روايات الرعب العربية.. رواية ”نيمينيسيس الوصيفة الأولى“ أنموذجا
المدينة نيوز: شهدت الآونة الأخيرة إقبالا من قبل الكتَّاب العرب على تأليف روايات الرعب القائمة على الواقعية العجائبية، في توجه يعكس مواكبة الأدباء العرب لأحدث التقنيات الأدبية المعاصرة.
وتعتمد روايات الرعب على الأسلوب السينمائي في السرد، وعنصر المفاجأة والدهشة القائمة على السير في خط واقعي طبيعي، يتصاعد فجأة في تخييل يحيلنا إلى ما هو غير متوقع بعيد عن المنطق ومشابه لمشهديات الفن السابع.
ويندرج في إطار النهج الأدبي الذي دخل حديثا، إلى الأدب العربي بوضوح وكصنف أدبي مستقل في أدب الرواية، روايات الكاتب المصري محمد عصمت؛ ومنها رواية“ باب اللعنات“ الصادرة عام 2019، وغيره من الكتَّاب المعاصرين العرب.
ويُلاحظ في أدب الرعب العربي، براعة الكتاب العرب، وابتعادهم عن الابتذال والبحث عن الإثارة الرخيصة، وعلى الرغم من شدة أحداث الرعب إلا أنها لا تصل إلى مرحلة المبالغة، وتبقى في إطارها الرزين لتكون رديفة للأحداث وعاملا مساعدا على زيادة التشويق بما يخدم السرد والانتقال السلس بين الأحداث.
”نيمينيسيس؛ الوصيفة الأولى“ أنموذجا
وفي هذا الإطار؛ أصدر الكاتب المصري مازن فاروق بدر حديثًا، أحدث أعماله الروائية التي حملت عنوان ”نيمينيسيس؛ الوصيفة الأولى“، عن مؤسسة الأهرام الصحفية، القاهرة، في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وتقع في 268 صفحة من القطع المتوسط.
وتدور أحداث الرواية حول أسرة الحاج مجدي المصريه البسيطة، وكيف انقلبت حياتها واستقرارها عقب تعرض الابنة الكبرى نورهان لتأثير سحر مجهول، بالتزامن مع اكتشاف طلسم غريب، مكتوب بلغة لا يعرفها بشر.
ويلجأ الحاج مجدي، الوالد المكلوم، إلي الشيخ حماد لمساعدته في إيجاد حل لما أصاب ابنته وما يعصف بأسرته، ويكتشف الشيخ حماد، بمساعدة تلامذته أن ما أصاب عائلة مجدي يرتبط ارتباطا وثيقًا بأسرة أخرى تقطن معهم في البناء ذاته، وتربطهم بهم معرفة مباشرة ووثيقة.
وبعد تمكن تلميذ الشيخ حماد من فك الطلسم، يتضح أن ما أصاب عائلة مجدي، يعود إلى شر قديم، أقدم من الإنسان ذاته، بدأ منذ وقت هبوط الشيطان إلى الأرض وطرده من الفردوس.
وتسلط نيمينيسيس؛ وصيفة زوجة إبليس الأولى، شرها على أسرة الحاج مجدي، وهي من أدت دورها الشيطاني عبر العصور والأزمنة المختلفة عن طريق الوسوسة للبشر، فهي من ألهمت عشرات الشعراء والكتاب بل وحتى الدجالين والعرافين على مر الأزمان بإبداعات تغنى بها الجميع منذ الأزل.
ويقول بدر في روايته: ”بالتأكيد أنت لم تر ما أراه الآن، بالتأكيد لم تر المرأة المتشحة بالسواد تقف على باب غرفتك، وكفاها المتألقان يشعان بشدة. إن من تملك هاتين الكفين البلوريتين بالتأكيد تمتلك وجها بلوريا كذلك، وليس مثل الوجه المرعب الذي رأيته في كابوسي الأخير“.
ويضيف: ”أي وجه تمتلكينه يا امرأة؟ هل كان قلبك يدق بمثل هذا العنف أيضا يا ماهر؟ هل تقدمت منك المرأة وهي تطلق هذا الفحيح؟ هل أزاحت الحجاب الأسود عن وجهها ورأيت نفس الوجه الذي رأيته أنا في كابوسي الأخير؟ هل رأيت التجويفين اللذين كانا في مكان العينين؟ هل كان قلبك يدق بمثل هذا العنف، لدرجة أن صوت دقاته سبب لك صداعا؟ هل رأيت جانب وجهها الذي سقط منه اللحم تماما؛ سواء كان بلوريا أم لا، وكانت أسنانها بارزة تماما من منبت فكها؟ هل رأيتها وهي تفتح فاها وتحاول الصراخ فلا تسمع منها إلا صوت فحيح بسبب لسانها المقطوع؟ والسؤال الأهم هل توقف قلبك عن الدق تماما بعدها؟“.
ويكشف تتالي الأحداث في الرواية عن تفاصيل أكثر، تزيح غموضها، وتجيب عن جملة من الأسئلة، وعن سبب ما يجري مع عائلة مجدي، وكيف سيتصدى لتبعاتها.
وفي حديث خاص لـ“إرم نيوز“؛ قال بدر إن ”فكرة العمل جاءتني أثناء كتابة روايتي الأولى (الجنية)، بسبب المفاجآت التي حدثت لي خلال كتابتها، فقد شعرت خلالها وكأن هناك من يلهمني لكتابة أحداث لم أكن أنوي كتابتها، بدأ الأمر أولا باختيار أسماء بعض أبطال الرواية وتحديدا أسماء الجان، فقد كانت هناك أسماء تلح علي بشدة وكنت أشعر في بادئ الأمر، وكأنها مبتذلة فيتحول عقلي إلى حالة الصفحة البيضاء، فلا أجد أسماء أخرى سواها، لدرجة أني قررت يوما البحث عن أسماء للجان، لأفاجأ بأن أول اسم يظهر أمامي هو الاسم ذاته الذي كان يلح علي باستمرار“.
وأضاف: ”كان هذا الأمر مدهشا وخصوصا أني على يقين تام بأن عقلي الباطن لم يختزن هذا الاسم مسبقا فكنت أرضخ لإلهامي، واستمر الأمر حتى جاءت نهاية الرواية لدرجة أنني توقفت عن الكتابة لمدة أسبوع كامل، حتى أصفى ذهني تماما من النهاية التي كانت تراودني بشدة، فكتبت هذه النهاية مستسلما“.
وأوضح بدر في حديثه لـ“إرم نيوز“: ”الرواية اعتمدت أكثر من منهج، ولكن المنهج الغالب كان التاريخي والميثولوجيا، لأنها تسلط الضوء على دور (الملهمة) خلال العصور المختلفة، وحتى مرورا بعصرنا الحالي، وربطت بشكل تخيلي بين بعض الأحداث التاريخية وبعض الإبداعات الأدبية مع بعض القضايا الدينية المهمة التي تشغل العامة كثيرا، فيما لا يخالف صحيح الدين وخلال اعتمادي لهذا المنهج اضطررت لمطالعة مراجع ضخمة في مختلف المجالات فقط من أجل كتابة اقتباسات صغيرة أو فكرة ما أحيانا، لدرجة أني اضطررت لقراءة كتب كاملة مثل رباعيات نوستراداموس والفردوس المفقود وغيرها أثناء كتابة الرواية“.
وقال بدر إن ”أدب الرعب غالبا، ما يشغل اهتمام فئة الشباب بشكل عام، ولكن هناك للأسف من لا يعتبره أدبا، ولكني في رواياتي أستهدف جميع الفئات، فكتاباتي لا تعتمد على الرعب المعوي أو الرعب لأجل الرعب فقط، إنما تناقش عديدا من القضايا المهمة التي أحاول مشاركتها مع قرائي من مختلف الأعمار“.
وأضاف: ”نيمينيسيس، تناقش أمورا دينية مهمة؛ مثل المهدي المنتظر، وتسلط الضوء على الملهمة أو وحي الشعراء والكتاب، وقضايا أخرى في إطار من الرعب التشويقي الذي يصلح لمختلف الأعمار، أحاول دائما أن أضيف معلومات مهمة عدة، في مجالات مثل علم النفس كما فعلت في روايتي الأولى“.
واعتمد الكاتب في بداية كل فصل من فصول الرواية، أن تكون الصفحة الأولى مخصصة لاقتباسات مختلفة، مع كتابة مصادر هذه الاقتباسات؛ وتنوعت الاقتباسات بين آيات قرآنية، وأبيات شعرية، قبل الشروع في سرد أحداث الفصل، في محاولة لاستثارة فضول القارئ، ليعرف ما الغرض من الاقتباس“.
الكاتب في سطور
مازن فاروق بدر؛ مهندس مدني بدرجة مدير مشروع، يكتب في مجالات الرواية والتأليف الأغاني والأدب الساخر، سبق أن أصدر رواية ”الجنية“، وشارك في مجموعات قصصية.