الشعر حارس بوابة الابداع وسيد الفنون (شعراء ونقاد)
المدينة نيوز - مجدي التل - رفض شعراء ونقاد ان يكون الشعر قد اخلى موقعه في المشهد الابداعي للرواية، "فالشعر حارس الفنون الادبية الابداعية وسيدها، على الرغم من تراجع اهتمام بعض شرائح المجتمع والمؤسسات الرسمية والخاصة". يقول الناقد الدكتور زياد الزعبي لوكالة الانباء الاردنية(بترا)؛ "مثّل الشعر العربي في مراحل حياته الممتدة عميقا في الثقافة العربية عبر قرون الفن الأكثر تأثيرا وحضورا في المحتمع العربي، فقد مثل الفن المعبر عن القضايا التي تشغل الإنسان العربي ويحاور الأسئلة التي تشغله ويعبر عنها تعبيرا فنيا، يملك القدرة على التواصل مع المتلقي والتأثير فيه، أي أنه كان ينبثق في موضوعاته ولغته من الإطار الذي يتخلق فيه ويعبر عنه".
الزعبي يرى ان الشعر تحوّل في معظمه، إلى بنى فنية جمالية خالصة وفقد كثيرا من إمكاناته في التواصل مع المتلقين والتأثير فيهم، كما أن البنية الثقافية والاجتماعية العربية الراهنة تمعن في الاستجابة لمعطيات الواقع المعاصر الذى أتاح وسائل تواصل أكثر تأثيرا وقربا لغويا وفكريا وبصريا، مما أدى إلى اجتماع أكثر من مؤثر في جعل الشعر العربي اليوم يفقد كثيرا من تأثيره وحضوره، وهي مؤثرات يتعلق بعضها بالشعر نفسه وبعضها بالتحولات العميقة التي أصابت بنى المجتمع وثقافته وخلقت بالتالي هوة حقيقية وبين فن الشعر المكتفي بالجماليات.
الناقد الدكتور عماد الضمور الذي لم يقر بتراجع الشعر بقدر ما تراجع الاهتمام به، اكد لــ(بترا) انه منذ العصر الجاهلي وحتى الآن الشعر ديوان العرب، لافتا الى ان ما حدث في وقتنا المعاصر هو عدم وجود مؤسسة حاضنة للشعر، "فبعدما كانت القبيلة تحتفي بالشعراء المبرزين، وتجعل منهم رسل محبة وسلام، وقادة رأي، وجنود يدافعون عن القبيلة، ومن بعد عن الدعوة الإسلامية، ببلاغة الكلمة وروح المعنى، إلا أنه للأسف الآن لا ناصر للشعر من المؤسسات على اختلاف توجهاتها الفكرية" .
وعزا ما وصفه بــ "طفرة الرواية" إلى الانفجار المعرفي الهائل الذي يشهده العصر في ظل ثورة تكنولوجية أفرزت فضاءً رقمياً يُعلي من الفنون السردية، بل أنه يتيح المحال للسرد إبداعا وتلقيا، موضحا انه استخدم مفردة "طفرة" لأن الشعر أكثر خصوبة وديمومة وتأثيرا.
وشدد على أن الشعر سيبقى سيد الأجناس الأدبية والفنون الابداعية ما بقيت السليقة العربية الصافية.
ولفت إلى ان الحديث عما تعانيه الأجيال من فساد السليقة وهو فساد قاد الى تراجع الشعر لان كثير من المتلقين لم يعودوا مخلصين للشعر وتلقيه بسبب الثورة التكنولوجية التي أخلت بمعادلة التلقي الصافي للشعر والانحياز للسرد بتوظيف الاجناس الابداعية الاخرى، معتبرا أن الجوائز المالية الكبيرة المخصصة للرواية جعلت كثيرا من المبدعين يتوجهون للرواية على حساب الشعر الذي ينتظر عودة قوية. وقال الناقد والشاعر الدكتور راشد عيسى؛ "سيبقى الشعر حارس الفنون جميعا، والمعبر الأول عن علاقة الوجدان بالوجود، فلا التغيرات الاجتماعية ولا التحولات السياسية قادرة على ازاحة مكانته الفنية".
ورأى الدكتور عيسى أن ما يشهده الشعر من تحولات شكلية هو امر بدهي ضروري، مؤكدا انه لا يخشى على الشعر ولا على اللغة العربية، وأن الشعر لن يهتز امام الرواية ولا امام السياسة، وسيظل الحصان الاسطوري الذي يصهل في السماء، واذا كان هناك من تخوف على حالة الشعر فهو كثرة المدعين وارباع المواهب الشعرية وما وفرته لهم وسائط التواصل الاجتماعي من سهولة النشر.
وقال "الشعر اعظم المظاهر الحضارية الخالدة للعرب، وسيبقى فائزا بقصب الرهان".
وقال الشاعر الدكتور حكمت النوايسة "أظنّ أن الشعر لم يغادر لا منزله ولا منزلته، وهو كما هو، ونحن الذين غادرنا وعينا وفهمنا لمكانة الشعر على مرّ العصور، فهو مهمّ إن كان حارّا قاسيا يقسو على أولي الأمر، وهو بليد، وغير مهم عندما لا يهتم بأمر العامة، وليس بينه وبينهم روابط مشتركة، هذا حال الشعر الجيد الآن.
وتابع "أما الشعر الذي يجتر التجارب السابقة، ويوظفها في البحث عن النجومية، فإن (سوقه ماشي) بحسب وصفه، وتجد له من الأصداء الكثير الكثير".
وبحسب الدكتور النوايسة ان الأمر ينطبق على الفنون الأدبية الأخرى، فالروائي الملتزم دينيا أو قوميا، ووراءه حزب أو حلف، فإنه سيصبح أكثر الروائيين شهرة لأن الاعتماد ليس على فنيّة الرواية وجدّة أفكارها، وإنما على الجمهور المحرّك بالريموت كونترول، من الجهات الحزبية، أو على الجمهور غير المعني بالفني بقدر بحثه عمّا يعبّر عما يريد، أو عمّا يعرف تماما، وهذه مشكلة المشكلات، معظم جمهورنا يريد منّا أن نكتب الأشياء والموضوعات والمضامين التي يعرفها هو ولا يستطيع التعبير عنها.
واعتبر أن الشاعر صاحب الجمهور العريض؛ هو الشاعر الذي يتخلى عن ذاته وينتقل إلى التعبير عن الناس، فهو أشبه ما يكون بالباكية المستأجرة. وقال "أنا هنا لا أدعو إلى الابتعاد عن هموم الناس، وتطلعاتهم"، داعيا إلى تقديم ذلك بفنية عالية، والارتقاء بذائقة الجمهور، أولا، وثانيا اقتراح أفكار وموضوعات جديدة لم يعرفها الجمهور.
وأكد أن الشعر ما زال يحفظ منزلته، ولم يتغير، ولم تتغير المنزلة، وعلى العكس، زادت مكانته نتيجة الثراء في التنوع الفني والتطور الحداثي الذي طرأ على القصيدة العربية، مشيرا إلى انه لدينا القصيدة العمودية المتطورة جدا، وقصيدة النثر، وقصيدة التفعيلة، والشعر الحر، وغيره، وكل له جمهوره الخاص، هذا فنيا، وأما موضوعيا، فلدينا الشعر الفلسفي، والشعر التأملي، والشعر الوقائعي، والشعر الواقعي، وشعر الحب وشعر الحرب، والشعر الصوفي، والشعر المتصوف، والشعر الديني الوعظي.
واعتبر ان المكانة المهمة التي يأخذها الشعر على منصات التواصل الاجتماعي من المتابعات، تؤكد أن الشعر موجود وباق، ولكن المؤثر عليه هو مشكلة المشكلات، وهي مشكلة التعميم، التعميم الخاطئ غير المستند إلى أي دراسة.
الدكتور النوايسة لم يعتبر ان الشعراء الذين ذهبوا لكتابة الرواية يوصفون بـ"التحول" بل إنها الكتابة التي تجعل الكاتب يتقيد بشروطها، فما يصلح لأن يكون قصيدة ربما لا يصلح لأن يكون رواية، أو قصة، وهكذا، وإذا كتب الشاعر رواية، فإنه لم (يتحول)، وإنما يكتب بفن جديد، وبقي الشاعر فيه لم يغادر مكانته.
وعن حالة النقد والشعر قال "لا يوجد نقد عربي بالمعنى الصحيح، لا يوجد نقد عربي أصيل"، لافتا كذلك إلى محدودية النقاد مقارنة مع الكم الكبير من الإنتاج الإبداعي.
واعتبر الناقد والشاعر الدكتور ناصر شبانة؛ أن أُمّةٌ تفتقد كرامتَها وفرسانَها تتنكّرُ لشعرائِها".
وقال "ارتبط الشعر العربي منذ وجوده بالفحولة والفروسية والإباء، فالشاعر فارس الكلمة، والكلمة أخت السيف في المنعة والقوة، وحين كانت الأمة بعافية، وسيفها مشهرًا ورايتها خفاقة، كان الشاعر لسانَ حالها، وعنوان رجائها ورجولتها، معتبرا انه "من الطبيعي حين تنكسر الأُمة، وتريق ماء كرامتها، وتنكمش على ذاتها باكية خائفة، أن ينمكش الشاعر، ويتحول إلى مهرج يرقص على الحبال".
ورأى انه "إن بقي الشاعر على عنفوانه وإبائه، فإن القوم لا بد أن يتبرؤوا منه، وأن يرفضوا طروحاته الثائرة، وأن يتهم بالمروق والخروج على القبيلة، وهذا بالضبط ما يحدث الآن، فقد بات الشعر منبوذًا لأنه المحرض والثائر، ولأنه الفارس والمقاتل، ولأنه يمتلك الأنياب والمخالب". وبحسب الدكتور شبانه إن المطلوب من الشاعر أن يتكيف مع الهزيمة، وأن يعترف بها، وإلا ثارت عليه القبائل العربية، ونبذته كما نبذت صعاليكها الأوائل، خوفًا من بطش الآخر الغريب، الذي يريد تجريد الأمة من كل أسلحتها، وهل أفتك من سلاح الكلمة، وقذيفة القصيدة.
وقال "سيظل الشعر على حاله، حتى تنهض الأمة من كبوتها، وتخرج من رمادها كطائر الفينيق، حينئذ ستمجد شعراءها، وتحتفي بهم بوصفهم المقاتلين الأشداء، والشهداء الذين أسهموا في إعادة الأمة إلى حقل كرامتها، وبستان إبائها". ورأى الشاعر والزميل غازي الذيبة؛ أن الشعر العربي يخوض معركة بقاء، معتبرا أن السهل والساذج في الكتابة فاز في الحضور، على العمق والاستشراف.
وقال الذيبة "مذبحة مريعة للجمال تمت على يدي القبح، ووجهت أجيالا جديدة الى كتابة ما يسمى بـ"الرواية الجديدة"، ورصدوا ملايين الدولارات لجوائزها ونشرها، فانسلخ شعراء كثر عن الشعر وذهبوا الى الجوائز والانتشار السريع، وقلدهم هواة أدب ساذجون، بعضهم نال جوائز كبيرة، مع انهم لا يستحقون...".
واعتبر انه لم يعد للشعر مكان، حتى أعظم شعراء العربية حين تذكرهم اليوم لا تجد من يعرفهم من الاجيال الجديدة، محملا المؤسسات التعليمية المسؤولية التي اعتبرها هي الاخرى لعبت دورا في طرد الشعر. وقال "فعليا المؤسسة الرسمية العربية تهاب من الشعر، لانه التعبير الاصدق عن العربي وواقعه، لذا قذفته بصواريخها المدمرة، وهي تحاول انهاءه، حتى لا يعود ويحرض عليها، وتركوا الرواية لكي تتسيد المشهد، لانهم يعلمون بأنها أقل تأثيرا من نملة عليهم". الشاعر مهدي نصير؛ رأى انه ربما كان هناك أسبابٌ موضوعيةٌ لتراجع حضور الشعر, أهمها هو القطيعة بين مدارس الشعر العربي المعاصر والمتلقي العربي الذي ما زالت ذائقته الشعرية تُربَّى بالمدارس والجامعات على القصيدة الكلاسيكية بإيقاعاتها الخارجية الحماسية العالية مما يحجب اللغة عن ممارسة دورها في الحفر عميقاً وبعيداً في وعي المتلقي وخلق مناخاتٍ جديدةٍ لتلقي الشعر بصورته المكتوبة وليس صورته الشفاهية الإيقاعية الطاغية .
ولفت نصير إلى انه لا بدَّ للناقد الحاذق أن ينتبه لقضيةٍ مهمةٍ تتعلق بأشكال الشعر العربي المعاصر العمودي والتفعيلي والنثري، وأنها تتجاور وتتنابز وتتمترس ولا تعترف بشرعية تعاقبها وتناسلها من بعضها البعض نتيجةً لتطور الحياة العربية واتصالها بحضارات أخرى ودخولها في تحدياتٍ وجوديةٍ تحتاج لمواجهتها لهضم واستيعاب ومحاولة الاقتراب من مناخات الشعر العالمي في مدارسه المختلفة من الرومانسية والغنائية والرمزية للسريالية والأسطورية، والمدارس التي عملت على ردم الهوة بين الشعر والسرد واستفادة كليهما من تقنيات الآخر.
واعتبر أن هذا المناخ أدخل القصيدة العربية في صراعٍ ما زال مستمراً بين الأصالة الكلاسيكية للقصيدة العربية وبين الأشكال الجديدة التي نشأت نتيجةً للإحتكاك مع التطورات التي أنجزها الشعر العالمي وخصوصاً الأوروبي بمدارسه الحديثة المختلفة والمستندة بشرعيتها على العلوم الانسانية التي قطعت أشواطاً كبيرةً في سبر غور النفس البشرية بعقلها الفردي وعقلها الجمعي والذي انعكس في غموض وتعقيد القصيدة الحديثة التي أصبحت صعبة المنال على القاريء العادي مما دفع القصيدة الغربية لتصبح قصيدة نخبويةً شرعيةً لها جمهورها ولها حضورها في مناهج التعليم المدرسية والجامعية الذي وسَّع من قاعدة جمهورها ومتلقيها, وهذا بالضبط ما لم يحصل في القصيدة العربية الحديثة التي خرجت على محددات القصيدة الكلاسيكية العربية ولكنها لم تجد حواضن تربوية في المناهج لتؤسس لحضورها في نخبة واسعةٍ من المتعلمين.
ودعا الى دخول القصيدة العربية الحديثة في المناهج الدراسية لمختلف المراحل المدرسية حتى تكون القصيدة العربية الحديثة حاضرةً ولها جمهورها ومتابعوها، كما دعا لإدخالها بالمناهج والدراسات والأبحاث العلمية الجامعية قي مراحلها المحتلفة مما يدرِّب المتلقي على التعامل مع تقنيات وأساليب هذه القصيدة العربية الحديثة.
وخلص إلى أن التراجع في حضور القصيدة الحديثة في ثقافتنا العربية المعاصرة مرتبطٌ ارتباطاً عميقاً بالاستلاب السياسي والثقافي والاقتصادي والتعليمي والانساني الذي يعيشه المواطن العربي, مبينا أن الشعوب الحرَّة أكثر قدرةً واستعداداً لتلقي مناخات الحرية التي يُبشِّر بها ويحملها الشعر بمدارسه الحديثة وتحملها القصيدة الحديثة بغموضها وتناصاتها مع التاريخ والأسطورة والطبيعة ومنجزات العلوم الانسانية في كل المجالات.
وقال الشاعر صلاح ابو لاوي؛ تحضرني مقولة الشاعر العراقي الكبير عبد الرزاق عبد الواحد رحمه الله في رده على سؤال صحفي أن "شاعر رديء وناقد رديء ينتجان قارئاً رديئاً".
وأضاف ابو لاوي انه على مدار التاريخ الأدبي عربياً وعالمياً فهناك جيل من النقاد موازٍ لكل جيل مبدع، وللأسف اختفى أو تقلص هذا الجيل النقدي، بينما ازداد بشكل لا يمكن السيطرة عليه عدد الشعراء، وتعددت أشكال القصيدة ما بين العمودي والتفعيلة والنثر، فاختلط الحابل بالنابل، ولم يعد القارئ العادي يميز بين الغث والسمين، فهجر الجمهور الشعر أو يكاد.
ورأى أن القصيدة العربية بشقيها التفعيلة والعمودي تطورت بشكل لافت، مشيرا إلى كم من الشعراء الجيدين على مساحة الشعر العربي يفوق ما كان عليه الشعر العربي القديم ويتفوق عليه.
ولفت إلى انه رغم ظهور أدوات التواصل الالكترونية إلا أن التواصل ما بين الجمهور وهؤلاء الشعراء لا يزال في حدوده الدنيا، إلا من حملته القنوات الفضائية وأدخلته لكل بيت فلمع اسمه وذاع صيته بعيداً عن المستوى الفني لقصيدته.
واعتبر أن المشكلة الحقيقية تكمن في أنه ليس الأفضل من يبرز وليس الناقد المحايد من يقدم هذا ويؤخر ذاك، إنما هي الحوامل والروافع.
وأرجع تسابق بعض الشعراء لكتابة الرواية لاتساع رقعة جمهور الرواية وانكماش جمهور الشعر، بعيداً عن الجوائز التي تأتي في مرحلة لاحقة، معتبرا انه كما في الشعر فإن قليلاً من الروائيين الشعراء أحسنوا كتابة الرواية بينما الكثير منهم أصبحوا فائضا لا قيمة له.
ورأى أن السياق السياسي العام ساهم بلجم دور القصيدة من خلال استنهاض المشاعر الوطنية والقومية، وكذلك التحولات الاجتماعية وتردي القيم والمشاعر وهيمنة القيم المادية على على حساب القيم المعنوية في المشهد المجتمعي لعبت دورا كبيرا في تراجع المشهد الشعري.
وقال إن الهيمنة الاستعمارية على ثقافتنا لعبت دوراً أساساً في تحويل مجرى الشعر العربي من تعبير عن هموم الأوطان والناس إلى هرطقات رمزية تحت ادعاء الحداثة وما بعد الحداثة، ليستدرك انه ليس ضد مفهوم "الحداثة" بقدر ما أنه ضد تغيير الموقف، موقف الشاعر من قضايا الأمة وابتعاده عنها.
والحداثة بحسب ابو لاوي هي حداثة كلمة لا حداثة موقف، وأجمل الشعر ما يطرح ما يهم الناس والأوطان بقالب فني جميل دون أن يفقد أدواته.
وقال إذ استعرضنا تاريخ الشعر العربي فإن أشهر الشعراء قديماً وحديثا هم شعراء كتبوا من خلال واقعهم وصوروا عصرهم خير تصوير ولم يتنازلوا عن تطوير القصيدة العربية وتحديثها.
وأكد ابو لاوي أن الشعر الذي لا يغرف من تراب الوطن ويعصر خمره من كرومها شعر ناقص مهما بلغ من الشاعرية. وقال الشاعر والناقد الدكتور سلطان الزغول؛ لعل انفتاح القصيدة الحداثية على آفاق متقدمة عن السياق الاجتماعي والثقافي العام ساهم في تراجع دورها ومساهمتها في التأثير، ذلك أن الشاعر الحداثي سابق لزمنه ويرتاد آفقا معرفيا خصبا وبوسائل إنتاج غنية ومشبعة بآفاق ثقافية لم يتم استيعابها بعد على مستوى جمهور الشعر الذي ما زال تقليديا مشبعا بثقافة ماضية. ولفت إلى أن القصيدة التقليدية فقدت تأثيرها لأن أدواتها لا تتناسب مع ما وصلت إليه الثقافة من آفاق وتطورات على المستويين الفكري والشكلي، وصدمة الشاعر امام جمهور لا يتواصل معه فنيا ومعرفيا وعقله مشبع بإيقاعات القصيدة القديمة ويرفض الانفتاح على أفق مختلف منذ ثورة السياب وأدونيس وزعماء الحداثة الشعرية، دفع به إلى الإحباط واليأس والهروب إلى الرواية او النقد أو الانعزال.
وبحسبه فإن الشعر الحداثي قادر على التغيير اجتماعيا وثقافيا لكن ببطء، ولن يفتح المتلقي بثقافته التقليدية قلبه وعقله له بسهولة، لكنه في النهاية سيتمكن من فرض وسائله الفنية وتقدميته وحداثته.
واعتبر مقرر لجنة الشعر في رابطة الكتاب الاردنيين الناقد والشاعر الدكتور عبدالله ابو شميس؛ أن المشكلة في ما تعيشه المرحلة من تراجع شعري، تكمن بشكل أساسي في الشاعر وليس خارجه.
وأوضح ابو شميس أن الشاعر العربي حالياً بعيد عن وعي العصر، بمعنى أنه متأخر عن العصر، بعكس ما يجب أن يمتاز به الشاعر -والفنان عموماً- من معاصرة للحاضر واستشراف للمستقبل.
ورأى أن على الشاعر أن يطور وعيه وأدواته لتناسب العصر الحديث والقراء الجدد، لافتا إلى أن القارئ الجديد أصبح ينفر من الذاتية المفرطة وانعدام الموضوعية، وكذلك أصبح يستسخف الصراخ الشعري والمبالغات الفارغة.