تحية عسكرية ...!
كانت النية تتجه لعودة قلمنا بعد غياب زاد عن الشهر بمقالتنا "فرصة فقط ...!" كما كنا قد أعلنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي بداية الشهر الحالي، إلا أن سطوراً أخرى قفزت قبل تلك المقالة لتكون عودتنا من خلالها.
ذلك أن أي إنسان منصف حتى ولو كان من أي ديانة كان لابد وأن يقف معجباً وهو يرى تلك الأمواج البشرية التي زادت عن 2 مليون إنسان من المسلمين وهم يتجمعون في بقعة هي الأطهر لكل مسلم على وجه الأرض، برغم أن مساحتها لا تصل حتى إلى 1000 كم مربع (حوالي 850 كم مربع فقط).
والإعجاب هنا ليس فقط بسبب تجمع هذه الحشود البشرية لأيام قليلة في هذه البقعة الطاهرة الصغيرة بسبب قدسية المكان والزمان في موسم الحج لدى المسلمين، وإنما ما تقف متفكراً فيه عندما ترى الإنضباطية العالية والتعامل الإحترافي من كافة فئات القوات العسكرية السعودية مع حجاج بيت الله الحرام، وهم من كل حدب وصوب من أرجاء المعمورة، فهذا لا يتكلم إلا بنبرة حادة وآخر يريد طلبه حالاً وغيره يسبب التوتر لمن أمامه وآخر يتكلم بكل لباقة وإحترام وغيره يلتزم بالقوانين والأنظمة وغيرهم وغيرهم من كافة الأشكال والألوان والأطياف والأفكار، وبرغم كل ذلك ترى القوات العسكرية السعودية بكافة صنوفها وبرغم كل التحديات التي تمر بها المملكة العربية السعودية حالياً وهي تتصرف بمنتهى ضبط النفس مع الجميع، بل وتعمل بكل طاقاتها للتخفيف عنهم والعمل على تذليل الصعاب لهم، فتجد هذا يرش المياه على الحجاج لتخفيف حرارة الجو عليهم، وآخر يرفع طفلاً ويغطيه بقبعته العسكرية حتى ينتهي من منسك رمي الجمرات، وغيره يحمل طفلاً آخر حتى ينتهي والديه من تأدية عبادتهم، وعسكري آخر يرفع مع زملائه سيدة مسنة إلى مستوى يمكنها من رمي الجمرات وتأدية منسكها على الوجه الأكمل.
وهذا كله غيض من فيض من مواقف وجد بعضها الفرصة للإنتشار عبر مواقع التواصل الإجتماعي، ولم يجد أكثرها مثل هذه الفرصة، لكن ذلك لم ولن يمنع ملايين الحجاج من رفع أيديهم بالدعاء لهؤلاء الرجال الذين وصلوا ساعات الليل بالنهار هذا العام كما كل عام ليسطروا أروع الأمثلة وأسمى الأفعال من خلال تفانيهم في خدمة ضيوف الرحمن على إمتداد رحلة الحج، بداية من دخول ضيوف الرحمن مدينة مكة المكرمة المقدسة إلى الحرم المكي الشريف، ووصولًا إلى المشاعر المقدسة في منى وعرفات ومزدلفة، ليثبتوا بحق أنهم كانوا رجال أمن وأكثر، ولمن سيقول بأن هذا واجبهم نقول نعم هو واجبهم وجزاهم الله كل خير على أدائهم هذا الواجب بهذا الرقي وهذه الروعة، فمن يسهرون الليالي لنؤدي صلاتنا وعبادتنا ونحن مرتاحين مطمئنين بعيداً عن أي خوف أو توتر يستحقون منا هم وكل إنسان يقوم بمثل فعلهم أن نرفع رأسنا بهم عالياً ليس فقط نحن كمسلمين، بل ومعنا كل إنسان محب للخير وحريص على أداء أي كان من أي ديانة كانت مشاعره الدينية في أمن وأمان وسلام.
ولذلك كانت أجمل "تحية عسكرية" هي أقل ما يمكن تقديمه لهؤلاء الرجال من خلال هذه السطور ممزوجة بأصدق الدعوات أن يجزيهم عن كل نفس حاج خرج بأمن وطمأنينة وهو يؤدي مشاعره الدينية خير الجزاء، وأن يحفظ أرض الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية بقيادتها وشعبها الكريمين من كل سوء ويديم عليها الأمن والأمان ومعها كافة البلاد العربية والإسلامية.