بيضة كريستوفر .. وموضة الثورات

تم نشره الثلاثاء 15 شباط / فبراير 2011 02:14 صباحاً
بيضة كريستوفر .. وموضة الثورات
أكرم التلاوي

ربما أغلب القراء يعرف قصة بيضة كريستوفر كولمبوس , ولكني سأدرجها لمن لا يعرفها , فبعد أن اكتشف كريستوفر قارة أمريكا وعاد إلى بلده أخذ الكثير من المغرضين بالتقليل من حجم انجازه في حضور الملك بقولهم لو أن مركباً شراعياً أبحر غرباً في الأطلسي لاكتشف القارة , وحين رأى كريستوفر خبثهم أراد أن يُحرجهم فحمل بيضةً وسأل الحاضرين من منكم يستطيع إيقاف هذهِ البيضة على رأسها دون أن تتدحرج وتنكسر , فقاموا واحداً تلو الآخر يُجرون المحاولات ولكن دون جدوى , ففي كُل مره كانت تتدحرج البيضة , وحين علموا أن ذلك ليس ممكناً طلبوا إليه أن يفعل ذلك , فما كان منه إلا أمسك البيضة ونقر رأسها بالطاولة فأحدث فيهاً كسراً صغيراً مجوفاً وأوقفها على هذا التجويف الصغير , حينها قالوا لهُ لم تقل لنا أن بإمكاننا كسرها , فقال لهم " هنا تكمن المسألة " , أنا أفكر وأنتم بحاجة لمن يفكر عنكم .

أوردت هذهِ القصة لغرضين الأول قيام الكثير من المغرضين والمتخاذلين بإطلاق التُهم جزافاً على الشباب التونسي والمصري واتهام ثوراتهم بأنها ثورة مُسيسة وأنها ثورات مُخطط لها من قبل أمريكا تارةً ومن قبل إيران تارةً أخرى ومن قبل آخرين لهم أجندات في البلدين كالإسلاميين مثلاً , والزج بنظرية المؤامرة في كُل أمر يحدث داخل هذا الوطن العربي لدرجة لو أن رجلاً قبّل امرأتهُ في مرحلة متقدمة من العمر أو أن طفلاً أطلق ريحاً بعد دقائق من خروجه من بيت الراحة لجعلوا لأمريكا يداً في ذلك , ولا أعلم لمَ وصلنا لهذهِ الحالة التي يُرثى لها والتي تجعلنا كدمى متحركة بخيطان خارجية دائماً حتى فقد المواطن العربي ثقتهُ بنفسه وبأي عمل عربي وحتى وان كان هذا العمل نظيفاً .

أما الغرض الثاني من طرحي للقصة أعلاه هو تحوّل الثورة إلى موضه , فبعد أن عرف الجميع طريقة إيقاف البيضة على رأسها , أصبح الجميع للأسف يريدون قلب الحُكم رأساً على عقب وإشعال ثورة حتى لو كان الأمر لا يستدعي ذلك متناسيين أن نعمة الأمان والسلام والهدوء لا تُضاهى بثمن , للأسف البعض لا يميز بين الوضع في تونس وفي مصر وبين الوضع في بلده , ففي تونس مثلاً كان النظام إضافة للفقر والفساد والقمع والتعذيب في السجون يضيق حتى على من يقوم بالصلاة وكان يمنع النساء من ارتداء الحجاب ووصلت بهِ الصفاقة أن يقوم بسجن من يبيعون " لعبة فُلّة " المحجبة بحجة أنها دعوة للطائفية !
وفي مصر إضافة للفقر والفساد والسرقة من جيوب الشعب والقمع والتعذيب في مراكز الشرطة حتى لمن يكون اشترك في مشاجرة عابرة وقذفهم بأبشع الشتائم من قبل الأمن وضربهم وكأنهم دواب بل وصلت في أحيان أخرى لقيام رجال الأمن باغتصاب الموقوفين من رجال ونساء ومثل هذهِ الأفعال لا تمت للإنسانية بصله , كان المواطن عاجزاً عن أخذه حقه من النظام وكان عاجزاً حتى عن قول كلمة لا في وجه الظلم , ولا يُعتب على الشعب حين يثور لينال حريته , لذلك على الجميع أن ينظروا للفرق بين ما عاناه الشعبان المصري والتونسي في حكم بن علي ومبارك وبين أوضاع بلدانهم , فحين يكون هناك هنّات وأخطاء في أي نظام نعم يجب على المواطن أن يُطالب بتعديلها وأن يرفض الاستمرار في الصمت لكي لا تتفاقم , ولكن لا يكون ذلك بإطلاق ثورة للإطاحة بالنظام عند أول مفترق طُرق , علينا أن لا نُغيب الحوار أبداً في المطالبات الشرعية وعلينا أن لا ننتهج أسلوب التهديد والوعيد حين المطالبة بحقوقنا , فالثورة ليست لُعبة ليتاجر بها البعض على حساب أمن الدول وأمن المواطنين بتأجيج الشعوب وإشعال نيران الفتنة لأبسط الأمور , علينا أن نحترم الثورات الحقيقية ونحترم تلك الشعوب التي تصنع أمجادها وتاريخها بنفسها , ولكن علينا أيضاً أن لا نُسيء لتلك الثورات وأبطالها باقتفاء أثرهم في صناعة ثورات زائفة ترمي المنطقة بأسرها إلى فوهة البركان , لطالما كانت الشعوب العربية تُقلد الموضة تقليداً أعمى , لذلك نرجو أن لا تُصبح الثورات موضة ونتبعها دون إدراك ودون تفعيل لدور العقل فليست كُل بلدانكم مثل تونس ومصر , وليس كُل الحكام هم بن علي ومبارك فالحذر الحذر .



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات