شاورما أو كباب مشوي مرة في الأسبوع!!
محض الصدفة، لكنها ادمت القلب، وانا اتابع برنامج تلفزيوني رمضاني يقدمه تلفزيون فلسطين بعنوان «قبل الافطار»، حيث يطوف المراسلون مختلف محافظات فلسطين بضفتها وقطاعها، استوقفتني جولة للبرنامج في محافظة خانيونس بقطاع غزة، وقد اجرت المراسلة عدة لقاءات مع مواطنين وامطرتهم بوابل من الاسئلة، وكانت الاجابات واقعية وذكية في نفس الوقت، الى ان وصلت الى احد الشبان الذي يعمل في محل تجاري لبيع الادوات المنزلية، فقال ان حركة البيع ضعيفة والمردود المالي قليل، ومع ذلك فانه هو وشريكه لا يغلقان المحل ويعملان فيه ليلا ونهارا لجمع ما تيسر من المال، وفي معرض اجابته على سؤال اين تتناول الافطار قال نجتمع عدة اشخاص مع اصحاب المحال المجاورة ونفطر معا، وماذا تفطرون، يجيب ..حمص وفول وفلافل ومرة واحدة في الاسبوع نتناول شاورما او كباب مشوي، المرة الواحدة في الاسبوع هذه الجملة التي قصمت كل شيء، واثارت العواطف والشجون والمشاعر والغضب، ودفعت الدموع غصبا، لانها تخرج من فم شاب في منتصف العشرينيات من العمر، لم يهزمه اليأس والاحباط والفقر والقهر، وظلّ يحفر في الصخر لتأمين الخبز لافراد اسرته، مما يثير التساؤل ما هو فطور عائلته، وعشرات آلاف العائلات الغزية، التي لا تجد ما يسد رمقها وجوعها بعد صيام يوم طويل، وهناك اربعمائة مليون عربي يلقون في حاويات القمامة يوميا ما يكفي لاطعام نصف مليار نسمة خاصة في شهر رمضان المبارك، حيث الافراط في المأكولات والمشروبات والمبالغة الشديدة في الانفاق، وتحديدا في الدول الغنية .
الغزيون يفتقدون الفرحة الاولى في رمضان، وهي فرحة الافطار، وقد انقلبت بالنسبة لهم الى حزن، وربما فضّل الكثيرون منهم ان يتواصل الصيام وان لا تأتي لحظة الغروب وسماع صوت الاذان، لتجنب الاحراج امام اطفالهم وافراد اسرهم الذين يفرحون مثل اطفال الاغنياء في دول البذخ والترف، لانهم استطاعوا ان يصوموا، لكن الصدمة تنتظرهم وقت الافطار حيث لا يجدون ما يكفي لملء امعاءهم الخاوية لا كماً ولا نوعاً، كم هي صعبة تلك اللحظات القاتلة، ومع ذلك لا ينهزمون ويواصلون صومهم بما تيسر وتوفر من الطعام والشراب.
المرة في الاسبوع عند الغزيين في تناول اللحوم، يقابلها مرة في الاسبوع ايضا عند غيرهم، لكن في عدم تناول اللحوم بانواعها، من اجل كسر الروتين والزهق والملل من تكرار تناولها يوميا، شتّان بين المرتين .
رغم صعوبات وقسوة ظروف حياة الغزيين، الا انهم مصدر قوة لغيرهم ويشحنون الاخرين بالمعنويات، ولديهم من الامل والتفاؤل والعزيمة والارادة ما يكفي للصمود سنوات طويلة، ترى في عيونهم التحدي والاصرار على الحياة، والاستعداد الدائم لمواجهة كل المفاجآت والاحتمالات، والايمان بحتمية الانتصار.
الدستور -