تقنية «كار تي».. بداية عصر جديد في علاج السرطان
المدينة نيوز :- السرطان من المسببات الأولى للوفيات عالميا، مما يعلل الحرب الطبية ضد هذا المرض. وبالإضافة الى تحسين طرق اكتشاف السرطان حتى يتمكن الاطباء من تشخيصه مبكرا خلال المرحلة التي يكون علاجه فيها أكثر نجاحا، فقد تطورت طرق علاجه ايضا.
فالعلاج التقليدي للسرطان اعتمد على التدخل الجراحي وجلسات العلاج الاشعاعي والكيميائي التي تقوم بتدمير (حرق) خلايا السرطان او تسميمها. بيد ان هذه الطرق العلاجية ترافقها آثار جانبية حادة وأذية للخلايا الصحية، كما ان اثرها لا يزال محدودا في علاج السرطانات المتقدمة والمنتشرة. مما يعلل تركيز الابحاث خلال السنوات العشرين الاخيرة على ابتكار تقنيات علاجية جديدة أكثر فاعلية وأمانا.
ومن التقنيات الحديثة التي احتلت مكانها بجدارة أخيرا تقنية العلاج المناعي الذي يتم فيه استخدام خلايا الجهاز المناعي للقضاء على السرطان ذاتيا.
ووفق تقرير نشرته مجلة ابحاث السرطان التجريبية والاكلينيكية، فإن التطور في هذ المجال ينسب الى جهود مجموعة من العلماء مثل د. روبرت لانجر، د. ستيفين كروجر، د. سياستيان كوبولد، د. ماتياس إلمير.
نتائج مبشرة وجبهة جديدة اشارت نتائج عدة تطبيقات اكلينيكية للعلاج عبر تقنية كار تي فاعليتها في علاج عدة انواع من سرطانات الدم، حيث وصلت نسب نجاة المصابين بالمرحلة المبدئية من المرض الى 92%، كما كانت نتائجها إيجابية حتى لمن وصلوا الى مرحلة متأخرة من المرض.
ورغم ان علاج كار تي تم اعتماده في عدة مراكز طبية في اميركا والصين واوروبا، فان تطبيقه لا يزال يتم على نطاق ضيق من المرضى وخاصة للمصابين باللوكيميا والليمفوما (ما يسمى بالأورام السائلة).
اما نتائج هذه التقنية العلاجية على المصابين بالأورام الصلبة فلا تزال محدودة وضمن قيد البحث والتطوير. ويحاول الطب حاليا تحقيق الفاعلية والامان نفسهما في استخدام تقنية كار تي في علاج الاورام الصلبة.
وعلق د. نبيل احمد من جامعة بايلور الطبية قائلا «لا اريد ان اكون متشائما، و لكن الاورام الصلبة ليست مثل اورام اللوكيميا السائلة، فالأنسجة الصلبة تعيش في بيئة مختلفة».
وعلق احد الباحثين قائلا «جبهة الحرب الجديدة هي التوصل الى طرق تمكن استخدام تقنية كار تي في علاج الاورام السرطانية الصلبة. وقد بدأت فعلا عدة أبحاث إكلينيكية على اورام الدماغ والجهاز العصبي السرطانية.
والنتائج المبدئية لهذه التجارب مبشرة وتتنبئ بدخول تقنية كار تي الى علاج الاورام الصلبة كعلاج فعال وناجح في انقاذ كثير من الحالات المتأخرة.
لكن هذا الامر سيتطلب من الباحثين عدة سنوات قبل ان تظهر ثماره».
بداية علاج أورام الدماغ في مايو 2004 بدأ فريق طبي اميركي بتقييم فعالية تقنية كار تي في علاج دماغ أول مصاب بورم «غليوبلاستوما». وبعد اكثر من 15 سنة، ومرور هذه التقنية بكثير من التعديلات ادت الى تحسين فاعليتها في علاج الاورام الصلبة (اورام الدماغ) وتقليل آثارها الجانبية، يمكن القول ان الباحثين تمكنوا من عمل خطوات كبيرة في هذا المجال.
وحاليا يجمع فريق بحث طبي في مستشفى سيتي اوف هوب نتائج 101 مريض خضعوا للعلاج عبر تقنية كار تي المتطورة. وصل كثير منهم الى مرحلة متقدمة من المرض واستنفد جميع الخيارات العلاجية الاخرى، ونسبة استمرار حياته ضئيل.
بيد ان العلاج بهذه التقنية اقترن بنتائج مذهلة، حيث اسهمت في تقليص كثير من الاورام وتحسين حياة المرضى وإطالة اعمارهم.
«كان أمراً لا يصدق» في عام 2015، قام فريق طبي في مستشفى ستي اوف هوب بدراسة إكلينيكية لتقييم فاعلية تطوير جديد في تقنية كار تي على مجموعة من المصابين بأمراض الدماغ.
حيث استخدم الباحثون تعديلات هندسية جينية جديدة تزيد من فاعلية هذه التقنية على الخلايا الورمية الصلبة. وكان اول مريض يتلقى هذا النوع من العلاج هو جراح اطفال يسمى ريتشارد جرادي.
وكشأن باقي المرضى في عينة البحث، كان سرطانه لا يستجيب للعلاجات الكيميائية او الاشعاعية، وقد وصل الى مرحلة متقدمة من المرض والوقت المتبقي له محدود ويقدر بالأشهر. وبعد ستة اسابيع من الحقن الاسبوعية بتقنية كار تي (تحقن في الورم الدماغي الرئيسي- مكان بداية السرطان). أظهرت نتائج التصوير الاشعاعي عدم نمو الورم الرئيسي، بيد ان السرطان بدأ يظهر في اماكن جديدة بدماغه والنخاع الشوكي.
وفي محاولة اخيرة، قام الفريق الطبي بحقن خلايا كار تي في السائل الشوكي (سائل السحايا) على امل ان تتمكن خلايا المناعة (كار تي) من إيجاد الاورام المنتشرة ثم علاجها.
ولا ينسى الباحثون اللحظة التي اظهرت الصور الاشعاعية للمريض ريتشارد بعد ان تلقى 3 حقن وريدية في السائل الشوكي، حدوث انكماش في حجم جميع الاورام بما فيها الورم الرئيسي. بينما اختفت جميع الاورام وأصبحت غير مرئية في الصور الاشعاعية بعد 10 حقن وريدية في السائل الشوكي.
وعلق احد اعضاء فريق البحث، قائلا «كان امرا لا يصدق، فقد كنا نتوقع ان نعطي المريض الخبر السيئ وبأن تقنية كار تي فشلت وان السرطان يتغلب علينا. بيد انها نجحت بجدارة واسهمت في تدمير سرطان كان لا يؤمل في مقاومته.
لكن هذه التقنية لا تزال بحاجة الى مزيد من التطوير. فالأمر لم يكن كافيا، فقد انتكست حالة د. ريتشار بعد ما يقارب السنة عندما عاود الورم الظهور.
مما أدى الى وفاته في عام 2017.» جائزة نوبل في 2018 العلاج المناعي للسرطان حصلت التطورات في مجال العلاج المناعي على الاعتراف بأهميتها في عام 2018 عندما حصل عدد من الباحثين على جائزة نوبل في الفزيولوجيا والطب.
وذلك إثر اكتشافهم بروتين السايتوتوكسيك لخلايا تي المناعية CTLA-4 وآلية برمجة موت بروتين الخلايا.
وللتوضيح، يغزو السرطان الخلايا عبر تثبيط عمل بروتينات خاصة في الخلايا الصحية للتغلب على قوتها المناعية.
واكتشاف الباحثين آلية او كيفية تغلب خلايا السرطان على الخلايا المناعية اسهم في ابتكار طرق علاجية جديدة تركز على زيادة قوة خلايا المناعة وقدرتها على تدمير خلايا السرطان وفق القبس .
مما ادى الى ابتكار عدة تقنيات تستخدم خلايا الجهاز المناعي لعلاج سرطانات الدم بشكل خاص.
كما ادى الى تطوير علاجات مناعية وعقاقيرية تدعم الطرق التقليدية في علاج سرطان الرئة والجلد والدماغ والجهاز الليمفاوي وغيرها.