شباب البلد في أبهى صورهم
حضرت أمس السبت الموافق 27 من شهر اكتوبر الحلقة النقاشية الأولى التي نظمها مجموعة من الشباب الأردنيين أطلقو على أنفسهم اسم "شباب البلد"، لم يكن معتاداً بالنسبة إلي أن يكون المتحدثون والمنظمون والمشاركون وميسر الجلسة أيضاً حصراً من الشباب، أكاد أجزم أنه قد شابتني مشاعرٌ من الفخار بجهد لم أساهم أنا ولو حتى بجزءٍ بسيط منه؛ لأولِ مرة منذُ فترة طويلة أكون متواجداً في حوارٍ علميّ ومنظم يتحاورُ فيهِ الشابات والشباب هوياتهم من مختلف مرجعياتهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية عن مستقبلهم ومستقبل دولتهم وتطلعاتهم للدور المطلوب منهم لمراحل ما بعد النجاة من الانقياد للسلطات الوصائية التي عانينا منها طيلة العقود الماضية بشقيها: المجتمعي والمتمثل بالعائلة أو العشيرة، والسياسي والمتمثل بالتجمعات الشبابية التي طالما عملت الاجهزة الأمنية على قولبتها بقالب الولاء والطاعة المستمرة. استغرابي من هذا الحضور الشبابي ما هو إلا نتيجة تشوه في مفهوم الشباب لدي، واعتقد أن مجموعة كبيرة من الأردنيين تعاني من هذا التشوه بالمفهوم أيضاً، حيث أننا ما زلنا مصرين ولو بدون قصد أن نتعامل مع هذه الشريحة من المجتمع معاملة الشريحة القاصرة، أو معاملتها كحالة تحتاجُ خصوصية معينة والنظر اليها نظرة مختلفة عن النظرة التي نعاين بها باقي شرائح المجتمع. لا أعلم ما هو التأثُر الذي يتعرض له الشباب دوناً عن غيرهم؟ البطالة؟ التطرف؟ التخلف؟، كل هذه المشاكل التي نختص بها فئة الشباب هي مشاكل عابرة للعمر والجنس، لكننا وبسبب تصديقنا لوهم الرعاية والوصاية، صرنا نحاول أن نصنع ملاجئ لطاقاتِ هذه الشباب، لا بل ذهبنا لأبعد من ذلك، لأن يقرر كبار العُمر متعذرين بخبرتهم مستقبل الشباب ومجالات اهتماماتهم، وأن لهم حصة من الموازنة العامة للدولة الأردنية تنفق عبر وزارة الشباب!؛ كل هذا والمجتمع الأردني يتشكل من أغلبية شابة، كيف لو كانت نسبة الشباب أقلية عددية مثلاً؟، إنها حالة من الوهم الذي غالباً ما أراهُ مصطنعاً، حتى أنني اليوم كشاب في منتصف العشرين من عمري أقع أحياناً في هذا الفخ في تشخيصي لواقع الشباب لولا أن شباب الأردن ينبهونني دائماً لمكاننا الطلائعيّ بغض النظر عن هوياتهم ومرجعياتهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية. إن الشباب الذي يتحاور في مقهى صغير في منطقة وسط البلد في العاصمة عمّان، حول مستقبل الأردن بعد الإنتقال من مرحلة الإعتماد على الغير إلى الإعتماد على الذات ليسَ شباباً عادياً، والشباب المتسلح بالخبرات والكفاءات والذي يطالب استمراراً بحقه بالمنافسة لمواقع صنع القرار على معايير الكفاءة وتكافؤ الفرص بعيداً عن تأثير تأثير المحسوبية والواسطة في هذا المجال ليس شباباً عادياً، الأردنييون يريدونها منافسة ديمقراطية شفافة يسعون من خلالها لاستلام مواقع صنع القرار خوفاً على دولتهم ومستقبلها وطمعاً في مزيد من السيادة ومزيد من تكافؤ الفرص بينهم جميع أبناء الوطن الواحد. إن المجموعة الصغيرة من الشباب التي تتمكن من الخروج بتوصيات واضحة كهذه في اجتماعِ سلمي ومتحضر هي كنز حقيقي للعقل الذي تفكر فيهِ الدولة، ومصدرٌ لشرعيتها وسيادتها، وحريٌ بأي عقلٍ غيور يدير دولتنا أن يبادر هو بالإنصات الجاد والاستجابة المباشرة لما يريده الأردنيون على لسان شبابهم، حضور الدكتور محمد أبو رمان وزير الشباب ووزير الثقافة للجلسة النقاشية البارحة وبدون دعوى حتى، وبمبادرة شخصية منه، هو الخطوة رقم "صفر" في طريق تحمُل المسؤولية، الخطوة الأولى المطلوبة هي دعم التوصيات التي يخرج بها الشباب في كل اجتماعٍ لهم، قانون انتخاب يساوي بينَ عمر المترشح والمقترع، مجالس لامركزية كاملة الصلاحية، تخصيص موازنة الدولة المخصصة للشباب بالتحاور مع الشباب أنفسهم، تعبيد الطريق أمام الشباب وتمكينهم بالأدوات اللازمة ليتمكنو من الاعتماد على انفسهم وايجاد فرص عمل ومشاريع صغيرة توفر لهم حياة كريمة، إزالة القيود والعوائق التي تحد من حق الشباب في تشكيل الجمعيات والنقابات والانضمام إليها، احترام حريات الرأي والتعبير، وتقوية دور الإعلام في النهوض بالمجتمع اجتماعياً وسياسياً وثقافياً، إتاحة حرية أكبر للشباب للاندماج في الحياة السياسية مع العمل على تذليل مشكلة التدخلات الأمنية، رفع القيود عن ممارسة العمل السياسي والحزبي في الجامعات الأردنية الحكومية والخاصة، من أجل أردن حر ومستقل لجميع الأردنيين. عامر غزلان باحث في الشؤون البرلمانيةشباب البلد في أبهى صورهم
حضرت أمس السبت الموافق 27 من شهر اكتوبر الحلقة النقاشية الأولى التي نظمها مجموعة من الشباب الأردنيين أطلقو على أنفسهم اسم "شباب البلد"، لم يكن معتاداً بالنسبة إلي أن يكون المتحدثون والمنظمون والمشاركون وميسر الجلسة أيضاً حصراً من الشباب، أكاد أجزم أنه قد شابتني مشاعرٌ من الفخار بجهد لم أساهم أنا ولو حتى بجزءٍ بسيط منه؛ لأولِ مرة منذُ فترة طويلة أكون متواجداً في حوارٍ علميّ ومنظم يتحاورُ فيهِ الشابات والشباب هوياتهم من مختلف مرجعياتهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية عن مستقبلهم ومستقبل دولتهم وتطلعاتهم للدور المطلوب منهم لمراحل ما بعد النجاة من الانقياد للسلطات الوصائية التي عانينا منها طيلة العقود الماضية بشقيها: المجتمعي والمتمثل بالعائلة أو العشيرة، والسياسي والمتمثل بالتجمعات الشبابية التي طالما عملت الاجهزة الأمنية على قولبتها بقالب الولاء والطاعة المستمرة.
استغرابي من هذا الحضور الشبابي ما هو إلا نتيجة تشوه في مفهوم الشباب لدي، واعتقد أن مجموعة كبيرة من الأردنيين تعاني من هذا التشوه بالمفهوم أيضاً، حيث أننا ما زلنا مصرين ولو بدون قصد أن نتعامل مع هذه الشريحة من المجتمع معاملة الشريحة القاصرة، أو معاملتها كحالة تحتاجُ خصوصية معينة والنظر اليها نظرة مختلفة عن النظرة التي نعاين بها باقي شرائح المجتمع. لا أعلم ما هو التأثُر الذي يتعرض له الشباب دوناً عن غيرهم؟ البطالة؟ التطرف؟ التخلف؟، كل هذه المشاكل التي نختص بها فئة الشباب هي مشاكل عابرة للعمر والجنس، لكننا وبسبب تصديقنا لوهم الرعاية والوصاية، صرنا نحاول أن نصنع ملاجئ لطاقاتِ هذه الشباب، لا بل ذهبنا لأبعد من ذلك، لأن يقرر كبار العُمر متعذرين بخبرتهم مستقبل الشباب ومجالات اهتماماتهم، وأن لهم حصة من الموازنة العامة للدولة الأردنية تنفق عبر وزارة الشباب!؛ كل هذا والمجتمع الأردني يتشكل من أغلبية شابة، كيف لو كانت نسبة الشباب أقلية عددية مثلاً؟، إنها حالة من الوهم الذي غالباً ما أراهُ مصطنعاً، حتى أنني اليوم كشاب في منتصف العشرين من عمري أقع أحياناً في هذا الفخ في تشخيصي لواقع الشباب لولا أن شباب الأردن ينبهونني دائماً لمكاننا الطلائعيّ بغض النظر عن هوياتهم ومرجعياتهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية.
إن الشباب الذي يتحاور في مقهى صغير في منطقة وسط البلد في العاصمة عمّان، حول مستقبل الأردن بعد الإنتقال من مرحلة الإعتماد على الغير إلى الإعتماد على الذات ليسَ شباباً عادياً، والشباب المتسلح بالخبرات والكفاءات والذي يطالب استمراراً بحقه بالمنافسة لمواقع صنع القرار على معايير الكفاءة وتكافؤ الفرص بعيداً عن تأثير تأثير المحسوبية والواسطة في هذا المجال ليس شباباً عادياً، الأردنييون يريدونها منافسة ديمقراطية شفافة يسعون من خلالها لاستلام مواقع صنع القرار خوفاً على دولتهم ومستقبلها وطمعاً في مزيد من السيادة ومزيد من تكافؤ الفرص بينهم جميع أبناء الوطن الواحد.
إن المجموعة الصغيرة من الشباب التي تتمكن من الخروج بتوصيات واضحة كهذه في اجتماعِ سلمي ومتحضر هي كنز حقيقي للعقل الذي تفكر فيهِ الدولة، ومصدرٌ لشرعيتها وسيادتها، وحريٌ بأي عقلٍ غيور يدير دولتنا أن يبادر هو بالإنصات الجاد والاستجابة المباشرة لما يريده الأردنيون على لسان شبابهم، حضور الدكتور محمد أبو رمان وزير الشباب ووزير الثقافة للجلسة النقاشية البارحة وبدون دعوى حتى، وبمبادرة شخصية منه، هو الخطوة رقم "صفر" في طريق تحمُل المسؤولية، الخطوة الأولى المطلوبة هي دعم التوصيات التي يخرج بها الشباب في كل اجتماعٍ لهم، قانون انتخاب يساوي بينَ عمر المترشح والمقترع، مجالس لامركزية كاملة الصلاحية، تخصيص موازنة الدولة المخصصة للشباب بالتحاور مع الشباب أنفسهم، تعبيد الطريق أمام الشباب وتمكينهم بالأدوات اللازمة ليتمكنو من الاعتماد على انفسهم وايجاد فرص عمل ومشاريع صغيرة توفر لهم حياة كريمة، إزالة القيود والعوائق التي تحد من حق الشباب في تشكيل الجمعيات والنقابات والانضمام إليها، احترام حريات الرأي والتعبير، وتقوية دور الإعلام في النهوض بالمجتمع اجتماعياً وسياسياً وثقافياً، إتاحة حرية أكبر للشباب للاندماج في الحياة السياسية مع العمل على تذليل مشكلة التدخلات الأمنية، رفع القيود عن ممارسة العمل السياسي والحزبي في الجامعات الأردنية الحكومية والخاصة، من أجل أردن حر ومستقل لجميع الأردنيين.
عامر غزلان
باحث في الشؤون البرلمانية