" كش مبارك "

يبدو أن الثورة المصرية فشلت في أن تكون ثورة حقيقية , وقد أثبتت هذهِ الأيام القليلة أن حسني مبارك لاعب شطرنج حرّيف جداً , إذ أن الحركات التي لعبها كانت مدروسة بعناية فائقة حتى وإن كان لها ردّات فعل من قبل الشعب الذي بدأ يحترف اللعبة أيضا ً , أولى الحركات التي قام بها حسني مبارك والتي كانت احترافية حقاً , هي اليومين التي اختفى فيها الأمن من الشوارع المصرية بعد أن طغى في قمعه للثائرين على الحكم , كانت حركة اختفاء الأمن ملعوبه بعناية , إذ أن اختفاء الأمن جعل الشعب المصري يظن أن المسألة انحسمت لصالحه , وبنزول الجيش المصري المحبوب من قبل الشعب قتل حسني مبارك الثورة في نفوسهم , نعم فالشعب يحترم الجيش والجيش لن يؤذي الشعب , وهذهِ المعادلة جعلت الثورة تخمد في نفوس القوم وحولتها من ثورة عظيمة وأعادتها إلى مُجرد مظاهرات !

ربما تكون هذهِ الحركة المباركية أخذت منحى آخر لدى الشعب , فالشعور بالحسم جعل فئة من الشعب المصري والتي كانت لا زالت تقبع في بيوتها تنزل للشارع لتشارك المتظاهرين " نشوة النصر الذي لم يكتمل " , أما الحركة الأخرى لحسني مبارك على رقعة الشطرنج فكانت غبية جداً وساهم فيها بزيادة عدد المتظاهرين , فحين تم حجب الاتصالات والشبكة العنكبوتية عن الناس لم يدرك النظام أن خطئهم كان فادحاً , فكثير من الجموع التي كانت تتلقى أخبار الشارع عن طريق الاتصال وعن طريق التواصل عبر الفيس بوك والتويتر أصبحت مُغيبة عن الوضع الراهن في الشارع , فقد كانت تُجري مجرد اتصال بصديق أو أخ أو قريب لتصلها الأخبار من ميدان التحرير , ولكن بعد الحجب كانت هذهِ الفئة المغيبة مُضطرة للنزول إلى الشارع لمتابعة الحدث ومع نزولهم أصبحوا مشاركين في المظاهرات .

الحركة الأخرى التي لعبها حسني مبارك بعد أن حوّل الثورة إلى مظاهرة وهدأ الشعب واطمأن أنهُ انتصر , أعاد رجال الأمن إلى الشارع ولكن دون أوامر بالتصعيد , وهكذا أعاد كل شيء إلى نصابه الجيش موجود .. الأمن موجود .. الشعب يتظاهر سلمياً , وهكذا لا نستطيع أن نطلق على ما يحدث في مصر ثورة , حركة أخرى غبية اقترفها حسني مبارك هي إقفال قناة الجزيرة عن الشعب , نعم قناة الجزيرة تُحشد الناس ضد حسني , ولكن إيقاف الجزيرة كان المُحشد الأكبر ضده , فمن ناحية أصبح الشعب غاضباً أكثر لمحاولة تغييبه عن الشارع , ومن ناحية أخرى هذا التغييب جعل الجموع التي كانت تتابع الأحداث عبر الشاشة الوحيدة التي تثق فيها " الجزيرة " تنزل إلى الشارع لتتابع الأحداث من هناك بعد إيقافها وهذا ما زاد الحشود أكثر , وفي حركة مصرية قام بها الشعب باحتراف , نصب البعض شاشات تعرض قناة الجزيرة في ميدان التحرير , فزادت الحشود أكثر منهم للتظاهر ومنهم لمتابعة الأحداث عبر الشاشات .

الحركة الأقوى لمبارك كانت وشاركتهُ فيها الدول الخارجية ممن هو حليف لهم كانت خطاب الثلاثاء , فمبارك لا زال على الكرسي ولا زال متشبث به إلى آخر نفس , حتى وإن كان لن يترشح للرئاسة في الدورة المقبلة , ولكنهُ بكل تأكيد لن يكون ديمقراطياً أبداً في هذهِ اللحظات الأخيرة , فالديكتاتورية التي جرت في دمه 30 عاماً في الحكم لن تتخلى عنه بهذهِ السهولة , كان خطاب حسني مبارك مخدراً لتهدئة الناس أكثر وقد فعل حقاً , فقد تعالت بعض الأصوات المحسوبة على الحزب من جهة مؤيدةً للرئيس , وبعض الجهات المُغيبة الأخرى التي تخشى من الآتي لتحث الناس على الاكتفاء بخطاب الرئيس ووعوده , ولا يخفى أبداً على أي عاقل بأن بقاء حسني مبارك في الحكم حتى نهاية فترته الرئاسية والتي لم تنتهي منذ 30 عاماً ستكون لعدة اعتبارات , أولها حفظ ماء وجهه فهو لا يريد أن يصبح مثالاً للتندر كما حصل بصاحبه " بن علي " , وما ذكرهُ لانجازاتهِ ووقفته بجانب مصر في الحرب والسلم والتي لا تعدو مشاركته في حرب 73 حين لم يكن رئيساً حتى , إلا محاولة منه إنهاء صفحته في كتاب التاريخ بشكل لائق من جهة , ومن جهة أخرى هي تمهيد لفترة لن تكون أفضل في مصر من بعده , فالديمقراطية والحرية التي وعد الشعب بها كذبة كبيرة لن تتحقق , فالحرية لا تُمنح وإنما تؤخذ قصراً , حسني مبارك سيعمل خلال الأشهر المتبقية لهُ في الحكم على تأمين الكرسي والبلاد في يد من تختاره السياسة الأمريكية وتضمن أن يكون حامياً وحليفاً لها ولإسرائيل في الشرق الأوسط , لذلك أقول وبكل صراحة أن الثورة المصرية فشلت فشلاً ذريعاً إن توقفت عند هذا الحد , فهي بدأت تأخذ شكل المظاهرة أكثر من كونها ثوره , وهنا أستذكر مقولة جيفارا " الثورة كالدراجة إن توقفت سقطت " , وعلى ما يبدو أن الثورة بدأت تتوقف , فما هو متعطل في مصر هي مصالح الشعب وأعمالهم بينما حسني مبارك لا زال يمتطي الكرسي ويتخذ القرارات ويأكل ويشرب داخل قصره , على الشعب المصري إن كان فعلاً يريد " إسقاط النظام " اللعب باحترافية أكبر , فهناك حركة لا بد منها لتنتهي أي لعبة شطرنج على أي رقعه , عليهم ترك ميدان التحرير والتحرك نحو القصر الرئاسي والتظاهر عنده ليقولوا لحسني مبارك بصوت واحد " كش مبارك "