فيلم "Cabin fever ".. مجتمع مصغر يحاكي مشاعر الإنسان وقت الوباء
المدينة نيوز: يتناول المخرج الأمريكي "ترافيس زاريوني" مجموعة من المشاعر الإنسانية المتناقضة، في مواجهة الوباء والكوارث، في فيلم الرعب "Cabin fever" المنتج أواخر عام 2016.
وتدور أحداث الفيلم حول خمسة أشخاص يتوجهون إلى منطقة زراعية، لقضاء وقت من المرح بين الأشجار والطبيعة، ويتم التمركز في جانب من المنطقة النائية، يسمى "المقصورة" ومنه تتوالى عليهم العديد من الأحداث الغريبة، بداية بالطفل الآكل للحوم البشر، ومن ثم ظهور شخص موبوء بمرض جلدي، يتسبب في نقل العدوى للمجموعة، وكذلك ظهور كلب مفترس، يلاحق كل من يصيبه الوباء الجلدي، ليلتهم جسده.
ولم يكن أفراد المجموعة الشبابية يعلمون بأن التهام الطفل "بينيس" ليد أحدهم، هو بداية لأحداث متتالية سيواجهونها، في أطراف الغابة الموبوءة.
وتتسبب مهاجمة الرجل الموبوء بالمرض الجلدي"هنري" ويجسده "راندي سوشلمان" لأفراد المجموعة، بدفعهم لإطلاق النار عليه، ومن ثم إحراقه، ويتسبب الحادث أيضا، بتدمير السيارة التي كانوا يستقلونها.
حجر وانكسار
وتكون الإصابة الأولى بالوباء، عندما تشعر "كارين" وتجسدها "جيجي غوليغاتري" بأن جسدها ينزف دما، ويبدأ بالتعفن تدريجيا، وهو ما يدفع أفراد المجموعة، لأن يقوموا بحجرها في غرفة بعيدة عن أماكن نومهم، وبسبب انقطاع المكان عن المدينة، يعجز أفراد المجموعة عن نقل صديقتهم للعلاج.
وبدت شخصية "كارين" الأكثر تأثيرا، فيما شهدته من منحنى هبوطي من قمة متعتها في لحظة حميمية مع صديقها، إلى قاع "الكيرف" في بناء شخصيتها، حين طلبت من صديقها بأن يقتلها أخيرا، للتخلص من تعفن جسدها نتيجة لتمكن الفيروس من جلدها. كما وأدت خطى عزلها من الأصدقاء إلى هزيمة مناعية لديها، ومشاعر محملة بالانكسار.
ماء موبوء
وفي وقت اعتقد الأصدقاء بأن ملامسة الفتاة الموبوءة هي الحالة الوحيدة التي ينتقل من خلالها المرض إليهم، قاموا بعزلها، وظنوا بأنهم قاموا بأهم وسائل الحماية، لكن الوباء الفيروسي الجلدي، لم يترك أيا منهم إلا وأصابه، واحدا تلو الآخر، ليكتشفوا أخيرا أن الماء في المنطقة كان السبب الوحيد في انتقال المرض.
السر
وكما في كل الأوبئة التي داهمت الإنسان على الأرض، يؤدى التأخر في اكتشاف سر الفيروس، إلى تفشيه، آكلا، كمحصلة نهائية المجتمع الإنساني، دون تمييز. هو نفسه ما حدث في طاعون الموت الأسود في العصور الوسطى، أو طاعون جستينيان، وطاعون عمواس في بلاد الشام في القرن الميلادي السابع، وكذلك كان تأخر معرفة الإنسان بحقيقة الكوليرا، والحمى الإسبانية، وطريقة تمدد الفيروس، في كليهما، إلى حصد عدد كبير من المجتمع الإنساني.
مشاعر
ويعالج الفيلم الوبائي رحلة الإنسان، منذ القدم، مع الطبيعة والأوبئة، ويظهر كيف تختلف ردات الفعل الإنسانية أمام الكوارث، تلك اللحظات التي تعري الجوهر الإنساني، من الضعف، والخوف، والأنانية في كثير من الأوقات. ولعل ما يعايشه الإنسان من مشاعر، في 2020 مع وباء كورونا، هو تكرار، بشكل موسع، لتلك المشاعر المتأصلة في الإنسان لحظة الجائحة.
الإنسان والمجهول
وتتعدد في الفيلم لحظات يحاول فيها المخرج إضفاء طابع الرعب على سلسلة المشاهد، من خلال المؤثرات الصوتية الصاخبة، لحظات ارتطام الأشياء ببعضها، أو سقوطها، كما وأعطى للكلب الغامض، الذي يظهر في أماكن معتمة،صورة تبعث الرهبة في النفس.
ويعطي المخرج الأمريكي تصورا لمسيرة الإنسان مع المجهول في مواجهة الجائحة المرضية، حينما يعطي لكل شخصية نهاية مختلفة، غير كارين، مات "بول" رميا بالرصاص، من إحدى عائلات المنطقة، خوفا من تفشي الوباء من خلاله. وماتت "بيرت" بعد أن أنهكها الوباء، افتراسا من الحيوان الغامض.
ورغم تمكن "ترافيس" من الحفاظ على عناصر الجذب بين مشاهد الفيلم، بأن أبقى صوتا مجهول الوجه يطل من بين المشاهد، إلا أن النهاية الصامتة مع الموسيقى التصويرية، كانت بمثابة خنق لجسد الفيلم.
الأثر الخلفي للصورة
أما وحدة الإضاءة فعملت على تضخيم أثر الأحداث المتوالية في الفيلم، ما بين التعتيم على زوايا معينة، والإضاءة على أخرى، وهو ما حقق بروز الأثر الخلفي للصورة في مناطق كثيرة من تجسيد السيناريو.
هذا الفيلم الذي يعيد تجربة إنتاجية لنفس القصة، تمت عام 2002، ويعاد تكرارها، من قبل "إيلي روث" بمشاركة "راندي بيرلستين"، لكن بتقنية سينمائية محدثة، بالإضافة إلى دمج عقلية الإنسان المعاصر المواكب للأدوات التكنولوجية.
ومن الواضح أن كاتبي السيناريو لم يحققا الفروقات المتوقعة في الكاريزما السينمائية بين الشخصيات، فكادت أن تنعدم الفروقات التي تبنى عليها كل شخصية، لولا الاختلاف الطفيف في التعاطي مع تمدد الوباء بينهم، وطريقة القتل.
فيلم "Cabin fever " يعتبر شريحة من صناديق البؤس الإنساني في مواجهة كوارث الأرض على مر العصور، لهو كاشف لهشاشة الإنسان، في مواجهة هذا العالم، رغم أن الحضارة الإنسانية تعطي تصورا برسوخ قدم المرء في الطبيعة، إلا أن هجوم الطبيعة المعاكس، يفقد المجتمع البشري الطمأنينة.