الدراما الرمضانية تنحدر بذائقة جمهورها العربي
المدينة نيوز :- هبط الكثير من البرامج والمسلسلات الدرامية التي بثتها فضائيات عربية خلال شهر رمضان المبارك بمستوى الذائقة الفنية لدى المشاهد العربي من خلال تمجيدها الجريمة، والتلذذ بتخويف الآخر، وألفاظ خادشة للحياء، خلافا للقيم والأخلاق المجتمعية.
مسلسلان دراميان، وبرنامج "مقالب"، وآخر اجتماعي، وحلقات ساخرة لمسلسلين، رصد محتواها تحقيق لوكالة الأنباء الأردنية "بترا"، على مدى 27 يومًا من شهر رمضان المبارك، على شاشات فضائيات عربية، ظهر ابتذال في محتوى بعضها، والسير بالجيل الجديد نحو تكوين صورة نمطية جديدة تتمثل بقبول قيم وعادات ومفردات وأفكار تشكل "عيبًا اجتماعيًا" قياسا بعادات وتقاليد المجتمع العربي المحافظ. 4 آلاف و320 دقيقة هي مجموع ما تعرض له الجمهور العربي من مشاهد في هذه العينة الدرامية لمحتوى الرسالة الإعلامية الموجهة له عبر 6 برامج، عُرضت بشكل يومي وفي أوقات اجتماع العائلة بين 7 إلى 9 مساء كل يوم، وتعاد في اليوم التالي، ويتم بثها أيضا على موقع "يوتيوب" وموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" وتحظى بنسبة مشاهدة عالية.
وخلال تحليل مضمون هذه البرامج، روج بعضها لتخليص الفقير من فقره عن طريق ارتكاب الجريمة والتجارة بالممنوعات ودعم وتأييد المجتمع له، وقدّم بعضها لنموذج الاعتداء على الآخرين بحجة "المقالب" بطريقة مهينة ومخيفة، والقيام بإيحاءات جنسية دون مراعاة لطبيعة المتلقي إنْ كان طفلا أو بالغًا راشدًا. ورصد التحقيق قيام بعض هذه البرامج انتحال صفة رجال أمن ومحاولتهم اعتقال عدد من الضيوف بصورة سلبية لتعامل رجال الأمن عند الاعتقال، كما لجأ بعضها الى استخدام ألفاظ نابية وخادشة للحياء من أجل الترفيه عن المواطنين دون ترميزها أو وضع إشارة أعلى الشاشة تبين للعائلات أن هذا المحتوى يحمل مشاهد غير مناسبة للفئات العمرية الصغيرة.
تقول إحدى الأمهات إنها فشلت في منع أطفالها الذين تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 15 سنة من مشاهدة مسلسل يأتي عقب الإفطار مباشرة، رغم كل نصائحها لهم بأنَّ محتواه غير مناسب لهم، حتى ان بعضهم بدأ يحاكي ويقلد محتوى المسلسل مثل الالتفاف على الحقيقة وصناعة المقالب والتلفظ بألفاظ غير مناسبة اجتماعيًا. الناقد السينمائي الزميل ناجح حسن أكد أن موسم الدراما الرمضانية هذا العام "عانى من عوائق وخواء وتحديات أفقدته حس التشويق والتأثير الإبداعي لدى المتلقي رغم استعانة القائمين على تلك الاعمال بعوامل الإبهار التكنولوجي والتي بدت في غير موضعها ومجانية وغير موظفة دراميا بل تتسول المشاهد بتفاعل في هذا الموقف أو ذاك قبل أن ينصرف عنها باحثًا عن سواها".
ويضيف، إن مثل هذا "التناول الفج" في الأعمال الدرامية ومن ضمنها برامج مخصصة للعرض في شهر رمضان تتوخى "دغدغة" المشاهد بعناصر الضحك والمواقف الكوميدية كالذي يقدمه أحد البرامج على طريقة الكاميرا الخفية؛ وجميعها "مفبركة" وتنتقص من ذكاء المتلقي ولا يقيم صُنَّاعها أدنى احترام لذائقة المشاهد وعقله مثلما يجري فيها أيضا تحقير ضيوف البرنامج مقابل عائد مادي سخي.
ويرى حسن أن المحصلة النهائية لما عرض في رمضان عبارة عن "اشتغالات هزيلة وعاجزة عن الاقناع وتغيب عنها الجدية في طرح القضايا والموضوعات التي تتناول هموم وآمال الافراد والجماعات في اكثر من بيئة بصورة صادقة"، ولا يتكئ على نصوص حرّة وجريئة كالتي درجت على كتابتها اسماء لامعة في السنوات السابقة قبل أن يغيبها الموت او المرض مثل: أسامة انور عكاشة ومحفوظ عبدالرحمن والتي رافقتها مخيلة مخرجين وبراعة ممثلين وتقنيين أفذاذ بعيدا عن تلك "الفهلوة" ولعبة إرضاء المشاهد باستسهال يصل الى حدود السرقة والاستنساخ بفظاظة وغلظة عن أعمال أجنبية، فضلا عن خفّة المط والتطويل دون أي معيار فكري او جمالي يخدم تسلسل الحلقات التي تتساوى عادة مع أيام الشهر الفضيل، وهذا كله يعطي اشارات ودلالات تنذر بانطفاء بريق صناعة الدراما التلفزيونية الرمضانية.
المتخصص بالإرشاد وعلم النفس الاستاذ مشهور عطياني قال: إن كاتب النص ومنتج البرنامج يتقرب بهذا المسلسل إلى فئة الشباب ليحصد الاعجاب ونسب المشاهدة ويصل الى الإعلان الذي يُدر دخلا دون النظر الى أثر ذلك على المتلقي أمام الشاشات.
"بطلت عيب" يقول عطياني في إشارة منه إلى ألفاظ وكلمات وايحاءات مرفوضة لضوابط المجتمع الصارمة، إلا أنها "اليوم انتقلت لتصبح على مرأى من الجميع وتأخذ الجيل والمجتمع الى مزيد من الابتذال والانفتاح غير محمود العواقب". وبين أن من بين الصور النمطية الجديدة التي كرستها هذه البرامج والمسلسلات "تصوير الشخص المتعطل عن العمل بأنه قادر على أن يصبح تاجر ممنوعات، ويملك القوة والمكانة، ويستطيع تنفيذ ما يريد. "زيادة في الابتذال، وتفكيك للعلاقات" يؤكد عطياني في تعليقه على أثر هذه الرسائل من خلال تقليد ثقافات مجتمعات أخرى معتقدين أنها تمثل التطور والانفتاح والتحضر، وهذا خطأ فادح، فلكل مجتمع طريقته في العيش والنمو والبناء وفق أسس سليمة تراعي ماذا يشاهد كل شخص حسب سنوات عمره. ودعا أولياء الأمور الى توجيه أبنائهم لبرامج أخرى أكثر فائدة وأقل خطرًا وتكون مناسبة لأعمارهم، لتجنب الآثار السلبية التي تنشأ من تقليد هذه المشاهد، فالغالب أنه يقوم بالتقليد دون معرفة ضررها على نفسه والمجتمع. ولفت إلى أن المحتوى الذي يصدر عن وسائل الاعلام يحتاج الى متابعة وتقييم من قبل متخصصين في علم النفس والارشاد، وبيان أضراره على الأطفال ووضع النصائح والارشادات التي تحمي المجتمع وتسمح للرسائل الاعلامية ان تصل للجميع كل حسب ما يناسبه. يذكر أن بعض نظريات الإعلام ومن بينها نظرية "الرصاصة" تشير إلى التأثير المباشر والتلقائي لوسائل الإعلام، فالإنسان الذي يتعرض لأية وسيلة إعلامية، سواء أكانت جريدة او اذاعة او تلفزيون، يتأثر بمضمونها مباشرة وخلال فترة قصيرة، فإذا شاهد الانسان في التلفزيون مشاهد قتل وعنف، فإنه بالضرورة، بناء على هذه النظرية، سوف يحاكيها ويحاول تطبيقها في واقع حياته.
--(بترا)