المدينة نيوز: يكشف فيلم ”المنارة“ (The Lighthouse) عن تفاصيل حياة رجلين يعانيان العزلة خلال تأديتهما وظيفتهما كحارسي منارة في جزيرة معزولة.
وتعج الحكاية بحوار مزخرف وقصص سريالية وصور كابوسية، تعمد المخرج روبرت إيجرز أن يمررها للمشاهد بثقل نفسي على شكل موجات مقلقة تتلو إحداها الأخرى.
ويلعب ويليم ديفو دور حارس المنارة، توماس ويك، البحار العتيق المكلف بالإشراف على عليها، وهو متسلط ومحب للخرافات. في حين يلعب روبرت باتينسون دور حطاب سابق يدعى إفرايم وينسلو، باحث عن أجر نزيه ليؤدي في الجزيرة الأعمال المنزلية واليدوية تحت إشراف توماس.
ومن المفترض أن تستمر مهمة الثنائي أربعة أسابيع، لكن الجو المشحون بالجنون يصبح مع مرور الوقت أكثر ضبابية من الخط الساحلي.
ويقول توماس في إحدى وجبات العشاء غير المريحة: ”الملل يجعل الرجال أشرارا“. ولكن العزلة على ما يبدو أخف وطأة من رفقة أحدهما للآخر.
وتتصاعد نسبة التوتر بعد الكشف عن وفاة شريك توماس السابق، لينزلق البحار العجوز في الجنون متباهيا ببراعته في الإدارة، في حين يصدمنا إفرايم بمنازلته المشوشة لطائر النورس، متحديا تحذيرات توماس بتجنب إيذاء الطائر البحري لأن ذلك يجلب سوء الطالع ويحرض الطبيعة الأم الغاضبة. في ظل صرير الألواح الخشبية، وعويل الرياح، والآلات الصاخبة، التي تتخللها صفارات الضباب، كل تلك المقدمات اعتمدها المخرج خلفية ممهدة للكارثة الوشيكة.
وركز المخرج على التفاصيل ليكون التوتر سيد الموقف في فيلم يعمل بشكل أساسي كعرض ثنائي، من خلال توماس البحار العتيق بشعره الأشعث ولحيته الكثة، مجسدا دور الحامي لتقاليدها ولغتها وخرافاتها، فضلا عن حركاته الزئبقية، ووجهه المتعرج وابتساماته المرعبة، المتوافقة بشكل جميل، ومزاجه الوحشي، فهو ينبح الأوامر. ويحرس أيضا، مفتاح غرفة شعلة المنارة المتوهجة شبه الصوفية، مع مراياها العاكسة التي تطلق انفجارات ضوء ساطع، ما يثير فضول إفرايم، الذي استفزه رفض توماس السماح له بالدخول إلى غرفة الشعلة، لتضيع الخطوط الفاصلة بين الواقع والخيال أمام هوس إفرايم الجنوني في المطالبة بالنور لنفسه.
حضور الأسطورة
وتلقي أسطورة بروميثيوس بظلالها الواضحة على سردية الفيلم الذي كتبه المخرج روبرت بالاشتراك مع شقيقه ماكس، وكان أساسه قصة غير مكتملة لإدغار آلان بو بنى عليها الأخوان سرديتهما المحملة بالإيحاءات النفسية الحاملة لتأويلات عديدة، مثل ثنائية الأب والابن والإيحاءات الجنسية ذات الدلالات المتباينة والذكورة والعلاقات والرغبة.
وفي المحصلة، يقدم لنا المخرج روبرت إيجرز فيلما مشغولا بإتقان بصري وحرفية عالية، بثنائية بطلاها اللونان الأبيض والأسود، مع نسبة امتداد شاشة ضيقة تزيد من حدة الغموض والقلق والتوتر، ومن هنا يبرز دور مدير التصوير جارين بلاشكي الذي برع في التلاعب بالإضاءة على وجوه الممثلين وإبراز جميع انفعالاتهم حتى أدقها وكل تجعد للوجه وكل ارتجاف شفة وأصغر إيماءة ليرينا كمية الرعب في الفيلم من الظلام الداخلي والخارجي.