”امرأة تعثر على رائحتها“ للسورية أحلام عثمان.. التفاصيل غير المرئية في الأنثى
المدينة نيوز:- تسلط الشاعرة السورية أحلام عثمان إضاءاتها على هواجس وأسرار أنثوية، منطلقة بها نحو وعي جمعي بتفاصيل المرأة، في مجموعتها الشعرية ”امرأة تعثر على رائحتها“، التي صدرت عن منشورات نينوى 2020.
وتعبر الحالة الشعورية في قصيدة ”عثمان“ عن مخزون من المعارك القديمة مع العالم، والأشياء، والرجل، وغيرهم، فما تكتنزه الجملة الشعرية عندها يمكن اعتباره مِفَكًّا بعدة رؤوس.
تقدم الشاعرة السورية المغتربة اللغة التي تفكك الحدث اليومي، وتعيد تجميعه، لتشكل تقاطعات مع زوايا أخرى جديدة للنظام الرتيب للأشياء.
شكل عين
والرؤوس المتعددة لجملة عثمان هي مجتمع جديد من الأفكار، منها ما يدعو للتحليل النفسي الذي تجسده الكلمة، التي قال فيها ”دريدو“: ”الكلمة ليست الشيء، ولكنها وميض ندرك من خلاله الشيء“. فلا فراغ حول الكلمة في الشعر الحقيقي، دائما هناك القشور الصغيرة المتقطعة، تلتف حول مركز ما في الشعر، لتصنع شكل عين، عين تنظر لك من داخل القصيدة، فتصير كل كلمة في القصيدة بمثابة عين تنظر لك، ويا له من مشهد مثير أنك مراقب! هذا يفسر لربما، سبب ارتباك الإنسان أمام الشِعر“.
الشكل النهائي للصورة
وعن الشعر، تصف عثمان الطريقة التي يتمكن الشعر من تحويرها، بتركيب صورة جمالية مقتطعة من الطبيعة، تدلل على التغير المستمر الذي يسيطر على مكونات الشاعر، فتكتب:“ تتبعني، صيرني شجرة بساق واحدة، ورأسها يهوي للأعلى“.
ففي هذه الجملة المكثفة تصف عثمان وطأة الشعر على الجسد، وكيف يقوم بتقطيع الأجزاء، وإبقاء الأخرى منه، التي تخدم الشكل النهائي للصورة، ويطل من بين الكلمات المتراصة، الألم، كنتيجة للقطع، كما يطل الوعي، المستمر في النمو للأعلى، وفي نفس الجملة ”رأسها يهوي للأعلى“ هناك تعبير عن سقوط ما، بالسير نحو المعرفة.
معنى مُركّب
وتقرر الشاعرة السورية الحديث عن أولئك الذين فضلوا، أو أجبروا على الرحيل، فطالما أنهم الآن في كواليس المشهد، فما يقال عنهم يبقى معلقًا حتى يتمكنوا من العودة للدفاع عن أنفسهم، فتكتب: ”لم يكن الآخرون حمقى، حين رحلوا، قد علموا أن الطريق مهما قصر، لن يصلوا“.
فاختصار المسافة، وطي الطريق، طريقة الشعر في تكثيف المفاهيم، ودلق المعنى المُركّب، الذي يتغير تفسيره كلما اختلفت الظروف.
إعادة تدوير
ولأنها امرأة، تحضر في الكثير من قصائدها تفصيلات المرأة اليومية، التي تعتز بها، وقد تعددت اللحظات التي نجحت من خلالها في صنع الشعر، بإعادة تدوير التالف منها، أو المهمل عند الغير، فكتبت في قصيدة ”فكرة طائرة“: ”لدي حذاء قصير لأفكاري الطويلة، وآخر بكعب عالٍ، لأقرأ طالعي في السماء، قدماي للنزهات المملة خارج الكتابة“.
ذكورية المجتمع
وتطل في قصائد أحلام عثمان رسالة أنثوية، نابعة من رحلة طويلة من المتاعب مع فكر مجتمعي، تسيطر عليه الذكورية، وبطريقة أخرى، تخضع فيه الإناث برغبتهن، أو بالاعتياد على الخضوع، ولأن السؤال هو من يصنع العقدة، فإن الإجابة حين تكون من نفس المصدر، تكون النتيجة مجتمعا كبيرا من التعقيدات.
وعن هذا تكتب الشاعرة: أنت من يسأل، ووحدك من يخترع الأجوبة، تفتلها من قبضة الروح، وتدور حولك الكواكب“. ويظهر هنا كم القهر الذي تعانيه المرأة، بوضعها في خانة الأشياء القابلة للمحو، حين تقول: ”وحدك“، ولأن لا مركزين لدائرة، تلمح الشاعرة إلى أنه ليس من الطبيعي أن تكون المرأة مجرد نقطة توضع بشكل عشوائي للمركز الرجولي، إنما هي مركز لدائرتها الخاصة، شمس تدور حولها كواكبها.
شريط الألم
وعن وطنها، تستعيد أحلام شريط الذكريات القريبة، ذلك التمرير البطيء لمشاهد مرهقة، يمكن تخيّلها تمشي على طريق ممتلئة بالشوك، كتبرير لسبب النزيف في النص.
تقول الشاعرة في قصيدة ”ليس لأجل شيء“:“ لست لأنني فتاة جبانة تركت وطني، ولا لأنني امرأة تعبت من صنع الفطائر للعساكر على الحواجز، لست لأنني مواطنة بدرجة صفر، أقف في طابور طويل أمام الفرن، لمدة لا تقل عن خمس ساعات، لأحصل على خبز محروق، ولا لأنه بالرغم من وسعه، لم يتسع لحلم صغير لي، وطني الذي كلما نطقته، جرحني ونزف بي، ليس لأجل كل ذلك، ولا أكثر من ذلك، فقط أنا هنا، لأتحسس بيده الوجود“. في هذا النص خطاب جمعي، سخرية من واقع كانت تتمنى لو أنه لم يكن، لتبقى ممسكة بيد وطنها، متحسسة به الوجود، لكنها دفعت للغربة، لفعل ذلك.
كما تكمل الشاعرة السورية تقليب الوجع في منطقة ملاصقة، حينما تتحدث عن الحرب فتكتب: ”حبوب الإسبرين، المهدئات، حبل الفيتامينات المزروع في يدي، لم تعد تنفع جسدي العتيق. كان بإمكان الطبيب ألا يرهقني أكثر بها، وأن يتفهم أن الاكتئاب ليس بالضرورة أن يصيب النساء اللواتي أنجبن، أو اللواتي توقفت عادتهن الشهرية، أو بلغن سن الأربعين، أو الشاهدات على خيانة العمر لرغباتهن، بل الحرب“.
ألوان
ويتضح في نصوص أحلام عثمان ملامح لعالم المرأة السري، ملاحظاتها عن العالم، وتشابكاتها مع الرجل. كما تكثر من استخدام اللون الأزرق، لون التحليق، وتلون به الظل، واللحن، وأساور القلب، وفسحة السرير. كما يظهر لون المرأة المدلل على إزهارها، اللون الزهري، وتلون به ضحكة السينما، ورأس الأنف.
الجنون، الحرية، فخ الكتابة، الرجل وتسلطه، الرغبة، الحرب، الخوف والهواجس، كلها مكعبات عوّمتها أحلام عثمان في نصوصها، وتركت للقارئ رؤية الطريقة التي تتمدد فيها القناعات وتنكمش، لتبتدع نصا موازيا في الذهن، لكنها تركل كل هذا وذاك بجملتها:“ أمدّ يدي إلى مؤخرة الحياة، أصفعها بكل ما أوتيت منها“.