غضب الفلسطينيين في لبنان مفتوح على الاحتمالات كلها
السلطات اللبنانية بدأت منذ فترة التضييق على اللاجئين الفلسطينيين بذريعة محاربة العمالة الأجنبية، وقد أصدرت قيادة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان بيانا بتاريخ 13 الشهر الجاري بعنوان: "التصدي لصفقة ترامب لا يكون بالتضييق على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وإغلاق أبواب الحياة أمامهم وتجويعهم"، وأبدت استغرابها من الإجراءات "التي تقوم بها وزارة العمل اللبنانية بملاحقة العمال الفلسطينيين في أماكن عملهم والقيام بتحرير محاضر ضبط قانونية ومالية بحق مشغليهم"، وقال البيان "إن هذا الموقف لا ينسجم مع الموقف الرسمي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني والرافض لما يسمى صفقة القرن، ودعا "رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحرير للتدخل الفوري لاستثناء الفلسطينيين الذين يعيشون قسرا على الأراضي اللبنانية من هذه الإجراءات". وفور صدور البيان طالبت الفعاليات الشعبية الفلسطينية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي بعدم الاكتفاء بالبيانات والنزول إلى الشارع للاحتجاج.
الواقع
إن واقع حال اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هو الأسوأ بين الدول العربية التي تستضيف الفلسطينيين، فالفلسطيني ممنوع من العمل، لا بشكل قانوني ولا غير قانوني، وبالتالي يُمنع من الانضمام للنقابات التي تحفظ حقوق العمال، أما الخدمات التعليمية والعلاجية فهي الأسوأ والأكثر تخلفاً إداريا وتعليميا ونوعيا. والآن يزداد الوضع سوءًا مع تضييق الخناق عليه وتطبيق القوانين المحلية التي تحرمه من كل شيء، وتواكب هذه الإجراءات البدء في الإعلان التدريجي عن صفقة القرن ولاسيما أن كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي أبدى خشيته من أن اللاجئين سيبقون في أماكنهم، أي توطينهم. فهل هذه الإجراءات التي تقوم بها المؤسسات الرسمية اللبنانية هي الرد المناسب على كوشنر، وعلى من يضغطون في هذه الترتيبات!؟
القصة
القضية ليست في حاجة إلى تنظيرات ولغة مواربة لأن محلات كثيرة أُقفلت وعمال كثيرون طُردوا، وبالتالي عائلات بأكملها ستعاني من ضيق العيش والحرمان قد يؤدي إلى انفجار غير مسبوق. الوضع القانوني للاجئ الفلسطيني في لبنان غير واضح، أي أن الفلسطيني لا يُعتبر من الجالية الفلسطينية التابعة لكيان سياسي رسمي فلسطيني، ولا يحمل جواز سفر فلسطينيا، ومن ناحية ثانية لا يحمل وثيقة أممية صادرة عن الأمم المتحدة، بل يحمل وثيقة سفر لبنانية خاصة بالاجئين الفلسطينيين صادرة عن الأمن العام اللبناني (ويدفع الفلسطيني 300 دولار لكل فرد من أفراد عائلته للحصول عليها، أي إذا كانت أسرته تتكون من خمسة أفراد فإنه سيدفع 1500 دولارا، أي راتبه، إن كان يعمل، لأربعة شهور)، وهذه الصفة لا يترتب عليها أي خدمات تقدمها الدولة للاجئ الفلسطيني، بينما الأنروا وهي المسؤول المباشر عن اللاجئين وتشغيلهم، فمسماها (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)، لكنها تغيثهم في الحدود الدنيا، وتشغلهم أيضا في الحدود الدنيا، وباقي أفراد الشعب الفلسطيني إما يهاجرون فتقطع الأونروا عنهم الإعاشة، وإما عمال لا حقوق لهم.
بعض السياسيين اللبنانيين يساوون اللاجئين الفلسطينيين باللاجئين السوريين، وهذه المقاربة بعيدة عن الواقعية، اللاجئ السوري لديه وطن ويمكنه العودة في أي لحظة يشاء، بينما اللاجئ الفلسطيني وطنه مُحتل ولا يستطيع العودة، بل إن التسويات كلها المعلنة منها والسرية لا تأخذ في الحسبان عودة اللاجئين لأسباب تافهة ولا إنسانية وغبية وظالمة في الوقت ذاته، ورغم ذلك يطالب بعض السياسيين اللبنانيين بإيجاد حل للاجئ الفلسطيني، وهي مطالبة حق يُراد بها باطل، وهو يعلم أن الحل إما في فتح باب الهجرة الجماعية لأوروبا وأستراليا وكندا، (والفلسطيني يتمنى ذلك للتخلص من (الحياة المقرفة في لبنان) كما يصفها الفقراء والكادحون)، والحل الآخر في تصفيتهم جسديا، وقد أتبعت بعض الجهات والدول هذا الأسلوب الذي يتفق وأسلوب الكيان الصهيوني الإرهابي، فكانت المذابح والمجازر والحرائق والتهجير.
الواقع الآن
الشعب الفلسطيني في المخيمات وخارجها يغلي غضبا، وكثيرون يطالبون بالنزول إلى الشارع للتظاهر، وقد يؤدي هذا إلى صدامات مع قوى الأمن. ثانيا، بدأت الإعلانات والأخبار تتوارد من فلسطينيين يملكون محلات يهددون بإحراق أنفسهم داخل المحلات وأمامها لأنهم لا يملكون المال لتسوية أوضاعهم، والأمر الآخر، قد يؤدي الغضب بالشباب الفلسطيني للدفاع عن قوت يومه باستخدام السلاح المنتشر بكثرة بين الفلسطينيين واللبنانيين، ما سيقود إلى كارثة لا يعلم نتائجها وتداعياتها إلا الله. ولا نريد استباق الأمور وتطبيق نظرية المؤامرة التي تقول إن جهات تستدرج الفلسطينيين لهذا الفعل للتخلص عسكريا من المخيمات التي يسمونها (بؤر أمنية) كما فعلوا بمخيم نهر البارد بذريعة محاربة التطرف.
على منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد، وعلى السلطة الوطنية الفلسطينية التحرك وسريعا لدى السلطات اللبنانية لمعالجة هذا الموضوع قبل انفجاره، ومعالجته لا تتم بالبيانات وإنما باتفاقات يجب أن تُبرم وتُحترم.
وعلى الحكومة اللبنانية تجسيد مواقفها الداعمة للشعب الفلسطيني والرافضة للتوطين، بفتح مجالات العمل أمام الكفاءات والعمال الفلسطينيين، وتسهيل حياتهم، وهذا التسهيل لا يعني التوطين في كل الأحوال، ووضع قوانين تنظم حياتهم، ولا بأس من دخول المخيمات وتنظيم المجتمع الفلسطيني وتقديم الخدمات الأمنية والصحية والتعليمية. وأن توقف الحملة الإعلامية التي تساوي بين اللاجئ الفلسطيني وأي عربي أو أجنبي آخر. وتستطيع الحكومة التعامل مع الفلسطيني كإنسان أجنبي وتطبق مبدأ الحقوق والواجبات التي تطبق على الأجانب، والحل الأخير وهو الأكثر رداءة والأقل إنسانية ووطنية هو الاتفاق مع الدول التي تحترم إنسانية الإنسان وتفتح الهجرة أمام اللاجئين الفلسطينيين، وهناك سيقولون (طردنا أبناء جلدتنا ولم يحترموا إنسانيتنا)
إنها النتيجة القذرة والظالمة التي أوصلوا اللاجئن الفلسطينيين إليها، وساهم الجميع في التوصل إليها، إهمالا وخيانة وجبنا. بحيث صارت قضية اللاجئ قضية حياتية وليست سياسية، بينما هو يتطلع إلى العودة إلى وطنه فلسطين.