"صرخة" تشكيلي عراقي في عمّان

المدينة نيوز- في معرضه "صرخة " المقام حاليا في دار المشرق بعمان، جسد التشكيلي العراقي شيبان أحمد ظاهرة الرفض الجماهيري في الميادين والشوارع العربية والتي فجرها التونسي محمد البوعزيزي وفتح باب التمرد على استبداد الأنظمة العربية.
وكانت صرخة شيبان من أجل إيجاد مساحة في العالم الفوضوي، ورفضا لما يحدث في المنطقة العربية من قمع للحريات ومواجهة لعشاق الحرية والكرامة بالرصاص.
وقال شيبان أحمد "أطلقت صرخة صامتة تتحدى جدار الكلمات.. تكسر الخطوط وتلغي حاجز اللون لترسم جسدها المفقود في عالم تسوده الفوضى".
وأضاف أن صرخته هي نفسها صرخة بتهوفن والإسباني غويا، والفرنسي أوجين دو لاكروا صاحب "الحرية تقود الشعوب"، وبابلو بيكاسو وسلفادور دالي، فهؤلاء شكلوا الحس الإنساني الرافض للقمع والاستبداد وجزءا من الذاكرة العالمية التي تنعكس على الأجيال وتنقل رسالة الثورة.
ولفت شيبان إلى أنه قدم موقف الفنان في اللحظات الصعبة التي تمر بها أمتنا، "فقد عايشت أحداثا أكشف بها الوجه البشع، وتارة أشفرها من خلال دور مهرج يحرك الشخصيات من وراء الكواليس متخذا البعد الثالث لشخصياتها الواقعية".
وقال إنه لا يتنصل من انعكاسات حاضرة في لوحاته مثل لوحة غويا "إعدام العصاة"، فشبح هذه الشخصية قبل الإعدام بلحظات ظهرت حاليا في هيئة أخرى لرجل يعدم أمام جذع نخلة.
وأضاف أن هذه الصرخة نقلها غويا قبل 400 عام وهي حاضرة الآن في المعرض، مما يدل على أن شخصية الفنان باقية في ذاكرة الأجيال التي تستوعب بُعدها النفسي والوجداني، بينما هي الآن "أشبه برؤية تنبؤية لما يحدث في مدننا وشوارعنا".
واعتبر التشكيلي العراقي أن رسالة الفنان إحداث حالة من الانتباه أشبه بجرس الإنذار وقدرة الاستشعار المسبق للحدث أو الكارثة، فقد رسمت لوحة لمائدة سمك تظنها للوهلة الأولى أنها وليمة، لكن عندما تفحصها ستكتشف حالة من الحرب الأهلية في العراق قبل حدوثها بسنة.
ورأى أن التخيل هو الرائد في العملية الإبداعية، وأن دور الفنان هو استشعار الخطورة والقلق والخوف تجاه المستقبل، وقال "عندما أطرح منتجا سوداويا لا يعني الرغبة بالسوداوية، ولكنه صرخة للتنبيه والتحذير، فالفنان جزء من ذاكرة الشعوب".
كما يرى أن "المرأة مصدر الحرية والتحرر وبدون ذلك فالحرية ناقصة.. أرسمها محلقة في فضاء واسع وإن كان لا يتسع لجسدها، ولكن يبقى هاجس التحليق هو الحدث الأهم".
أما الرجل -والحديث لشيبان أحمد- "فما زالت شخصية المهرج تقف في الكواليس، لذلك يحب ويغضب أو يصرخ بقوة صرخة المهرج ويتعامل مع الحياة كمسرح.. يقف كملاكم يمثل الدور، فهو عندي فاعل بأداة خارجية تحركها من الخلف، وهذا ينطبق على بعض الزعامات العربية المسلوبة الإرادة والقرار".
وقال إن الرجل "قدم جسده لثورة التغيير وروحه لم تغادر الساحات العربية بعد.. هذه روح أبو القاسم الشابي وإبراهيم طوقان وبدر شاكر السياب وكل الرافضين للقمع والاستبداد في أمتنا، فقصائدهم ومواقفهم صرخة ما زالت تتردد في ساحات التغيير يوميا".
ويرى كفنان أن التغيير لا يأتي من الخارج، وإذا حصل يكون منقوصا وفاقدا للشرعية، "فالتغيير يبدأ من داخلنا وإعادة استقراء لحياتنا"، وقال إن الفن طريقة حياة وتأثيره أقوى من القنابل والتقنيات الأخرى.
ورأى التشكيلي الأردني محمد نصر الله أن شيبان من جيل الشباب المتميزين في إطار التعبيرية التجريدية التي تركت بصمة واضحة بتجربته وامتلاكه سيطرة التكوين الفني المتعدد الطبقات على مستوى اللون والحركة.
وقال نصر الله إن هذا الحوار داخل أعماله أشبه ما يكون بأغنية للحياة من خلال استكشاف التنوع على الصعيد البصري والفضاء الشعري لبناء ما أسماه "أسطرة" (من الأسطورة) الشكل بكل تحولاته، وهي تحتفظ برمزيتها الإنسانية والفنية.
أما التشكيلي العراقي علي السوداني فرأى أن شيبان استطاع ترويض الألوان والجرأة بأن يمتطي صهوة هذه الجياد، ولم ينظر للألوان كألوان تجميلية من أجل أن يتقبلها المشاهد، كما استطاع الانفلات من عراقيته وشرقيته، وتكشف لوحاته مدى قدرته على التوغل ليخلق لونا ومواضيع جميلة تتصارع على الواقع المفروض.
وأضاف أن في أعمال شيبان نجد الألوان الجميلة المتلألئة الشفافة تحمل معاناة لا يمكن سبغ أغوارها إلا من مشاهد يمتلك ثقافة واسعة كدلالة على استيعابه لمتغيرات حوله ترجمها بالريشة واللون.
أما التشكيلي العراقي فاضل الدباغ فوصف شيبان بأنه ثروة فنية، وقال إنه لمس من متابعة وتمحيص لوحاته الانفعال الصادق، وقرأ قصصا وروايات تروي مشاعر إنسانية كالحب والثورة والقوة والضعف والخوف والفرح.(الجزيرة)