تفكيك معادلة تعريب قيادة الجيش المعقدة ؟؟
![تفكيك معادلة تعريب قيادة الجيش المعقدة ؟؟ تفكيك معادلة تعريب قيادة الجيش المعقدة ؟؟](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/74755.jpg)
قرار تعريب قيادة الجيش العربي في 1 آذار 1956م لم يكن مجرد إنهاء خدمات ضابط أجنبي ، فقد كان قرارا صعبا في ظروف معقدة وفي بيئة محيطة معقدة ، واضطراب دولي وحرب باردة ،وصراع بين الكتلتين (الأطلسي و وارسو ) على كسب اكبر قدر ممكن من النفوذ أو على الأقل استمالة بعض الدول، والتغلغل في بنيان عدد من الدول لصالح جهة على حساب أخرى.
ملامح الحرب في اليمن حينها قد بدأت والتي استمرت إلى أواخر عام 1967م ، والسبب هو صراع بالإنابة قادته مصر ضد الملكية بمساندة عبدالله السلال ،(ونستذكر هنا الدور الأردني العسكري إلى جانب السعودية حينها ضد الشيوعية ) والمرشح المنتظر ليكون اليمن الأخرى كان الأردن ،وقد تغلغل عبدالناصر في صفوف الجيش الأردني والقيادة السياسية الذين اخلصوا له تمهيدا لفعل ذات الشيء الذي يجري في اليمن.
وأقول عن التعريب انه معادلة معقدة ، لان أطراف هذه المعادلة معقدة وتخلو من أية عوامل مساعدة بل حولها وفيها ما يزيد الأمر تعقيدا،
وقد واجه المغفور له الملك الحسين (ابن آل 21 عاما حينها ) هذه المعادلة في الخمسينات ، وكانت المعضلة الكأداء كيف يتم التعامل مع كل أطراف المعادلة المتناقضة والتي لا يمكن لطرف أن يتنازل عن أمر ما أو يراعي خصوصية الوضع الأردني ؟؟ وكيف يمكن الخروج من هذه الأزمة والأردن كما هو متمتعا بسيادته واستقلاله ؟؟
هذه المعادلة المعقدة كانت أطرافها هي:
الطرف رقم 1 : الفيتو الروسي المستمر الرافض لقبول الأردن عضوا في الأمم المتحدة منذ استقلاله في عام 1946م ، والسبب أن الأردن لا يقيم علاقات مع روسيا (الاتحاد السوفييتي ) ولا يعترف بالنظام الشيوعي ،ولديه (قانون خاص لمقاومة ومكافحة الشيوعية) .
الطرف رقم 2 : المعاهدة الأردنية البريطانية التي بموجبها يحصل الأردن على أكثر من 75% من موازنته (تدفع بريطانيا بموجبها 12 مليون جنيه استرليني للأردن ) وأيضا يحصل الأردن على حاجته من الوقود ،وكذلك جميع المستلزمات العسكرية من أسلحة ومهمات وذخائر.
الطرف رقم 3 : تنامي حركة الضباط الأحرار داخل الجيش الأردني مع مناصرة من سياسيين وجميعهم كانوا في قمة الإخلاص لجمال عبدالناصر ، وكانت حركاتهم معروفة تماما ومرصودة وبمتابعة من جلالة الملك الحسين طيب اله ثراه وقد تجنب التعرض لهم حتى لا يستفز الأعداء من حوله.
الطرف رقم 4 : الوضع الداخلي الصعب والتحديات التي تواجه الملك الشاب في ضوء عدم وجود ولي للعهد
الطرف رقم 5 : عدا عن التربص بالأردن من حدوده الشمالية ومن جهة سيناء فان الجبهة الأردنية مع إسرائيل لم تهدأ وكانت سلسلة الاعتداءات الإسرائيلية شبه يومية.
هذه أطراف معادلة صعبة وكان لا بد على الأردن من خوض محيطها الهادر بقارب من سعف النخيل ، وسط محاولات لأن يصبح الأردن اليمن بصراعاته ، فقد نجح الضباط الأحرار اليمنيون في تأجيج الحرب الأهلية الداخلية والتي كلفت العرب نزيفا من الدم والجهد والبعد عن قضية الأمة العربية الرئيسية ، ونجح أيضا الضباط الأحرار العراقيون فيما بعد عام 1958م بتنفيذ مخططهم الدموي في بغداد ضد الأسرة الهاشمية ،
من هنا كانت المراهنة على نجاح حركة الأردن ، وبلغت الثقة بالنفس لدى عناصر الحركة إلى المجاهرة بتحركاتهم .
وسط هذه التعقيدات كانت رؤية المغفور له الحسين على ضرورة القيام بعمل لشق غبار هذا الإعصار ،
فالأردن ليس دولة ذات سيادة تامة لأنه ليس عضوا في المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة،فهو بلا شرعية دولية ، وروسيا وأعوانها هم السبب لمواصلة الضغط والتضييق على الأردن،
والضباط الأحرار هم أبناء هذا الوطن ولا بد من التعامل معهم بالالتقاء وإياهم في منتصف الطريق بعد فهم وإدراك مطالبهم،
ولا بد من التضحية بالعلاقة مع بريطانيا ولكن مع ضمان بدائل المساعدات والإمداد.
فكان لا بد من التحدي والمغامرة، وجرأة اتخاذ القرار،
وكان مفتاح أطراف كل هذه المعادلة هو إنهاء الوجود البريطاني الذي يمثل (الاستعمار والامبريالية حسب قول أهل وارسو )، لينال الأردن رضى الأحرار ومن وراءهم، ولكن هل سترضى بريطانيا أيضا عن ذلك ؟؟
والسؤال ما الحل ؟؟
كان اجتماع نيسان 1900 بحضور الجنرال كلوب لبحث تطوير الجيش وفصل الأمن والدرك عنه، والبدء بتسليم قيادات الأسلحة لضباط الجيش العربي الأردني ، وكان كلوب سلبيا في هذا الاجتماع فأطلق الحسين طيب الله ثراه شرارة التعريب في داخله ،
والخطوة الثانية هو أن جلالته قد أسرّ للقيادة المصرية انه ينوي إنهاء خدمات الضباط الأجانب والموظفين أيضا في الجيش ودوائر الدولة ، وجاءت الإشارة من روسيا بأنها لن تستخدم حق النقض الفيتو ضد الأردن ، ونجح الأردن بالانضمام للأمم المتحدة في 15 /12 /1955 ، فتحققت خطوة ذهبية ،
وتحدث جلالته إلى ضباطه ومن بينهم الضباط الأحرار المتربصين ليوم كريهة ، وهو قد قرأ دستورهم الجديد الذي أعدوه لدولتهم القادمة في الأردن بعد نجاح انقلابهم ، وشاهد جلالته رايتهم الجديدة التي ستحل محل الراية الحالية ، يتحدث إليهم بالتلميح والتصريح انه مقدم على إصلاحات جذرية ،إلى الحد الذي اعتقد البعض فيه أن الحسين هو عضوا مع جماعة الضباط الأحرار.
وتم عقد اجتماع قمة مع مصر وسوريا والسعودية وليبيا ولبنان لبحث تعويض الأردن عن المساعدة البريطانية لأنها حتما ستقطع مع اتخاذ قرار التعريب، فكان أن توزعت الدول العربية (مصر وسوريا والسعودية وليبيا ) هذه المساعدات لتعويض الأردن سنويا،
وتهيأت الظروف لاتخاذ القرار ، فصدر في الأول من آذار 1956م قرارا مدويا صفقت له الصحف المصرية والسورية ليس من اجل عيون الأردن ، لا ، بل فرحا من التخلص من قيادة أجنبية وهم يزفون انتصارهم الذي عزوه لأنفسهم إلى مشايخ وارسو.
ولكن بعد التعريب لم يقدم أحدا فلسا واحدا إلا المملكة العربية السعودية،
وقال أهل وارسو أنهم سيقدمون إلى الأردن خبرات عسكرية وأسلحة وذخائر روسية بدلا من المال ، وبالتالي أي تحويل العقيدة والمنهج الأردني إلى معسكرهم الشرقي . ورفض جلالة الحسين طيب الله ثراه كل ذلك حتى جاء الفرج من منحة أمريكية فورية بقيمة 20 مليون دولار.
وخرج الأردن من بحر الظلمات المتلاطم ، وفكك معادلة التعريب بكل أطرافها ، وحقق أهدافه بانتصاره على ذاته ، وصمد وهو لم يثن هامته رغم كل التضييق والتآمر ، وانطلق بمسيرته بكل قوة وعزم .
ولكن هل سكت الضباط الأحرار بعد أن انتهت ذرائعهم ؟؟
الجواب لا ، واستمروا في عملهم الداخلي لأن طرد القيادة الأجنبية لم يكن كافيا أبدا ، فلا بد من نحذف النجمة السباعية منن رايتنا ونضع المنجل مكانها حتى يرضى آل سيمونوف وكلاشينكوف ،
والمسألة ليست أن هذا الحليف أفضل من هذا الحليف ، لكنها المصلحة الأردنية العليا في التعامل مع العالم الحر
وهكذا عاش الأردن وقائع تعريب قيادة الجيش بكل مصاعبه، وهناك ما هو أصعب أيضا قد عاشه الأردن في عام 1958 و1967 و1970 وخلال حرب الخليج وغيرها.
الأردن دائما يخرج من رحم المعاناة أقوى واشد، وهو كذلك، وربما هذا هو قدره أن يعش ابد الدهر يواجه أشكال الصعاب.وتتنوع وتتشكل في الداخل والخارج، ولكن سيبقى الأردن الأقوى بقيادته الهاشمية وشعبه الطيب وإنسانه الكريم.
Baker_rem@hotmail.com