التكنولوجيا قلبت السحر على الساحر
تم نشره الإثنين 07 شباط / فبراير 2011 02:59 صباحاً
![التكنولوجيا قلبت السحر على الساحر التكنولوجيا قلبت السحر على الساحر](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/71422.jpg)
د.قاسم نعواشي
قبل نحو ثلاثة قرون بدأت أوروبا ثورة أدت إلى صناعة السيارة والطائرة والسلاح، إلى جانب بناء أنظمة ديمقراطية حقيقية، ولم تكن أوروبا وقتئذ تمتلك من المعلومات واحد بالمئة من المعلومات المتوفرة للشعوب العربية اليوم. والمفارقة أن أقصى ما يتمنى العرب منذ عقود هو الحصول على الخبز وتوابعه، ولم تكن الشعوب العربية تعلن صراحة، وفي الشارع عن رغبتها بإنهاء مرحلة الاستعباد والتحرر من التبعية، وأن يتمتعوا بالحقوق الأساسية للبشر كالحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية الحقيقية غير المزورة. ولكن ما الذي طرأ على المشهد العربي فأحدث هذا التحول؟
برأيي أن السبب بسيط وفعّال، إنه المعلومة وانتشارها وسهولة الحصول عليها وصعوبة تقييدها بوجود تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المتثلة بشكل أساسي في الانترنت والفضائيات. إن سهولة الحصول على المعلومة والمشاركة في صناعتها، شجع على القراءة، ففعلت القراءة فعلها. المجتمع الذي يقرأ من الصعب هزيمته أو خداعه. وكأن الروح التي تضمنها قول الله "إقرأ" تسري في كل زمن يقبل فيه الناس على القراءة. كالأثر العظيم الذي فعله فعل "إقرأ" في بداية الإسلام عندما جعل من مجتمع جاهل يستهجن القراءة مجتمعا يقارع أكبر الامبرطوريات ويهزمها. أثر القراءة التي شجعتها
الأدوات التكنولوجية شجعت على القراءة التي كشفت عن عظمة الخلل والاحتقان في نفس وعقل الإنسان العربي، حتى أصبح كل عربي وكأنه بركان يستعر قد يثور لأي سبب أو ينفجر في أي لحظة. فقد ساعدت التكنولوجيا في نشر الوعي والثقافة فبدأ كثير من الشباب العربي في استعادة روحه وقوته بعد أن نجحت الأنظمة التربوية في بناء شخصيات انهزامية تابعة تنشغل بأمور هامشية. إن حصول الشاب العربي على المعلومة والمشاركة فيها أدى إلى انتشار ثقافة جماعية تسهم في استعادة كرامة الأمة.
حين بدأت موجة الفضائيات والانترنت استبشرت معظم الانظمة العربية ورأت في هذه الأدوات وسائل جديدة لتجهيل الشعب وإلهائه بالتوافه من الأمور. توقعت الأنظمة أن التكنولوجيا ستساعد في تنشئة أجيال بعيدا عن الواقع مشوهة الهوية، فظنت أن التكنولوجيا ستحل محل أدوات القمع أو تخفف من الحاجة إليها.. وكذلك شوهت صورة مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب فجعلت الانسان العربي لا يجد مصدرا حقيقيا وصادقا يستقي منه لتغذية ثقافته. ولكن كما استعان فرعون بالسحرة ليساندوه ولكن عندما واجهوا الحقيقة انقلبوا عليه، وكما أن جنود فرعون التقطوا الطفل موسى ليكون لهم عونا على استعباد بني إسرائيل أصبح عدوا لهم إلى أن زال ملك فرعون على يديه. وهكذا ينقلب السحر على الساحر اليوم، حيث أن الأدوات التكنولوجية تنقلب على الأنظمة المستبدة وأصبحت بعض الفضائيات تقود حركات التحرر والنهضة وتوجهها رغم كل محاولات التضييق، كما أن بعض مواقع الانترنت أصبحت أدوات للعمل الجماعي المنسق الذي لم يعرفه العرب على مدى قرون سواء على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي.
الإنسان العربي منذ تسعين سنة يتحمل أقسى الآلام لينسى دينه وتاريخه وحضارته، ويفرض عليه أن يبقى يلهث خلف لقمة العيش. وكما يقولون: للصبر حدود، ولا يعلم جنود ربك إلا هو – ساعدت الأدوات التكنولوجية في توفير بيئة آمنة للشبكات الاجتماعية وبناء ثقافة مشتركة تطورت من عالم افتراضي إلى عالم افتراشي – كالتي تفترش ميدان التحرير بمصر الآن - تشعر الإنسان العربي بالعزة وقوة حضارته حتى لو كان دمه يسيل من رأسه وحتى لو داسته أقدام دواب الأنظمة المستبدة. فمعادن ثمينة صلبة تنفع الناس لا تزال تلمع بين شبابنا تخبر أقوى الأنظمة في العالم أننا فوق كل التوقعات وقادرين على أن تجاوز كل القيود، تعلم اليوم العالم بأسره معنى الحرية والإرادة.
رياح التغيير لا يمكن مقاومتها.. ولا مكان لاسترخاء أو كسل.. الأمل كبير.. والفجر قادم – إن شاء الله.