مبارك العامري.. الشاعر الذي لا يغادر مركبه
المدينة نيوز: غيب الموت، جسد الشاعر والأديب العُماني مبارك العامري، عن عمر يناهز 57 عاما، ليكون الأحد الموافق 5\4\2020، هو يوم الوداع لجثمانه، من كل محبيه، بعد صراع طويل مع المرض.
ويعد العامري من أبرز رواد قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر في عُمان، ومنطقة الخليج العربي. حيث تخرجت على يديه أجيال متعاقبة من الشعراء العمانيين، بفضل ريادته للتحول في المشهد الأدبي العماني، وهو فضل لطالما أنكره عن ذاته.
حيث قاد العامري العديد من الشعراء العمانيين المعاصرين لمنطقة أكثر تحررا في كتابة القصيدة العمانية، من خلال نشاطاته المكثفة، وإسهاماته في فتح الباب أمامهم وقت عمله في صحيفة العقيدة العمانية، في ثمانينيات القرن الماضي، والتي كان فيها العامري ذراعا مؤسسا للملحق الأدبي، موجدا بذلك مكانا كان مفقودا في السابق، لكافة الشعراء والأدباء في سلطنة عمان، فعلى الرغم من مغادرة جسده للحياة فيزيائيا، فلن يمنعه ذلك من الاستمرار في مركب الأدب العماني، بموروثه الأدبي المكرس.
كما ساهم العامري المولود في قرية حيل العوامر في ولاية السيب 1963، في تأسيس التجمعات الثقافية في السلطنة، والتي كان أبرزها، النادي الثقافي بالقرم، والتي شكلت مائدة مضيئة تجتمع عليها العقول النيرة في المشهد الثقافي وقتذاك. بالإضافة إلى ذلك عمل العامري في مجلة العين الساهرة، التي كانت تصدر عن شرطة عمان السلطانية، وعزز من أدوات نهوضها، بدمج مركبات الحالة الثقافية في دولته.
وكانت البداية مع العمل الصحافي للعامري، إبان رحلة الدراسة، من خلال عمله في إذاعة سلطنة عمان، كما عمل في صحيفة الوطن، قبل مباشرة عمله في صحيفة العقيدة 1978.وتبع ذلك نشره لقراءات نقدية في ملحق جريدة الخليج الإماراتية، التي أشرف عليها حينها، الشاعر محمد الماغوط.
وصدر للشاعر العماني الراحل، العديد من المنشورات الأدبية، والتي كان أبرزها، رواية مدارات العزلة 1994، شارع الفراهيدي 1997، و مجموعته الشعرية ”بسالة الغرقى“، و مجموعة النصوص السردية والشعرية ”مرايا تستنطق الغيم“2010. وحاول طوال مسيرته الادبية إيجاد رمزية غير اعتيادية للمجتمع الذي يواريه في ذاته، و لطالما كان يطمح إلى محاكاة عميقة، مع القارئ.
وكتب العامري في أحد نصوصه المنشورة على صفحته على الفيس بوك حديثا:
”عَنْدَ تُخُومِ نَظْرَتِكِ الأُولى
أبْرَأُ مِنْ تَلَكُّؤاتِ الخَجَلِ
المُتَواتِرِ إرْثَاً تِلْوَ آخَر
فَأُوْلَدُ مِنْ جَديدٍ
صَافِيَاً كَالشَهْدِ
مَغْسُولاً بِمَاءِ الدَهْشَةِ
مُتَسَرْبِلا ً بِغلالَةٍ
شَافَّةٍ كُالزُلال
مُمْتَشِقَاً رَهَافَةَ وَجَعي
طَارِحَاً مَسوحي في النِسْيَانِ
كَراهِبٍ هَوَتْ عَلَيْهِ الغِوايَةُ
دُفْعَةً واحِدَة“
وفي نص آخر يقول:“
”مَاذا يفعَلُ الحَالِمُونَ
غَيْرَ التَشَبُّثِ بِقَشَّةِ الأَمَلِ
أوالانْكِفَاءِ في مَخْبَأِ الذَات ..
مَاذا يفعلُ الشُعَراءُ
غَيْرَ الاتِّكَاءِ عَلى جِدارِ القَصيدَةِ
أو تَرْتيبَ حبَّاتِ المَطَرِ
في قِلادَة
إِذْ رُبَّمَا تَنْبَجِسُ الحَقيقةُ
عَارِيَةً
مِنْ رَحِمِ المَجَاز ..
ماذا يفعلُ المُحِبُّونَ
غَيْرَ المُكُوثِ طَويلاً
في خانَةِ الانْتِظَارِ
عَلَّ البُشْرى تطْرُقُ البَابَ
ذَاتَ بُرْهَة ”
واتجه الشاعر العماني الرائد إلى كتابة قصيدة النثر، ومن قبلها قصيدة التفعيلة، قبل أن يغادر ركب القافية، والقصيدة العمودية.
واعتبر العامري قصيدة النثر بأنها خيار وجودي، وسبيل لتمثيل الحداثة في المجتمع والقناعات العربية. وكان يحرص على استخدام اللغة المحررة من النمطية، مزيلا الشوائب والزيادات، التي تحد من دهشة المعنى، مخرجا بذلك بناء نصيا يراعي البعد المعرفي والفكري من خلال توظيف أدوات اللغة، التي تجعل النص أكثر تماسكا.
وشدد العامري على أن تجربة الشاعر لا تصل إلى النضج الفني إلا بتوافر شروط وعناصر معينة، لاسيما القدرة على ترويض اللغة، واكتناه أسرارها، والبحث في دلالاتها، لتكون طيعة، وبواسطتها يتم الكشف عن كوامن الذات الإنسانية.
وعن تجذر المكان داخله قال العامري في مقابلة مع مجلة نزوى قبل عدة سنوات:“إننا حين ننأى بعيدا ونغترب عن الأمكنة التي ألفناها وأقمنا معها صلة ود ومحبة، نظل مشدودين إليها بعمق، نحملها بين جوانحنا، وكثيرا ما تتزاحم صورها على شاشة الذاكرة، خاصة في اللحظات التي يثبت فيها الحنين من مخبئه السري. إن هذا الرابط القوي بين الإنسان والأمكنة التي ينتمي إليها، مهما غيبته الجغرافيا وباعدت بينه وبينها المسافات، هو بلا شك دليل ساطع على أن كل مغريات الحياة وانشغالاتها الآنية لا تستطيع، بأي حال من الأحوال، أن تقف حائلا دون حضور هذه الأمكنة الفاعل والمؤثر في وعيه، بل وفي حياته بأسرها، فيستمد منها زادا معنويا يمنحه القوة لمواصلة العطاء“.
ودعا العامري إلى حرية المرأة، طالب بتعزيزها، والنهوض بمكانتها في المجتمعات العربية، ويقول في ذلك :“مطلب الحرية اجتماعيا، لا سيما بالنسبة للمرأة في مجتمعاتنا العربية الذكورية بامتياز، فهو اكثر من ضرورة ملحة؛ كون المرأة في هذه المجتمعات مغبونة تاريخيا ومهضومة الحقوق ومسلوبة الامتيازات، وذلك راجع في تصوري، إلى انتفاء صفة الملكية لأهم مكوناتها الفسيولوجية وهو جسدها، فمهما ارتقت في سلم العلم والثقافة والوظيفة، ومهما حازت من المال والسلطة، إلا أنها، بفعل افتقادها لهذا العنصر الأساسي المتمثل في امتلاكها لهذا الحق الفيزيقي، لا تعدو أكثر من تابع مفرغ من أهم خصائص كينونتها كإنسانة وبالتالي فاقدة لأبرز سمات الحرية“
وتقديرا لمكانته، نعت وزارة الإعلام العمانية الفقيد من خلال بيان صحفي أوردت فيه:“فقد المشهد الثقافي أحد رموزه المعرفية، التي قدمت عطاءات متميزة، طوال مسيرتها الأدبية، بوفاة الشاعر والكاتب مبارك بن محمد العامري، بعد صراع طويل مع المرض“.