في ذكرى ميلاده.. حكاية مولير مصر يعقوب صنوع الذي تقرب من الخديوي ونفاه بسبب انتقاداته
المدينة نيوز: نجح يعقوب صنوع الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده، أن يكون شاعرا ماهرا في ارتجال الشعر الفرنسي وروايته مُثقفا واسع الإطلاع عالما بشئون السياسة والفكر، وزاد عدد تلاميذه بباريس وقام بتدريس علوم الحساب والفلك والرسم، بالإضافة إلى اللغة العربية وأضاف إليها اللغة الفرنسية.
واستغل صنوع، الذي يعد أحد رواد المسرح المصري والصحافة المصرية الساخرة، ومولير مصر كما أطلق عليه الخديوي إسماعيل، مواهبه وأسلوبه ومعرفته لأهم ما يدور في القاهرة في السعى وراء الدعاية لبلاده والجرى وراء مصالحها عن طريق وسائل الإعلام الأخرى كالخطابة والمحاضرات والندوات وقرض الشعر، حتى هز الرأي العام العالمي والأوروبي وكسبه إلى مناصرة الأزمة المصرية.
ولد يعقوب صنّوع في القاهرة لوالدين مصريين مقيمين في مصر في حي الشعرية، وكان الابن الوحيد لأمه وأبيه بعد موت أربعة أطفال قبله، وكان والده مستشارًا للأمير يَكَن حفيد محمد علي باشا، ويروى أن يعقوب كتب قصيدة مدح في يكن الذي أعجب بها ولم يصدق أن فتى في الثالثة عشر من عمره هو الذي كتبها، فأبتعثه الأمير يكن لدراسة الفنون والأدب في إيطاليا على نفقته سنة 1853، ثم عاد يعقوب سنة 1855 ليعمل مدرسا لأبناء الخديوي يُدرِّس لهم اللغات والعلوم الأوروبية والتصوير والموسيقا.
أتقن يعقوب صنوع، منذ نعومة أظافره تعاليم التوراة وتوسع في وقائعها حتى أستحق أن يكون مؤمنا بوجود الله، ثم درس الإنجيل والقرآن، وزاده ذلك تمسكا وايمانا بوحدانية الله سبحانه وتعالى، ومعرفة بأسرار الديانات ووقائعها ساعده على النجاح في كتابة صحفه ومقالاته.
وفي عام 1869 فكر يعقوب في تأسيس مسرح مصري تعرض على خشبته مسرحيات عربية متأثرا بما رآه في إيطاليا، وسمح له التنقل بين جميع فئات المجتمع من حرفيها وعمالها وجاليتها الأجنبية والطبقة الارستقراطية التعرف على كافة افراد الشعب المصري آنذاك واستفاد من ذلك في رسم شخصياته المسرحية الكوميدية.
وألف يعقوب صنوع مسرحيات قصيرة ممزوجة بأشعار وقام بتلحينها وعرضها في قصر الخديوى إسماعيل وأمام حاشيته من الباشوات فأعجبوا بها، قرر يعقوب أن ينشئ فرقة مسرحية من تلاميذه وكان هو يلعب دور المدير والمؤلف والملحن والملقن، وعرض مسرحيته على منصة مقهى موسيقي كبير بحديقة الأزبكية بالقاهرة وكانت توجد في ذلك الوقت فرق تمثيل إيطالية وفرنسية تعرض أعمالها للجاليات الأوروبية في القاهرة، ونجحت مسرحيته نجاحا كبيرا.
وأنشأ بعدها يعقوب فرقته الخاصة لتقديم مسرحياته وفي فرقته ظهرت النساء لأول مرة على خشبة المسرح، ويرجع لقب موليير مصر إلى الخديوى إسماعيل الذي أطلق عليه ذلك الاسم وطلب منه ان يعرض مسرحياته على مسرحه الخاص في قصر النيل، وعرض يعقوب ثلاث مسرحيات هي "آنسة على الموضة"، و"غندورة مصر"، و"الضرتان" وكانت مسرحيات كوميدية أعجب بهم الخديوي وسمح له بإنشاء مسرح قومى لعرض مسرحياته على عامة الشعب، وقد عرض على هذا المسرح أكثر من 200 عرض لـ 32 مسرحية ألفها، إلى أن قدم مسرحية "الوطن والحريه" فغضب عليه الخديوي لانه سخر فيها من فساد القصر ثم اغلق مسرحه ونفاه إلى فرنسا فاستقر في باريس إلى آخر حياته.
رغم أن صنوع كان ميالا للمسرح والتمثيل بطبعه، إلا أنه لم يجد بعد إغلاق مسرحه الذي لم يستمر سوى عامين من أن يخلق متنفسا آخر لآرائه فأسس جمعيتين أدبيتين علميتين في سنة 1872 : الأولى: تم تسميتها "محفل التقدم" والثانية:"محفل محبى العلم" وتولى رياستهما، وكان يقوم بإلقاء المحاضرات عن تقدم العلوم والآداب في الغرب بالإضافة إلى خطبه الثائرة التي كان يحملها بعض آرائه في السياسة والحكم وكان يشترك معه في إلقاء الخطب والمحاضرات بعض زملائه وأصدقائه من الأعضاء البارزين في الجمعيتين.
وانشأ عددا من الصحف نذكر منها أبو نضارة التي اضطر إلى إعادة إصدارها باسم "أبو نظارة زرقاء"، ثم صحيفة الوطن المصري وأبو صفارة التي أيضا اضطر الي تغيير اسمها إلى أبو زمارة، وصحيفة الثرثارة المصرية.
بسبب معارضته للسياسة المصرية في ذلك الوقت غضب عليه الخديو فأغلق مسرحه وأبعده إلى باريس، وألتقى يعقوب أديب إسحاق في باريس وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وإبراهيم المويلحي وخليل غانم ثم مصطفى كامل وغيرهم، ثم واصل دعايته للقضية الوطنية بعد الاحتلال البريطاني لمصر، فأصدر العديد من الصحف بالعربية والفرنسية وأخذ يتنقل في أوروبا للدفاع عن مصر واشترك في الحملات التي شنت على الخديوي إسماعيل والاحتلال البريطاني، وراسل أحمد عرابي في منفاه في جزيرة سيلان.