ماجد فتحي يكتب : وريثات نضال المرأة العربية في القرن الحادي والعشرين
المدينة نيوز: منذ بدء الحركة النسوية المصرية في مد يدها إلى العرب الآخرين في أواخر الثلاثينات والأربعينيات ، لعب الاتحاد النسائي المصري دورًا رئيسيًا في التنظيم المؤسسي للحركة النسوية الممتدة عبر البلدان العربية ، وكانت قضايا المرأة العربية تعبر عن مشكلة كل الدول العربية في ذلك الوقت من القرن العشرين ، وهي إحياء العروبة وطرد الاستعمار.
وكان المؤتمر النسائي العربي في القاهرة عام 1944، الذي شاركت فيه رموز نسائية عربية من دول المشرق العربي ومن دول المغرب العربي – تحت رعاية الملكة فريدة ورئاسة هدى شعراوي – علامة فارقة لما ترمز إليه قدرة المرأة العربية على الدفاع عن الحريات وقضايا مجتمعاتهن، للدرجة التي أثارت غضب السفير البريطاني في القاهرة ، السير مايلز لامبسون، معلقًا على ما رآه من قوة المرأة العربية في رسالة إلى وزارة الخارجية البريطانية قائلا: " إن قوة النساء في الشرق تعادل قوة النساء في فرنسا ".
تلك عادة المرأة العربية المناضلة، واستمر ذلك النضال على مستويات ووجوه عديدة ، مع اختلاف الزمن والقضايا والآمال، وها نحن في القرن الحادي والعشرين لا زلنا نرى صدى المدافعات عن حقوق المرأة في المجتمعات العربية يتردد في جنباتها ، ومنهن من نتناول سيرتهن وأعمالهن في هذا المقال.
وفاء البوعيسى
أشهر المناضلات الليبيات في مجال حقوق المرأة ، ولدت في 12 أغسطس 1973 ببنغازي ، من أسرة متواضعة الحال ، حيث عاشت وتلقت تعليمها ، ثم درست الحقوق في جامعة قار يونس ، وحصلت على درجة الليسانس سنة 1996 ثم الماجستير في القانون الجنائي، سنة 2003.
عملت وفاء كمحامية في قضايا القانون المدني والتجاري والأحوال الشخصية والمسائل الجنائية في السنوات من 1998 إلى 2008، كما عملت كمحاضِر لمادة القانون التجاري والأوراق التجارية، بالمعهد العالي للعلوم الإدارية والمالية ببنغازي لسنة واحدة، ثم اتجهت للكتابة الأدبية .
وأصدرت عددًا من الروايات المثيرة للجدل، كان أهمها : رواية " للجوع وجوه أخرى " التي صدرت بليبيا، التي كانت سببًا في تكفيرها وتعرضها لحملة احتجاج واسعة من وزارة الأوقاف الليبية ببنغازي، والهيئات الدينية، خلال فترة حكم العقيد معمر القذافي، مما اضطرها إلى ترك البلاد وطلب اللجوء السياسي بهولندا سنة 2008 . وبهولندا عملت الكاتبة كمتطوعة لتقديم الاستشارات الاجتماعية للنساء اللاجئات الناطقات بالعربية، . وهي متزوجة حاليًا ، وتقيم بهولندا منذ ذلك التاريخ وحتى الآن.
ولم تتوقف عن الانتاج منذ بدأت الكتابة الأدبية من سنة 2006، تاريخ إصدار أول رواية لها، "للجوع وجوه أخرى" ، حيث اصدرت "فرسان السعال "، عام 2009، "نعثل ، عام 2012. "تيوليب مانيا "، 2013. ولها مخطوط رواية خامسة لم تُنشر بعد ، بعنوان " الروائي " . وهي تشارك بكتابة المقالات الأدبية والسياسية في مواقع وصحف إلكترونية مختلفة.
وربما يتردد في الضمائر العربية الآن ما كتبته في مقالها " المرأة كورقة ضغط في الصراعات السياسية" عن موقف أردوغان من اللاجئين واستعمالهم كورقة ضغط على اوربا ، هل هو موقفٌ فردي ومعزول؟ وما هي دلالات هذا الموقف سياسيًا ؟ والذي أعتبره من أرقى المقالات الحديثة عن قضية حرية المرأة ، ورؤية المرأة العربية المثقفة عن التعايش السلمي وحفظ كرامة الأقليات .
رندا قسيس
سياسية وكاتبة وفنانة تشكيلية سورية تعد أحدى أهم رموز الفكر العلماني العربي المعاصر التي تسعى إلى احداث تغيير في واقع المجتمعات العربية، بسعيها لأجل خلق مجتمعات ديمقراطية وانسانية عادلة، بعد تطهير المجتمعات كلها من ثقافة الطغيان والظلم. وقد تركز نضالها السياسي على مدار سنوات عدة على إظهار حقيقة النظام السوري ومعاداته للانسان والحريات والقيم ومتاجرته بكل شيء لأجل ديمومة عرشه واستبداده على حياة السوريين، وخلقه للفوضى في الشرق الأوسط .
ولدت رانيا قسيس بدمشق في سوريا عام 1970، وقد بدأت حياتها المهنية كفنانة تشكيلية، حيث أقامت العديد من المعارض الفنية في الشرق الأوسط وأوروبا في محاولة منها لخلق نموذج إنساني جديد عبر إستخراج التجارب الفردية والجماعية الموجودة في ثقافات عدة، واكتشاف ارتباط الحياة مع الحرية بشكلها الواسع وليس بمفهومها الضيق الذي لا يتجاوز سلوكيات معينة، من خلال البحث المستمر عن المعرفة والمحاولات المكثفة لتوسيع الإدراك .
ومن خلال فنها وكتاباتها ، تؤمن راندا قسيس بكونية الانسان و الكائنات الحية اجمع، فهي تشعر بانتمائها الى أية بقعة ارض موجودة في هذا العالم. وهي تعتقد أن الوطن هو المكان الذي نستطيع من خلال تواجدنا به طرح الأفكار والتعبير عنها من دون قمع أو تابو.
ألفت راندا قسيس كتبًا أثارت ضجة عن مفهومها حول الحرية والدين، تحت عنوان: سراديب الآلهة، إلا أن النضال السياسي أخدها لتكتب عدة كتب سياسية ومنها: كتاب "الفوضى السورية"، وكتاب "من الثورات العربية حتى الجهاد العالمي"، وكتاب "سوريا وعودة روسيا".
والكثير من المقالات التى أكدت قسيس من خلالها أن التقدم في العالم العربي سوف يتم عن طريق النساء، وهدفها أن تكون في موقع مسئول حيث تستطيع البدء بالتغيير للوصول لمجتمع حر يكون فيه الفرد حرا ومسئولا. وعلى الرغم من انشغالها عن متابعة الأعمال الفنية مؤخرًا حسب تعبيرها، إلا أن دخولها للسياسة والكتابة والفكر النسوي والعلماني كانت عتبته لوحاتها، وهي ترى أن الابداع قائم على تجارب عديدة وعلى البحث الطويل، فانتقالها من الفن إلى السياسة والفكر يجعلها تشعر ببعض من الرضى عما ستقدمه لاحقًا من الأفكار والاطروحات، وهي تؤكد أنها قبل أن تنظر إلى الماضي، تشاهد المستقبل لتضع خططًا مستقبلية لما تريد تحقيقه او بالاصح لما تريد اعطائه.
مي غصوب
وتجي الكاتبة اللبنانية مي غصّوب ( 1952–2007) كعلامة أخرى لفكر المرأة العربية التحرري في الشرق الأوسط . كتبت مي غصوب مقالات في الثقافة العربية والنسوية العالمية وقضايا الشرق الأوسط للعديد من المجلات والصحف العربية والدولية . وكللت ذلك بإنشائها لدار نشر " الساقي " بلندن عام 1979 ، التي تبوأت شهرتها بين دور النشر العربية والعالمية ، وبدأت بالنشر باللغة الانجليزية ، ثم نشرت أول أصداراتها باللغة العربية عام 1983 ، ثم تحولت إلى بيروت بإنشاء فرع لها هناك عام 1990 . تلك الدر التي صارت قبلة لنشر جميع أعمال المبدعين العرب في العالم العربي وخارجه ، عن الحريات وحقوق الإنسان والمناهج الجدلية في تفسير التاريخ العربي والفلسفات .
تعد غصوب من أشهر المناصرات اللبنانيات لحقوق المرأة ، وكتبت عن الديمقراطية والهوية الثقافية في الشرق الأوسط . وربما جاء كتابها " الرجولة المتخيلة " من أشهر وأبرز علامات الفكر النسوي العربي ، الذي جعلها تتبوأ مكانتها في ذلك المضمار ، والذي نُشر في دار الساقي عام 2202 بالاشتراك مع الباحثة التركية العاملة في مجال حقوق الانسان " إما سنكلير ويب" .
من أشهر أعمال مي غصوب : " الهوية الذكرية والثقافة في الشرق الأوسط " ، " تاركةً بيروت " ، " المرأة العربية وذكورية الأصالة "، " الرجولة المتخيلة " بالإشتراك مع إيما سنكلير ويب ، " ما بعد الحداثة.. العرب في لقطة فيديو " . وقد خُلدت في الميدان الثقافي ؛ إذ خُصصت جائزة أدبية باسمها ، وهي " جائزة مي غصوب للرواية العربية " . توفيت غصوب في لندن ودفنت في بيروت عام 2007 .
فاطمة المرنيسي
ومن الشام وليبيا ننتقل إلى المغرب ، حيث نجد الكاتبة وعالمة الاجتماع فاطمة المرنيسي (1940 -2015 ) التي تهتم كتاباتها بالإسلام والمرأة وتحليل تطور الفكر الإسلامي والتطورات الحديثة . وتُرجمت كتبها إلى العديد من اللغات العالمية . وكانت تقود الكفاح في سبيل إقامة مجتمع مدني ، تتوافر فيه المساواة وحقوق النساء.
كانت فاطمة المرنيسي تهدف بجهودها إلى تسليط الضوء على الظلام الذكوري ، الذي طمس دور المرأة في المجتمعات العربية ، منتقدة الرأي العربي القائل أن قضية المرأة مصدرُها من الغرب ، كما لو أننا نسينا تاريخنا ، فهي تقول في كتابها “شهرزاد ترحل إلى الغرب” أن مفهوم الحريم لا يصلح لقراءة التراث الإسلامي فقط ، بل أيضا يفيد في قراءة تراث الفكر الغربي حول النساء ، وأن الغرب يحتقر النساء بشكل اشد من الشرق .
وهي تؤكد أن النساء لعبن دورًا مؤثرًا وإيجابيًا في التاريخ العربي الإسلامي ، غير أنه جرى تجاهل متعمَّد لتلك الأدوار في التراث والدراسات التاريخية ، لصالح إبراز دور الرجال . من المفارقات أن الأعمال الأكاديمية لفاطمة المرنيسي انتُقدت انتقادًا هائلًا بحجة أنها لا ترقى إلى المعايير المطلوبة ، إلا أن ذلك قد أخمدته عاصفة الاهتمام الإعلامي بها في الغرب وسطوع نجمها في الأوساط الثقافية والإعلامية بأوربا . ألفت فاطمة المرنيسي العديد من المؤلفات بالفرنسية والانجليزية والعربية ، منها : " ما وراء الحجاب " ، الإسلام والديمقراطية " ، " نساء على أجنحة الحلم " ، " أحلام نساء الحريم " . مُنحت فاطمة المرنيسي جائزة أمير أستورياس للأدب مناصفةً مع سوزان سونتاج عام 2003 ، وجائزة إراسموس عام 2004 . وتوفيت بالرباط في نوفمبر 2015 .
نوال السعداوي
برغم كل الناشطات اللاتي جرى ذكرهن ، لم تُثر إحداهن جدلًا مثلما أثارت الكاتبة والناشطة المصرية. حتى أنه رغم وصولها لعمر التسعين هذا العام ، ، اختارتها «مجلة تايم الأميركية» مع آخرين ضمن قائمة " أكثر 100 امرأة تأثيرًا في العالم لعام 2020 " بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. وهي ترى أن تكريم مجلة تايم جاء بسبب رفضها رؤية النساء الأميركيات أنفسهن كسلع ، وامتثالهن لمفهوم الاتجاه الاستهلاكي السائد عن الجمال ، وتغييرهن لمظهر أجسامهن ، سواء بمستحضرات التجميل أو الجراحة التجميلية. كما أنها أوصت النساء الأمريكيات بأن يثرن لحقوقهن خاصة ضد سياسات دونالد ترمب الطبقية والعنصرية.
ولدت نوال السعداوي عام 1931 بكفر طحلة بمحافظة القليوبية . كان والدها موظفًا حكوميًا . وكان فارق السن بين والدها ووالدتها 15 عامًا . درست نوال في مدارس فرنسية وأرادت ركوب الخيل وتعلم العزف على البيانو. كان حلمها الأول أن تكون راقصة، وأحبت الموسيقى، لكن والدها لم يستطع شراء بيانو لها ، لذا تحول اهتمامها إلى القراءة والكتابة.
تخرجت من كلية الطب بجامعة القاهرة عام 1955 وتخصصت في الأمراض الصدرية. وبدأت حياتها المهنية كطبيبة صدرية في مستشفى القصر العيني ، ثم بدأ بعدها اهتمامها بالطب النفسي . في عام 1957 ، أصدرت نوال مجموعتها القصصية الأولى بعنوان "تعلّمت الحب"، وتكلمت في هذا الكتاب عن شخصها بشكل مباشر وعن رؤاها للحياة وللمجتمع كمؤلفة وأيضا كطبيبة ، وشرحت في هذه الرواية أن المجتمع في حاجة أكيدة للحب . في عام 1963، عملت نوال السعداوي في وزارة الصحة كمدير مسؤول عن الصحة العامة وكأمين مساعد في نقابة الأطباء ،كما انتقلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتنال درجة الماجستير في علوم الصحة من جامعة كولومبيا في عام 1966.
و عند هذه المرحلة بدأت أنشطتها السياسية ورؤاها الفكرية في العمل ضدها . ففي عام 1972، نشرت كتاب (المرأة والجنس)، حيث هاجمت فيه الاعتداءات على أجساد النساءفي المجتمع المصري والعربي ، ليس ما يرتبط بختان الإناث، بل بالطقوس الوحشية الخاصة بمبدأ العذرية أيضًا . وقد أدى ذلك الكتاب إلى فقدانها لوظيفتها في وزارة الصحة .
تكمن أهمية وشهرة نوال السعداوي – بجانب تاريخها ومعاناتها في نضالها الفكري والسياسي – إلى أن كتبها قد قرأتها أربعة أجيال منذ نشرها حتى الآن . وهي تعبر عن ذلك بقولها : " أنا راضية بما فعلت في سبيل تحرير المرأة في مصر ، لأن في مصر أشعر بأني محاطة بأربع أجيال من النساء و الرجال تأثروا بأعمالي و كتاباتي... و أنا راضية لأن لي تأثير بين هؤلاء الناس " .
وهي ترى أن الأخلاق تكمن في سلوك المرأة و عملها، ولا بد أن ننظر للمرأة على أن لها عقل . تؤكد على وجود علاقة بين الاستعمار والامبريالية وقضايا تحرر المرأة . وقد قالت في مقابلة لإحدى الصحف الأجنبية " أن الصحافة تشيع أنني اكتب عن المرأة فقط، لكني أؤكد أن كتاباتي تربط بين قضايا المرأة وعلاقاتها بالسياسة المحلية و الدولية " .
ورغم ترشيحها لجائزة نوبل في الآدب ، إلا أنها ترى أن مجرد اعتراف الأفراد أن كتبها وانتاجي الفكري أعلى بكثير من قيمة الجائزة ، التي هي في الأساس جائزة سياسية أكثر منها فكرية ، وأن الأديب الحقيقي هو من لا يهتم بالجوائز حتى إن كان يشعر بالاضطهاد في مجتمعه.
وترى نوال السعداوي أن المثقف الحقيقي هو من يحاول أن يفهم العالم من حوله ويتحاور معه و يربط بين المجالات المختلفة للمعرفة (الطب والأديان و التاريخ). فإن حدث اختلاف في الرأي ، فهذا أمر لا بد منه، لكن هذا الاختلاف لابد أن يكون بالفكر و العقل لا بالسيف و التكفير. وهنا – حسب تعبيرها - تقع مشكلتنا في العالم العربي أن من يختلف معنا نعتبره كافرا يجب أن يعتقل أو يقتل. فلم نتعود على التعامل مع من يختلف معنا في الآراء.
الفكرة الأساسية في مؤلفات نوال هي الربط بين تحرير المرأة والإنسان من ناحية ، وبين تحرير الوطن من ناحية أخرى في المجالات الثقافية و الاجتماعية و السياسية.
وخلاصة فكرها وآرائها عن المرأة يكمن في عبارتها : " إن المرأة إنسانة لها جميع الحقوق. صحيح أن الرجل مستعبد والمرأة مستعبدة، لكن استعباد المرأة ضعف استعباد الرجل. ما يحدث هو أن جسد المرأة يعرض للاستهلاك في السوق الحرة، حيث يعرض عليها إما تغطية أو تعرية جسدها. وهكذا صارت المرأة أداة في هذه السوق من قبل التيارات الدينية المسيطرة ".
وكانت السعداوي قد صنفتها جريدة«الغارديان» البريطانية بأنّها كاتبة راديكالية في المجال الاجتماعي والسياسي، وأنها من بين أفضل 5 روائيات وأديبات بأفريقيا، عام 2018.
حصلت نوال السعداوي على العديد من الجوائز العربية والعالمية ؛ منها : جائزة الشمال والجنوب من المجلس الأوروبي ، وجائزة ستيغ داغيرمان من السويد ، وجائزة رابطة الأدب الأفريقي ، وجائزة جبران الأدبية . وجائزة من جمعية الصداقة العربية الفرنسية ، وجائزة من المجلس الأعلى للفنون والعلوم الاجتماعية بمصر ، بالإضافة إلى الدكتوراه الفخرية من قبل الكثير من الجامعات الأجنبية.
هذه جولة صغرى ، طفنا فيها في عجالة، بالعواصم العربية ذات النشاط الفكري النسوي والتحرري ، سواء اختلفنا مع صاحبات ذلك النشاط أو اتفقنا ، فإن ثقافة الاختلاف هي أبرز مثال على سحر الروابط الانسانية الفكرية، بدون تعصب أو جحود، وسلام ٌعلى المرأة العربية في جهادها وكفاحها، من ربات البيوت والأمهات حتى الناشطات والأديبات والوزيرات والرئيسات.