تدبير المخاطر بالمغرب : أولويات مستعجلة
يعد المغرب أحد بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأكثر تعرضا لمخاطر الكوارث والتغيرات المناخية والطبيعية، إذ تعاني المملكة من خسائر سنوية متوسطة تبلغ أكثر من 7.8 مليار درهم، أي بمعدل 0.8% من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب الكوارث الطبيعية. وبالمثل، فإن أكثر من 30% من السكان المغاربة و33% من الناتج المحلي الإجمالي يتعرضون لخطرين طبيعيين على الأقل: الجفاف والفيضانات، هذا الأخير يتربع على قائمة الكوارث الطبيعية بالمغرب، حيث تقدر خسائره بأكثر من 400 مليون دولار في السنة، مقابل 300 مليون في حالات الجفاف .في هذا الباب سجلت مجموعة من التقارير أن الكوارث الكبرى بالمغرب قد تضاعفت أربع مرات تقريبا ما بين سنة 1980 وسنة 2000، وبإثنين وعشرين مرة ما بين سنة 2000 وسنة 2019.
هذه الأرقام تسائل وبإلحاح السياسات الحكومية حول تدبير المخاطر والكوارث الناتجة عن التقلبات المناخية والطبيعية(الزلازلوالفيضاناتوالجفافوموجاتالحروالبرد)من جهة، وعن المخاطر الناتجة عن الأوبئة والأمراض المعدية والتي يكون مصدرها انتقال أنواع الفيروسات المهددة لحياة المواطنين من جهة ثانية، كفيروس إنفلونزا الخنازير، وإنفلوزنا الطيور، ثم فيروس كورنا كوفيدـ19 المنتشر مؤخرا، والذي خلف بدوره عددا لا يستهان به من الضحايا على المستوى العالمي، مما حذا بمنظمة الصحة العالمية لاعتباره كجائحة دولية.
فبالرغم من المبادرات التي اتخذتها الحكومة المغربية، من أجل التوصل إلى تقدير أفضل للتهديدات الناتجة عن المخاطر الطبيعية المفاجئة، من خلال رصد استثمارات مالية مهمة خلال العقدين الأخيرين لبلورة مخططات وطنية لتدبير المخاطر.إذ سهرت الحكومة المغربيةمنذسنة 2000، على إطلاق مجموعةمنالمبادراتلتحسينفهمالمخاطرالحرجةفيالبلاد،بمافيذلكتقييممخاطرالزلازل،وتقييممخاطرالفيضاناتوتقييموطنيلاحتواءمخاطرالكوارث.
ومن جهة أخرىقامتالحكومةبإعادة فتح الصندوق الوطني لمكافحة آثار الكوارث الطبيعية، كأداةتمويلطارئةفي مرحلةلاحقة، للتخفيفمنالمخاطرالهيكليةوغيرالهيكليةعلىالمستوى المحلي. أمابخصوصالاستجابةلحالاتالطوارئ،فإنالحكومة أقامت مركز وطني لليقظة والتنسيق، مهمته الأساسية التأهب لمواجهة الكوارث الطبيعية المحتملة على المغرب.
تثمينا لهذه التدابير الاحترازية، اتجه المغرب منذسنة 2016 إلىإصدارالقانونرقم 110.14 المتعلقبإحداثنظاملتغطيةالوقائعالكارثية،وتمثلتإحدىنتائجهفيإنشاءصندوقالتضامنضدالوقائعالكارثيةكنظاممؤسساتي،غايتهتغطيةمخاطرالوقائعالكارثيةوتنظيمتدبيرعمليةتعويضالمتضررين.
وتجدر الإشارة إلى أنه نظرالماقدتخلفههذهالكوارثمنتداعياتمجتمعيةواقتصاديةعلىالساكنة،وعلىمردوديةالسياساتالعموميةفيشتىالمجالاتالاجتماعية، أن هناك إشكالات عديدة لا زالت تعترض الحكومة المغربية، في إدارتها للمخاطر الطبيعية والصحية، فقد أظهرت التدابير المتخذة في مواجهة الفياضات المفاجئة وموجات البرد في بعض مناطق الأطلس،ثم الجفاف بالمناطق الفلاحية، فضلا عن ما خلفه انتشار فيروس كورنا المستجد بالمغرب مؤخرا، من تداعيات على مستوى الإجراءات الوقائية والبنيات التحتية الصحية لمواجهة الأزمة. أن تدبير المخاطر بالمغرب يحتاج إلى بناء نظام وطني ومؤسساتي لإدارة الأزمات المترتبة عن المخاطر والكوارث الطبيعية.
إذ يسجل في هذا الباب غياب استراتيجية وطنية شاملة، سواء للوقاية من المخاطر أو لتدبير الأزمات المترتبة عنها. فقد ظل تدخل الحكومات المتعاقبة على المغرب؛ مقتصرا على وضع مجموعة من المخططات القطاعية، في ظل غياب سياسة عامة واضحة المعالم في هذا الباب. وهو من المؤاخذات التي سجلها البنك الدولي على المغرب، معتبرا أن ممارساتإدارةالمخاطرفيالمغرب،تتسمبالتشرذمالمؤسسي ،ويغلب عليهانهجردالفعلبالدرجةالأولىعلىإدارةالمخاطر. كماهوالحالالسائدفيالعديدمنالبلدانذاتالدخلالمتوسط،فمقاربة الحكومة المغربية لإدارة المخاطر الناتجة عن الكوارث الطبيعية، لا زالت تعتمد على سياسة رد الفعل وليس الفعل الاستباقي، كما أن الاستجابة لهذه المخاطر تظلإلى درجة كبيرة استجابةقطاعية.حيثتفضيكلكارثةإلىبلورةبرامجإجرائيةجديدةبطبيعة استعجالية،فيالمنطقةالمصابة،مماأدىإلىنهجغيرمتوازنفيجميعأنحاءالبلاد. بدلامنالاهتمامبتدابيرالوقايةمنالمخاطرقبلحدوثالكارثة.
في ظل هذه الوضعية أضحى على الحكومة أن تسعى بشكل أساسي لتعزيزالقدرةالماليةللبلادلإدارةتدبيرالتأثيرالسلبيللكوارثالطبيعيةوالمخاطرالمترتبة عنها.
بالإضافةإلىتحسينالإطارالمؤسسيلتدبيرهذهالمخاطر، عبر الانتقال من ممارسة قطاعية صرفة إلى منطق استراتيجي مندمج.
كما أن الحكومة في حاجةإلىبلورةاستراتيجيةاستباقيةلإدارةمخاطرالكوارث،عبر إدماج مفهوم المخاطر بسياساتها العمومية. آخذتا بعين الاعتبار بشكل منهجي، مخاطر الكوارث ضمن استراتيجيتها ومخططاتها القطاعية في مجال الاستثمارات العمومية.
بالرغم من توفر المغربعلىالعديدمنالنصوصالقانونيةالتيتعالجالقضاياالمتعلقةبتدبيرالكوارثالطبيعية.لكن من الملاحظأنهذهالنصوصتوضع فقط استجابة لظرفية استعجالية، دونأنتوضعفيإطاررؤيةشاملةتؤسسلاستراتيجيةمنسجمةللوقايةومكافحةالكوارثالطبيعية. مما يفرض التفكير في وضع قانونإطارخاصبالوقايةمنالمخاطر،يحددبدقةالسلطاتالمختصة فيهذاالمجال،وتسمية المتدخلين واختصاصات الهيئات المؤسساتية.
من جانب آخر الحكومة تظل مسؤولة على رفعمستوىالوعيبشأنالتعرضللمخاطرلدى المواطنين، وكيفيةالتخفيفمنالآثارالمحتملةلذلكعلىالمستوىالمحلي.
عبد الإله سطي
باحث في العلوم السياسية
والقانون الدستوري