افتتاح مؤتمر النقاد الاردنيين الثامن بعنوان "الرواية والفلسفة"
المدينة نيوز:- افتتح صباح اليوم السبت المؤتمر الثامن لجمعية النقاد الاردنيين بعنوان "الرواية والفلسفة" في دائرة المكتبة الوطنية في عمان، بمشاركة نقاد وروائيين ومثقفين أردنيين وعرب.
والقى رئيس الجمعية الناقد الدكتور زياد ابو لبن كلمة في افتتاح المؤتمر الذي يأتي بالتعاون مع وزارة الثقافة، قال فيها؛ إن الرواية العربية المعاصرة تحولت إلى وسيط حضاري ومعرفي، وتمثل اليوم، ما مثّله الشعر العربي القديم (ديوان العرب) في العصر الجاهلي وما بعده، في الحضارة العربية الإسلامية.
وأوضح أن الرواية العربية الجديدة بشكل عام والرواية الاردنية بشكل خاص لم تعد مجرد حكاية درامية أخلاقية، مباشرة ونمطية في تقنياتها على مستوى الشخوص والفضاء العام، فقد حققت قطيعة معرفية وفنية مع رواية البدايات، الحافلة بالمباشرة والوقائعية والعبر الساذجة.
وتابع أن الرواية أصبحت اليوم مغامرة وتجريب، ومستودعا للأفكار والتأملات الفلسفية الوجودية والرؤى العميقة في الواقع والإنسان وصراعاته الداخلية والخارجية، واتكأت شكلا ومضمونا على الفلسفة والنقد الأدبي الفلسفي، وصنعت منها الفلسفة ومن وجودها في الرواية ما يسمى الرواية الذهنية أو الفكرية، وعكست الأعمال الروائية العظيمة أفكار الروائي واتجاهاته الفلسفية أو مناخ العصر ومزاجه الفلسفي.
وقال "لقد تعددت مستويات علاقة الفلسفة بالرواية، فهي تارة مضمون الرواية وحمولتها الكلية، وتارة أخرى تحمل وتناقش بالتخييل ما تناقشه الفلسفة بالعقل والاستدلال موضوعات الراهن العربي، الذاتي والموضوعي العام الذي يعج بالمفارقات والثنائيات الضدية وأهمها سؤال الهوية والحب والحرية والاغتراب والسلطة وثنائية الأنا والآخر أو الشرق والغرب إضافة للقضايا الجمالية والقيم الإنسانية".
ولفت إلى أن الفلسفة واكبت السرد العربي القديم، وتداخلت معه، فأثرت وتاثرت في الحكاية الأليغورية والرمزية والصوفية والفلسفية، من الغربة الغربية للسهروردي إلى حي بن يقظان لابن سينا وابن الطفيل، كما واكبت السرد الروائي العربي الحديث من رواية غابة الحق لفرنسيس المراش في القرن التاسع عشر، إلى رواية الطريق لنجيب محفوظ، والتي مثلت ذروة المرحلة الفلسفية في مسيرته الإبداعية، إلى روايات المفكر العربي المعاصر عبد الله العروي.
وقال انه انطلاقا من أهمية الموضوع، ولهذا التداخل والتأثير المتبادل بين الفلسفة والنقد والرواية جاء انعقاد هذا المؤتمر، تحت عنوان الفلسفة والرواية. وفي كلمة المشاركين التي القتها الناقدة الدكتورة سحر رامي من مصر لفتت الى اهمية هذا المؤتمر واثره الفكري والانساني حيث يناقش اسمى المجالات البحثية التي تتعلق بوجود الانسان وكيانه وهويته وموقفه الكوني الا وهي الفلسفة.
وقالت ان المؤتمر يناقش علاقة الفلسفة بالابداع وتحديدا الرواية، لافتة الى ان الرواية في العصر الحديث اصبحت تمثل حالة جديدة من الوعي متجاوزة فن الحكي المباشر الى عالم ممتد من الاسئلة والتفاصيل والاطروحات التي تعبر عن واقع الانسان وتفتح نافذة الرؤى المستقبلية لعلاقته بذاته وبالعالم.
وتحدثت في الجلسة الثانية من مؤتمر جمعية النقاد الاردنيين التي ترأسها الدكتور سلطان المعاني، الدكتورة سحر سامي من مصر، في ورقة حملت عنوان "تجليات الفلسفة الإشراقية والتصوف الإسلامي في روايات نجيب محفوظ".
وقالت الدكتورة سامي في ورقتها إن الفلسفة الاستشراقية أثرت في الفكر الإنساني عامة وارتبطت بنظريات المعرفة، وللفكر الصوفي خصوصيته وتأثيره الكبير على مستويات عديدة.
وأشارات إلى أن نجيب محفوظ كان كاتباً واقعياً دارساً للفلسفة وباحثاً في جذور الفكر شغوفاً بالتأمل من جهة، ومدركاً على المستوى الشخصي للأبعاد الروحانية في الإنسان نتيجة النشأة في أحياء مصر الشعبية (حي الحسين) بما له من دلالات معنوية وتاريخية، واهتمامه بالتراث العربي والصوفي، فقد ظهر انعكاس بل تغلغل الفلسفة في أعماله ورواياته، التي يطرح من خلالها تساؤلاته الخاصة الموغلة في المعاصَرة.
وبينت السؤال الفلسفي عند نجيب محفوظ، وعلاقته بالمذاهب الفلسفية المختلفة، مستعرضة نظرية المعرفة وإدراك جوهر الوجود بين الأدب في روايات وكتابات محفوظ، وبين نظرية المعرفة الإشراقية في التراث العربي، وتأثير الوعي الفلسفي على الشكل الأدبي والحوار والتناص وبناء الشخصية الروائية وجماليات السرد.
وقرأ الدكتور علي المومني ورقة الدكتورة نادية هناوي من العراق لتعذر حضورها الشخصي، والتي حملت عنوان "انعكاسات النَّقد الفلْسفيّ البَعديّ في السَّرد الرِّوائيّ العربيّ".
واستعرضت الورقة الانعكاسات البعدية الثلاثة، مبينة أنها تتمثل بالانعكاس ما بعد الكولونيالي الذي تمثله المدرسة الأميركية، والانعكاس ما بعد الماركسي الذي تمثله المدرسة الانجلوسكسونية، والانعكاس ما بعد البنيوي الذي تمثله المدرسة الفرانكفونية.
وفي ختام الجلسة قدم الروائي محمود شاهين شهادة إبداعية بعنوان "الصوفية الحديثة" استعرض فيها تجربته مع الحالة الصوفية واثرها على كتابته الابداعية، فيما تلا ذلك تعقيب للناقد فخري صالح على الاوراق المشاركة في الجلسة. أما الجلسة الثالثة والاخيرة والتي ترأستها الدكتورة ريما مقطش، قال الناقد والروائي عواد علي من العراق في ورقة حملت عنوان "مظاهر حضور الفلسفة في الرواية العربية"، انه تحضر الأفكار والرؤى والتأملات الفلسفية في العديد من الروايات العربية المعاصرة، ملونةً فضاءاتها التخييلية بألوان ومناخات معرفية، ومحرّكةً عوالمها السردية بأسئلة إنسانية ووجودية وميتافيزيقية، مستعرضا عدداً من نماذج الروايات التي حملت أفكاراً ورؤى وتأملات فلسفية ومنها "حدث أبو هريرة قال" للتونسي محمود المسعدي، و"عشب الليل" لليبي إبراهيم الكوني، و"سيرة حمار" للمغربي حسن أوريد، و"آخر الأراضي" للبناني أنطوان الدويهي، و"أوراق: سيرة إدريس الذهنية" للمفكر المغربي عبدالله العروي.
وبدوره تحدث الدكتور تيسير عودة في ورقة بعنوان "ما وراء الخير والشر في رواية مرتفعات وذرنج" عن تشابك مؤلفة الرواية إيميلي برونتي مع سؤال فلسفي في غاية العمق والتعقيد، وهو: كيف يمكن أن يواجه الفرد المجتمع وطاغوته دون الوقوع في ثنائيات الخير والشر، والثراء والفقر، والصراع بين البرجوازية والبروتارية؟ وبين أن التمثّل الجوهري لهذا السؤال كان ترجمة واقعية مخاتلة لفكرة الحب المستحيل بين هيثكليف "الفتى اللقيط" الذي وجده السيد ايرنشو وقام بتبنيه، لكنه بقي في نظر الجميع "الآخر" بما فيهم معشوقته كاثرين، والتي تزوجت بإدغار الذي يشاطرها الطبقة الاجتماعية ذاتها، لكنها بقيت مسكونة بحب هيثكليف "الآخر".
ولفت إلى أن فكرة التراجيديا في الرواية تجلت بصورة فلسفية مختلفة عن نمط المأساة في سرديات أرسطو.
واستعرض في ورقته أغوار الثنائيات الفلسفية والوجودية التي وضعتها الكاتبة أمام القارىء، من خلال مساءلة فكرة الوطن والمنفى، والحب والانتماء، والكراهية، والحياة والموت، والحضارة الأوروبية والبربرية المتخيلة.
وقالت الدكتورة عالية صالح في ورقة بعنوان "رواية قناديل الروح وأسئلة الحب والحرية والهوية" رواية "قناديل الروح" لإبراهيم عوض الله الفقيه أن الهوية تحضر في السيرورة الروائية الإنسانية صراعا وتثاقفا، وتنمي إحساس الفرد بالانتماء إلى جماعة، وتخضع الهوية لتراتبية المجتمعات وتقدمها وتعقّد بنيتها الاجتماعية؛ ولذا يمكن تصنيف الهويات إلى: فردية، وجمعية، ووطنية، وقومية، ويتحدد التصنيف بنوع "الآخر" الذي تواجهه.
وقدم الباحث مجدي ممدوح تعقيبا على الاوراق المشاركة في الجلسة.
وفي ختام المؤتمر سلم الدكتور ابو لبن شهادات التقدير والمشاركة على المشاركين في جلسات المؤتمر.
--(بترا)