ملف أموال انفست: اختبار لقدرة الحكومة في تحقيق الإصلاح

تم نشره الثلاثاء 24 أيّار / مايو 2011 06:34 مساءً
ملف أموال انفست: اختبار لقدرة الحكومة في تحقيق الإصلاح
د. قاسم نعواشي

جهود غير مسبوقة تبذل لتشجيع الاستثمار على المستوى الخارجي من أجل تسويق الأردن وتشجيع المستثمرين الأجانب للاستثمار في الأردن، إبتداء من جلالة الملك عبدالله الذي يجوب الأرض ويلتقي قادة العالم لجلب استثمارات للأردن، وكذلك يفعل دولة معروف البخيت رئيس الوزراء ودولة فيصل الفايز رئيس مجلس النواب ومعالي بسام الساكت رئيس هيئة الأوراق المالية وعطوفة الدكتور بسام التلهوني مراقب عام الشركات وغيرهم كثير من كبار المسؤولين؛ ولكن هل يواكب هذه الجهود إصلاحات اقتصادية داخلية حقيقية لتكون بيئة الاستثمار في الأردن آمنة حقا، وليس بيئة تفوح منها رائحة الغش والفساد والتحايل على القانون؟
فعلى سبيل المثال، هل سيكون ملف أموال إنفست المفتوح أمام الجهات الحكومية منذ فترة طويلة انطلاقة لاصلاح حقيقي أم استمرار لمسلسل الانهيارات في سوق عمان المالي؟ هل سيتم المحافظة على سمعة الاستثمار في الأردن حيث أن هناك العديد من الشركات الأجنبية المتضررة بسبب المخالفات التي حدثت في هذا الملف، وكلهم يترقبون الحكومة الأردنية ونتائج أعمال اللجان؟ أم أنه سيستمر مسلسل تشكيل اللجان – حيث ثلاث لجان تعمل حاليا – ومن لجنة إلى أخرى، سيتم تضييع الحقوق وتزداد الحكومة في خسارة ثقة الشارع الأردني وخسارة ثقة المستثمرين الأجانب بها؟
هل ستنجح الحكومة في الصعود درجة جديدة في مسيرة الإصلاح أم ستهبط إلى مستويات جديدة على سلم تراجع ثقة الشعب بجديتها وقدرتها على تحقيق إصلاح شامل ومكافحة جدية للفساد؟
هل سيواكب هذه الجهود إصلاحات فعلية وحزم رسمي لجعل ملف شركة أموال إنفست قصة نجاح جديدة تسمو بسمعة الاستثمار في الأردن وتسجل إنجازا جديدا للحكومة ليس في حل المشكلات فحسب؛ بل وفي إدارة الأزمات واستغلالها من أجل تحقيق مكاسب جديدة على طريق الإصلاح الاقتصادي؟
هل ستدرك الحكومة أن الإصلاح الاقتصادي يكون أكثر فاعلية وتأثيرا إذا كان من خلال التطبيقات الميدانية التي يلمس أثرها المستثمر المحلي والأجنبي، وليس فقط بتنظيم المؤتمرات والندوات وإطلاق الخطب العامة والاستراتيجيات والنظريات.
في الوقت الذي تكثر فيه الانتقادات الموجهة نحو الحكومة بسبب بطء عمليات الإصلاح الشامل ومحاربة الفساد والفاسدين، حيث يريد الناس رؤية نتائج ملموسة يوما بعد يوم لهذه الاجراءات. ولكن الأمر الذي لا يشك فيه أحد أن التوجه نحو الإصلاح ومحاربة الفساد في الأردن أصبح أمرا لا رجوع عنه وليس بمقدور أحد التساهل فيه أو أن يتستر على فساد قديم أو جديد، لأنه لم يعد هناك امكانية لحجب المعلومات، والعيون جميعها مفتوحة، والاعلام بكافة أشكاله أصبح بالمرصاد، وأصبح الناس يطالبون بحقوقهم ويسعون لمحاربة الفساد مستلهمين ذلك كله من نفس القائد جلالة الملك عبدالله بن الحسين.. الذي قال: "لا مكان لفاسد في هذا الوطن". ولأن الحكومة اليوم أصبحت على المحك: أمام الشعب، وأمام المستثمر الأجنبي، وأمام جلالة الملك.

لا أعتقد أن الاصلاح الشامل يكون فقط من خلال إصلاح القوانين والتشريعات أو كثرة التعاميم والتعليمات الإنشائية؛ وإنما حين يكون هناك حالة تطبيقية تعالجها الحكومة بمهنية واحتراف سيكون أثرها على المجتمع أكبر بكثير من أثر المواد القانونية التي ربما عطل كثير منها لسنوات وسنوات. حين تنجح الحكومة في معالجة قضية – مثل ملف شركة أموال إنفست – ستكون الدروس المستفادة ذات أثر على كافة الأطراف ذات العلاقة والحالات المشابهة بحيث توفر الكثير من الجهود وتختصر عدد قضايا الفساد التي تتزايد وتتكشف يوما بعد يوم.. حين ننظر في ملف شركة أموال إنفست، سنجد قائمة تطول من الجهات ذات العلاقة، حيث ينبغي على كل فرد أو شركة أو مؤسسة مشابهة أن تستخلص الدروس وأن تتسلم الرسائل الاكيدة أنه من يتهاون في تحمل مسؤولياته ولا يقوم بواجبه نحو المؤسسة التي يعمل فيها ونحو الوطن والمواطن؛ فإن مصيره لن يحسده عليه أحد. تصوروا معي ماذا تضم قائمة الأطراف المشتركة في هذا المثال – ملف أموال إنفست - والذين لن يسلموا من غبار هذا الملف:
• رئيس مجلس إدارة الشركة، وأعضاء مجلس إدارة الشركة (المستقيلين والحاليين)، والإدارة التنفيذية في الشركة، ومحامي الشركة، والمدير المالي للشركة الذين أشرفوا ووقعوا على عشرات المخالفات والتجاوزات القانونية الصريحة التي أدت إلى خسارة الشركة في ثلاثة شهور 64% من رأس مالها، علما بأن رأس مال الشركة 45 مليون دينار.
• شركة تدقيق الحسابات التي خالفت نص القانون، فبدلا من أن تقوم بدورها كوكيل عن المساهمين وتحمي حقوقهم تقوم بالطلب من المساهمين بالمصادقة على بيانات مالية مضلله وفيها من المخالفات الجوهرية ما لا يخفى على أحد فكيف يريد مدقق الحسابات تمريرها على أكثر من 7,000 مساهم؟
• أفراد من دائرة مراقبة الشركات أشرفوا على عمليات بيع وشراء فاسدة للعديد من الشركات من بينها شركة باعها السيد فايز الفاعوري وأفراد أسرته إلى شركة أموال إنفست بقيمة 37 مليون دينار، علما بأن السيد فايز هو رئيس مجلس إدارة شركة أموال إنفست.. فأين كانت الجهات الرقابية حين تم تمرير هذه الصفقة؟
• أفراد من هيئة الأوراق المالية اشرفوا على تفريغ الشركة من أموالها وراقبوا ضياع حقوق المساهمين يوما بيوم وعلى مدى زمني يمتد إلى أكثر من عام دون أي افصاح للمساهمين عن الأسباب الجوهرية، ودون أن يتم اتخاذ أي إجراء يحمي حقوق المساهمين.
• أفراد في الضمان الاجتماعي قاموا بتاريخ 15/12/2010 بتلبيس المؤسسة صفقة خاسرة ومكشوفة للجميع من أول يوم؛ فما هي الأسس التي اعتمدتها مؤسسة الضمان الاجتماعي عندما اتخذت قرار الشراء؛ وأين دراسة الجدوى التي قامت بها وحدة الاستثمار في مؤسسة الضمان قبل الدخول في هذه الصفقة المشبوهة؟
• مكاتب عقارية تورطت بتقدير بعض العقارات وعقارات تحت الانشاء في عام 2009 – بعد الأزمة العالمية، قامت بتقدير عقارات من أجل تلبيسها لشركة أموال إنفست بسعر يزيد عن 32 ضعفا للسعر الدفتري.
• بنوك أقرضت دون ضمانات كافية ولم تقم بمتابعة ديونها، وارتكبت مخالفات كثرة لقانون البنك المركزي الاردني بسبب علاقات شخصية أو منافع خاصة، وبنوك دخلت في مضاربات وتداولات مشبوهة على أسهم شركة أموال إنفست من أجل تهريب أموال الشركة.
• نواب في مجلس الشعب لم يتحملوا مسؤولياتهم حين عرفوا وشجعوا بل ووقعوا بأيديهم إيذانا بقبولهم لهذه المخالفات القانونية الكبرى، ثم يتركون المواطن المغلوب على أمره ولا يتحملون مسؤولياتهم.. هؤلاء النواب تفرض عليهم مسؤوليتهم القانونية والأخلاقية أن يدافعوا عن المواطن ولو أنهم كانوا في موقع المسؤولية حين وقعت هذه المخالفات وتكبدت الشركة هذه الخسائر الفادحة زورا وبهتانا.

إذا ترك ملف شركة أموال إنفست مفتوحا، فهذا يعني أن الحكومة تشجع على التوغل في المال العام.. وستتبعها العديد من الشركات الأمر الذي سيعرض سوق عمان المالي إلى التدهور أكثر مما هو عليه الحال الآن.. وستصبح كل الجهود التي تبذلها الحكومة على المستوى العالمي هباء منثورا.. وسيستمر مسلسل عدم الجدية في مسيرة الإصلاح.
سرعة نجاح الحكومة في إغلاق هذا الملف، يعنى أن الحكومة تسجل نجاحا حقيقيا يحسب لها على طريق الإصلاح الإقتصادي في الأردن بما يحفظ حقوق المستثمرين والمحليين والأجانب، ومحاسبة المتورطين، وتصويب أوضاع هذه الشركة الأردنية – التي كانت قبل أقل من سنة شركة أردنية رائدة ومحط أنظار المستثمرين من مختلف الدول العربية.
هل سيستمر ملف أموال إنفست في تعريض سوق عمان المالي للخطر؟ أم أن الحكومة ستنجح في حماية سمعة الاستثمار في الأردن؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات