتها في الوجدان الشعبي القطري كونها ترمز إلى الإباء والعزة والشموخ، مثلما حظيت باهتمام بالغ في الماضي.
وتستمد النخلة قيمتها الثقافية من الثقافة الإسلامية والعربية حيث اختصها الله بفضائل كثيرة، وورد ذكرها في القرآن الكريم بلفظ النخل 13 مرة، وهي الشجرة المباركة التي ضرب الله بها المثل لكلمة التوحيد عندما تستقر في القلب لقوله تعالى (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء)، كما اهتم الأدباء والشعراء بها، فوصفوا ثباتها وعطاءها وكرمها وشموخها وجعلوها رمزا للحياة.
وتشير الإحصائيات إلى أن أعداد النخيل في دولة قطر قد تجاوزت المليون، كما توجد مزارع متخصصة في إنتاج التمور، ويتضمن ملف النخلة الذي أعده فريق بحثي من إدارة المكتبات العامة والتراث بوزارة الثقافة والرياضة العادات والتقاليد والمعارف والممارسات والمهارات المتعلقة بها، واتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي لليونسكو لعام 2003، إضافة إلى تاريخ الاهتمام بتسجيل النخلة على قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية منذ اجتماع وزراء الثقافة العرب في 2015.
وأقيمت العديد من الفعاليات التي تساند ملف النخلة حتى الآن، منها مهرجان الرطب الذي نظمته وزارة البلدية والبيئة في سوق واقف في تموز الماضي وورشة تفاعلية بجامعة قطر في ايلول الحالي، ثم ندوة وزارة الثقافة والرياضة في الشهر ذاته بعنوان "زينة وخزينة.. النخلة بين موروث الأمس ومكتسبات اليوم"... فضلا عن دعم الباحثين والمزارعين لملف النخلة لإدراجه في القائمة التمثيلية للتراث غير المادي للبشرية بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو".
معرض كتارا الدولي للصيد والصقور يرسخ مكانته وفي إطار اهتمام قطر بالموروث الشعبي ومهن الأجداد تنظم الدولة ممثلة بالمؤسسة العامة للحي الثقافي "كتارا "، معرض كتارا الدولي للصيد والصقور (سهيل) والذي يقام سنويا بهدف الارتقاء بهواية الصيد وتعزيز الموروث القطري العربي، والعمل على نقله كرسالة عالمية من خلال المشاركات من شتى دول العالم في المعرض فضلا عن تلبية احتياجات الصقار القطري ليمارس هوايته .
ويدعم معرض كتارا الدولي للصيد والصقور الأنشطة التجارية والثقافية والرياضية الخاصة بالصيد والصقور، وبناء علاقات تبادلية بين الهواة والتُجار وبما يحقق الفائدة للجميع ، كما يسعى إلى اكتشاف المنتجات والخدمات في هذا القطاع الشبابي الهام.
وفي النسخة الأخيرة لمعرض سهيل التي أقيمت في ايلول الماضي على مدى خمسة أيام نجح المعرض في استقطاب ومشاركة حوالي 150 شركة محلية وعربية وأجنبية من 20 دولة من الشركات المتخصصة في مجال الصقور وأسلحة الصيد ولوازم الرحلات والصقارة .
النادي العلمي القطري حاضنة للابتكارات يعد النادي العلمي القطري التابع لوزارة الثقافة والرياضة من أهم الحاضنات للشباب والفتيات المبتكرين وتنمية المواهب لهم انطلاقا من رؤية قطر الوطنية 2030 .
وحقق النادي انجازات علمية رائدة ومتتالية محليا ودوليا، لعل أبرزها ما حصده مبتكرو النادي في نيسان الماضي من ست ميداليات في معرض جنيف الدولي للاختراع وسط تنافس بين أكثر من 600 مخترع يمثلون 40 دولة حول العالم، وذلك بعد شهور قليلة من فوز شباب النادي بــ 7 ميداليات (ذهبيتان وفضيتان ، 3 برونزيات) في المعرض الدولي العاشر للاختراعات في الشرق الأوسط والذي أقيم في الكويت في كانون الثاني الماضي وسط تنافس بين 130 مخترعاً من 39 دولة عربية وأجنبية .
ويشجع النادي العلمي الأنشطة العلمية اللاصفية والبحث والابتكار في مدارس دولة قطر بالتعاون مع وزارة التعليم والتعليم العالي للمساهمة في إيجاد بيئة جاذبة تنمي قدرات وميول الطلاب لخلق جيل قادر على البحث والتطوير ووضع حلول علمية مبتكرة لاحتياجات المجتمع القطري وتعزيز الأنشطة العلمية والبحثية والابتكارية في المدارس، ويقدم الدعم الفني لتنفيذ المشاريع الخاصة بالأبحاث العلمية بعد مناقشتها مع فريق البحث العلمي الخاص ويحمل على عاتقه مسؤولية تسجيل براءات الاختراع للمشاريع المبتكرة.
--(بترا وفانا)