دور المتعلمين في تأخر الامة
![دور المتعلمين في تأخر الامة دور المتعلمين في تأخر الامة](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/78133.jpg)
قد يرتاب الكثير منا للحديث في هذا الموضوع المهم مترددين في وضع هذا الدور المنوط بالمتعلمين تحت مجهر المكاشفة واخضاعه للتمحيص ومعرفة الداء الذي اصاب جسد هذه الامة ونخر هيكل انسانيتنا.
ألم يأن للمتعلمين ان يعلموا مقام رفعة العلم بكمال صفاته المحفوظة في ابراج عروش العصمة وجوهرها النفيس الذي لا يعيش الا بأعماق طاهرة ومدارات مسكونة بالوطن واللطف والكرامة وكل ما هو خير.
بعد ان تكدر نبع حياتنا الرقراق بصمته وتجرع الرواء من المتعلمين غصة جفت حولها الينابيع ولم يعد من مغتسل بارد من العلم يطهر جدران المتعلمين وطباعهم، فصادقوا الشياطين في سعيهم خلف سراب الاحلام ليصيبوا عرضا من دروب هذه الدنيا الفانية، واهمين بذلك انهم يبنون بأصدافهم صروحا للمجد وللفضيلة ولكن من غير بحر.
لقد زين المتعلمون اعناقنا ببريق القابهم بسحر نفوذهم على انهم العقد والميثاق لهذه الامة، مع اننا نعرف ان اللآلئ التي نرصع بها صدورنا ومن غير تقوى هي لآلئ ميتة.
لقد تقدم العلم ليشمل كل مناحي الحياة ومرافقها حتى اصبح الفرد لا يعيش الا في الاكتشاف، وغدا المستحيل ممكنا وواقعا لا شك فيه، وتكشفت اسرار الحياة وقواعد الصحة واسباب المرض ووسائل العلاج، ولكن هل هذا يكفي لنعتبره كل شيء، ام اننا نعيش وبرغم ذلك افلاسا وتهديدا صارخا للحياة.
لا يمكن لاي عاقل فينا ان يقبل بفصل العلم عن الايمان فبالتقوى يستطيع العالم ان يخاطب الله، وبالعلم وحده فإن المتعلم لا يستطيع ان يخاطب سوى اشباهنا او نصف كل الكائنات الغارقة في بحر الضلال.
لقد استغل عدد من العلماء علومهم في تطويع المادة بعيدا عن قوى الروح والقلب فأغنى المتعلمون العقل بالعلم ليعلوا في تحقيق مصالحهم فلم يحكموا العقل بالقلب ليسمعوا انين هذه الامة ونبض وجدانها, وليتقدم العلم وحده وبأدواته المكينة ويصبح بيد المتعلمين الجاهلين لحقوق اوطانهم وخالقهم الها لدمار الحياة وافسادها.
وما نراه اليوم من فوضى عارمة وحروب طاحنة وارهاب اسرفت فيه مطامع الذين لم يؤمنوا الا دليل على قولنا.
فالعلم وبآليته الحديثة اصبح اداة للفتك والتخريب والقتل حتى اصبح مقياس القوة هو مقياس تقدم الامة وعظمتها، ومن هنا لا بد ان نعترف ان صلاح الامة لا يكون بمقدار عدد المتعلمين وعلمهم بل بمقدار ايمانهم وخوفهم من المعصية، ولان من يعتمد بعلمه على غير معرفة الله او يقوده الاكتشاف بغير هداية الله فهو السقوط الذي ادخل الانسان في دائرة الخطأ منذ عهد ادم الذي طفق في جنة الله يسعى ويستغيث من قهر نفسه بعد ان اضله الشيطان فيها.
ان الايمان هو الذي يقوي عزيمة المتعلمين هو الذي يرفعنا بمقدار الجلال لنتعلم ونحيا، فالايمان هو الذي يكسب المعلمين قوة، ويزكيهم. فالعالم المؤمن هو الذي يرسم طريق امته ويكشف الى الامة ان طريق الصعود هي الطريق التي تقودنا الى الله. اما المتعلم فقط فهو الذي يرسم الطريق لنفسه من غير ان يسترشد الحق فيما تمناه.
ان المتعلمين عبر غمار مصالحهم لا يحسبون العلم بأخلاقهم ولا يعادلون اوجه التمام فيه بالحق والواجب والتقوى والقدرة والاقتداء، فالعلم هو ميثاق لعصمة الامة وتطهير للنفس.
وحتى لا نخدع بهذا النهوض الممزق فعلينا ان نتفق مخلصين على تقييم ذواتنا بعلم يحمل في معانيه كل عناصر الحياة.
ان العيش لا يصفو في جو مادي تفرغ فيه القلوب وتملأ فيه الجيوب ويكثر فيه المتسولون باسم العلم المتلصصون على قدس الله، المختانون لأمانته.
يحكى انه وفي ذات يوم ارسل الاسكندر من مقدونيا رسولا الى الفيلسوف (ديوجونز) في اثينا بدعوة للقاء الحاكم .
فأجابه قائلا ولماذا لم يأت الحاكم الى هنا ان اثينا فيما اعلم لا تبعد عن مقدونيا الا بمقدار ما تبعد مقدونيا عن اثينا.
فعندما تكون لي حاجة سأذهب اليه وعندما تكون له رغبة في لقائي فعليه ان يأتي هو, فماذا كان مع ديوجونز ليقول ذلك وأي قوة يمتلكها ليستغني هذا الاستغناء ويقف هذا الموقف لقد كان معه كل شيء حين لم يكن معه من الدنيا شيء.
اما انتم ايها المتعلمون يا اصحاب الارواح الكبيرة والرؤى المحلقة فكونوا فهم الاصغاء لصوت الحقيقة وسرعة الضوء لتبديد الظلام كونوا سرا للحياة وفلسفة لاقدارنا.
كونوا جلالا للمعرفة وقداسة للوجود، وكونوا قدوة ليقرأكم الناس وتحيا بكم الامة، كونوا فريضة على العلم بإيمانكم، وامانات لا يشتري بها متاع ولا يباع بها وطن.