العراق إذ ما تسنم الكاظمي
السياسة كنفوذ هي أشبه بجغرافية متحركة يمكنك من خلالها تحويل مجرى نهر لاندويسر من غراوبوندن السويسرية إلى بغداد دون حتى أن تعبئ بنهريها.
كما أنها ليست شعرًا أو روايةً أو قصة حب، لتنطلق من الخيال لفهمها، هي ليست نظرتك اتجاه الأمور، بل نظرة الواقع حول كل مايجري، لذلك فأن الحديث حول تكليف الكاظمي لاعلاقة له بالشخصنة بكلتا حديها، إنما إنطلاقًا من واقع مضطرب ساهمت فيه الأحزاب من خلال تغيّبها لمعايير محددة في الإختيار، وبالتالي إيهام الشعب بتفسيرات سطحية، وبالعودة لموضوعة الكاظمي وعن فترة تسنمه المنصب لو سلمنا جدلًا بذلك طبعًا فلا شيء للآن يقيني وكل يوم مشهدنا السياسي متغير بسبب تبعية القرار وغياب الروئ السياسية،
ووفقًا لمن نراه فإننا قد نشهد فترة هدوء نسبي لعدة أسباب، أهمها:
1_ شخصية الكاظمي القادرة على ترويض المصالح المتضادة للقوى الدولية الفاعلة داخل العراق.
2_ كورونا التي أجبرت ذات القوة على الإلتفات أكثر لوضعها الداخلي، بعد أن أنهكتها في مختلف المجالات.
3_الصراع العالمي (الصين وأمريكا) الذي يغدو فيه العراق مكملًا أو ملحقًا لسبب من عدة أسباب في تحقيقه، أي ميل إحدى الكفتين، وهو دور لن يلعبه العراق كدولة مؤثرة بقدر ماينسحب الأمر لتبيعته (لذلك قلت ملحقًا بسبب) ، وتدخل دول الخليج بهذه المعادلة ، أعترف أن هذه النقطة تحتاج لمقال بمفردها، لكن سأكتفي بهذا الآن.
لكن قد تعود الأزمة المركبة ويتلاشى الهدوء الذي ذكرناه، إذ ماحدث التالي:
_ عدم مجاراة التضاد في المصالح بين القوى الدولية، أو ميله لإحداها دون الأخرى، مما سيخلف ردة فعل خطيرة من أجل إعادة نصاب التوازن.
_ كورونا مرة أخرى إذ ماكانت سببًا في تأجيل البت بالاتجاه الأمريكي(أي النقطة الثالثة أعلاه)، بالتالي بقاء الوضع على ماهو عليه، بلا محاولة استمالة وفتح صفحة جديدة على المستوى الإقليمي الذي سيتصل بطبيعة الحال بمعضلة الصين، وهذا ما يبدو راجحًا.
_ أن تلد حركة الاحتجاج العراقية احتجاجًا أخرًا على محركاتها الإعلامية، ولا أُريد الخوض بغمار هذه المحركات( الإلكترونية والمرئية) وكيف أستغلت ذلك وهو بكل تأكيد أصبح معلومًا نتيجة الغياب التام للمؤسسات الوطنية، وهذا وارد لما تحمله خصوصية المجتمع العراقي من حدين متنافرين أولهما بساطة السيطرة عليه من خلال التلاعب بعاطفته، ثانيهما صعوبة أستمرارية هذه السيطرة لكون العاطفة أهتزاز فجائي للجهاز العصبي تبعًا لتأثيرات المواقف، مما يحملها على التغير بين الحين والأخر تبعًا لها (الأحداث أو المواقف) وهذا التقلب هو مايؤدي لهذه الصعوبة.
اما عن الكاظمي بالنسبة للشعب فلا أعتقد أن سيختلف عن سابقيه بشيء، ولو أن الأمر أصبح من البديهيات في ظل هذه العملية السياسية لكن من باب التذكير،وفي الختام فأن كورونا قد ساهمت بفرضية جديدة تمثلت بتعرية الواقع الهش لأكثر الأنظمة التقدمية، وهذا ماسيحملها بكل تأكيد لإعادة النظر بإستراتيجياتها اتجاه الداخل و فيما يتعلق بمصالحها الخارجية، وبالتالي سيكون العراق متأثرًا بهذا التغيير، لذلك نحن أمام مرحلة ضبابية مقبلة تضاف للمنظومة السياسية التي أخذت من لقب لندن الكثير.