المغيرة عيّاد: الموسيقى تُنطق من به صمم
المدينة نيوز:- يتقن الموسيقي المغيرة عيّاد، الانصاتَ بحرفيةٍ عاليةٍ للوجعِ الانساني غيرِ المنطوقِ، الامرُ الذي أفضى به الى عالم ذوي الاحتياجات الخاصة، فبدأ علاجا لعدد منهم، أثمر نقلةً نوعيةً كانت في اكتمالِ النطقِ لديهم، حتى باتوا يؤدون الموشحات الاندلسية والقدود، كأنّما خلقوا بآذانٍ موسيقيةٍ مرهفةٍ.
بالضبط، هو لا يستطيع وصف لحظة الذروة التي بلغها مع هذه الفئة الحساسة من البشر، اذ لا يتسنّى لانسان، كما يقول المغيرة عيّاد، ان يقف على حدود الفرح الغامر بانتشال انسان من وهدة الصمت المفروض قسرا عليه، واذ به يشدو بصوت شجي بكلمات هذا الموشح الاندلسي او القد الحلبي او المقام العراقي.
تتمسمر مجموعة تضم 20 طفلا يصفهم اللسان بالصم البكم، على خشبة مسرح وزارة التنمية الاجتماعية، منتظرة شارة البدء في ترتيل الكلام العربي الموشى باعذب المعاني، ليدهشوا السامعين الذين لم يخطر لهم ان هذا الاداء الغنائي الرفيع ما هو الا انعكاس الموسيقى في دواخلهم، بصفتها علاجا للحال التي يعيشون.
والاطفال هؤلاء من المنتفعين من دار عمّان، أما الذين لديهم القدرة على التمثيل فعددهم ثمانية .
عيّاد الاربعيني، مغمور طوال الوقت بحبور لا يدانيه حبور، بفعل ما تصنع الموسيقي في انقاذ الانسان من غائلة الصمت او حالة الصمم وانتفاء القدرة على النطق.
هؤلاء البشر، يضيف عيّاد، "حميمون وكاملو الاهلية للابداع غير المسبوق، فقط بفضل امساك القائم على الامر بلحظة الغوص في النفس الانسانية الموجوعة بالصمت".
ويقول : ما كان للموسيقى أنْ تبلغِ منتهاها إلّا اذا كانت بلسماٍ للروحِ حتى الشفاء النهائي من كل ما علُقَ بها من مواجع.
ويلفت الى انه يتابع عن كثب دراسات تعنى بالعلاج بالموسيقى التي يعدها فعّالة في مساعدة مرضى السرطان.
واوضح عيّاد أنه جرى عرض لمسرحية (مسرح ووتر) في مطلع الشهر الحالي على مسرح وزارة التنمية الاجتماعية، وهي تضم تمارين عدّة تنفذ بالموسيقى الحسية والسمعية والحركية معتمدة على الرنين الصوتي لجذب الفئات المستهدفة.
وتنفيذ المبادرة التي اطلقتها مديرية الاتصال في وزارة التنمية الاجتماعية، حسب عيّاد، يجري من خلال آلتي العود والناي، وما فيهما من تردده صوتي جذّاب للاطفال ذوي الاعاقة.
وتسعى المبادرة الى اخضاع الاطفال الايتام في دور الرعاية لتمارين رياضية وحركية مترافقة مع الموسيقى، وتعديل النطق لذوي الاعاقة من خلال دروس موسيقية خاصة، وتقديم الدعم النفسي لهم لتحفيز شخصياتهم لاداء ادوار مسرحية واكتشاف مواهبهم، سعيا لكسر حاجز الخوف والتردد امام لعب الادوار المسرحية.
فالطفلة "مريم" ذات الاعاقة المتوسطة التي منعتها من النطق السليم، كانت مفرطة في نشاط غير منتظم، استطاعت من خلال المسرح تحسين مخارج الحروف وضبط نشاطها لتبدو طبيعية تماما.
أمّا "رحمة" التي تعاني من التوحد في مرحلة العزلة التامة، فقد استطاعت من خلال العرض ان تندمج مع زميلاتها وتخلصت من الخوف وانعكاساته على حياتها فيما "فهيمة" التي تعاني كذلك من وحد العزلة التامة، تمكنت من الاندماج ليتضح ان لديها قدرة غير عادية على الحفظ بينما كان صوت "سلمى" شبه معدوم وغير مفهوم، فتمكنت من رفع النبرة وتحسين مخارج الحروف .
عيّاد وهو يتحدّث لوكالة الانباء الاردنية، كان يتنقّل في مراحل تطور الموسيقي العربية، التي ينحاز اليها بقناعة راسخة بانها بلغت شأناً عظيماً، ما إن انتقل مركز الدولة العربية من الجزيرة العربية الى الشام فالعراق، ومن ثم الشمال الافريقي العربي فالاندلس ارض الموشح والموسيقى الشجيّة.
رفقةُ العودِ التي نافت عن الثلاثين عاما، تعد بالنسبة لعيّاد، رحلةً مشبعةً بالاحساس، الذي خرج عن مألوفه، بولوج بوابة الموسيقى العلاجية للأطفال المرضى، وهو ما بدأه أخصائيا في الموسيقى مع فريق العلاج النفسي في مركز الحسين للسرطان.
"كنت صبيا في الثالثة عشرة من عمره، حين بدأت أسمع الألحان وأرددها"، يوضح عيّاد الذي انخرط مذّذاك في تعلم أصول الموسيقى، ليجد نفسه مغمورا بموسيقى التصوف، على ما فيها من مصاعب. تاليا أتقن عيّاد مقطوعة "حجاز كار كورد" تاتيوس أفندي، فدراسة أصول المقامات، وعلم نفس الموسيقى، وأصولها، كما ولج بوابة المقامات الشرقية، ما وجد فيه ضالّته وملاذه.
التحق عيّاد بمعهد تدريب الفنون الجميلة، كما درّس فيه وشارك في مهرجان جرش مع الفنان التشكيلي محمد العامري الذي كان يرسم على موسيقى عيّاد العربية..
وعيّاد الذي انضم الى فرقة الحنونة، عزف في كثير من الأمسيات الشعرية المحلية والعربية.
--(بترا)