هل عاد (الربيع العربي) من بوابة السودان و الجزائر؟
انطلقت (موجة الربيع العربي الأولى) عام 2011 كاستحقاقٍ طبيعيٍ و موضوعيٍ و متوقع لتراكمات سلبيةٍ هيمنت على الأقطار العربية لنصف قرنٍ من الزمن، اتسمت بالدكتاتورية و الفساد و سوء الإدارة. كان يُؤمَّل من ثورات الشباب أن تنجح في بناء نموذج معاصر للدولة الحديثة حيث الديمقراطية و التنمية و التحرُّر، غير أنَّ (أجهزة الدولة العميقة و عسكرة الثورات و تشابك المصالح ما بين الدكتاتوريات العربية و المصالح الدولية و الإقليمية) قد حَوَّل الربيع العربي لمحرقةٍ مفتوحةٍ ما زالت تنزف في اليمن و ليبيا و سوريا، و نجحت جزئيًا في تونس، و انتكست في مصر.
الثورات الشعبية التحرُّرية تنتقل ما بين الأمم تباعًا، و تتعلَّم كل ثورةٍ من سابقتها و تتأثَّر بها؛ لقد كان لحجم الدم و النار الذي شهده الإنسان العربي في (سوريا و اليمن و ليبيا) دور المثبِّط و المحبط له و لحراكه، لذلك لاحظنا وقف المد التحرري فجأةً بعد أن اجتاح سبع دول عربية في غضون عام واحد فقط، وكان هذا نتيجة التبعات الكارثية التي جعلت الجميع يبدو كخاسرٍ.
الظروف الموضوعية للثورة ما زالت قائمة في أغلب دول العالم الثالث و بالذات الدول العربية، حيث الفقر و البطالة و الفساد و الطبقية و التفرد بالسلطة و غياب الأمل. لقد كان من المتوقع جدًا استعادة الثورات العربية موجتها من جديد، فنجاح ثورة تونس ما زال يبث الأمل لدى الشباب العربي بإمكانية التغيير، برغم الانتكاسة الكبيرة في ساحات التحرُّر الأخرى.
الشباب العربي اليوم يخرج بِنَفَسٍ جديد في الجزائر و السودان، معلنين بوضوحٍ انطلاق الموجة الثانية للربيع العربي، و يبدو أن الإنسان العربي قد بات مستعدًا للحرية و بأي ثمنٍ، و يبدو أنه لم يعد مقبولًا أن يعيش ملايين الشباب حالة اليأس و الإحباط و البطالة بينما يتفرد بالسلطة ديناصورات آن لها الانقراض بعد الفشل الكامل و المزمن في بناء الدولة العصرية الحديثة المزدهرة و الديمقراطية التي يُؤمَّلُ منها حفظ كرامة و حقوق الإنسان.
واهمٌ من يعتقد بأن هنالك سبيل غير طريق الديمقراطية للعبور إلى المستقبل، و واهمٌ أكثر من اعتقد بأن الدكتاتورية تستطيع أن تحقق للشعوب غير الفشل و الظلم و الفساد و التسلط. الوطن العربي اليوم على عتبة مرحلة جديدة من التاريخ، سيكتبها الشاب العربي و جلاده الدموي.