الشخصية العربية
لعل ربيع الثورات العربية قد كشف الكثير من جوانب الشخصية العربية أو بالأحرى اظهر هذا الربيع تنوع وتلون الشخصيات السائدة في المجتمعات العربية، فردّات فعلنا المباشرة وبلادتنا أحيانا فضحت الكثير من أولوياتنا واهتماماتنا ومخاوفنا ورغباتنا تماما كما فضحتنا قبلها قضية فلسطين وكشفت عوراتنا وهشاشة تمسكنا في مبادئنا.
اتهمنا (الآخرون) باتهامات كثيرة، وربما كانت وما زالت لا تعنينا ولم ولا تهز فينا شعرة ولم نفكر فيها ولو من باب العلم بالشيء.. أو ربما كان هناك من يحجب عنا الصورة المرسومة لنا خارج المنظومة العربية حفاظا على هذه الشخصية كما هي.
فاليابانيون ينظرون لنا كشعب غائب عن الوعي وعديم المسئولية و(بايعها).. وهذا ما ذكره المفكر الياباني (نوتوهارا) الذي كتب كتاب حول (العرب من وجهة نظر يابانية) والذي شرح فيها الشخصية العربية واتهمها بأنها تعمل وفق النمط الواحد على غرار السلطة الواحد، حيث رأى المجتمع العربي يفكر بطريقة واحدة ويلبس بأسلوب واحد وينشئون بيوتهم بنفس الأسلوب وبما يعني العمل وفق سياسة (القطيع)، مما يعني ضياع كلي لاستقلالية الفرد وثقته في نفسه وإمكانياته وتأثيره على المجتمع.
ويرانا الغرب كإرهابيين عصاه للمدنية.. تأسرنا أفكار مقاتلة ويقوم بتقويمنا وتأهيلنا وقولبتنا رموزا ونخب طافحة بالفساد.. وهم حراسا لثوابتنا منا نحن، وهذه الثوابت يراها الآخرون قابلة للنقاش ونحن لا يسمح لنا برؤيتها إلا إطارا نتحرك داخله ولا نمسه، ونكتفي باستحلاب الحقائق والنتائج التي تم اكتشافها قديما تاركين أمر إضافة الحقائق لهم (للغرب) مع إمكانية استيراد هذه الأفكار المضافة لاحقا عند الحاجة للتبرير أو للتغرير أو للتوريط.
وترانا جارتنا اللدودة إيران كأعراب اختطفوا الحياة من تراب الصحراء.. ولا نستحق هذه الحياة خارج إمبراطورية فارس الخرافية، حيث تعمل على الإيحاء بأننا قمنا على أنقاض حضارة فارسية لم نستفد منها، ويمكنها بسهولة اختطاف العقيدة الإسلامية العريقة التي أنقذتنا من بداوتنا وجاهليتنا وتجييرها لصالحها لانشغالنا في معاملات استقدام الخادمات والسائقين.
لا بد لنا من الاعتراف بأن الرؤى السابقة لامست بعض الحقيقة في محاولاتها للسبر لمكونات الشخصية العربية العامة والظاهرة للعالم كما تعاملنا معه.. وربما كما يود أن يعاملنا، ولا بد لنا أيضا أن ندرك أن الهدف من السبر والإيحاء بهذه الشخصية قد تبدوا نوعا من الحرب الباردة علينا أيضا، ولكن..
كيف نرى نحن أنفسنا الآن؟
أو أننا.. لا نعرف أنفسنا..!
بالحد الأدنى علينا أن نعترف أننا لا يجب أن نكون كما نحن الآن.. طالما ما زلنا نرى في قتل الأطفال في فلسطين وسوريا والعراق والأحواز العربية أمر عادي ويمكن تقبله ونسيانه بسهولة مذهلة.. ولم يمنعنا ذلك من نوم ليلنا الطويل بينما ملايين الأمهات العربيات تصرخ.. واه معتصماه (الذي يبدوا بأنه ليس منا أو فينا) منذ أكثر من خمس وستون عاما..
وهناك اليوم من جلس في المصلى المرواني في القدس العربية واقسم على أن يبقى مسرى محمد (صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم) العاصمة الأبدية لحاخامات صهيون.
وهناك من سلخ جلود أطفال سوريا باسم العروبة والقومية والمقاومة والحرية وكل التعابير التي ترتقي لكلمات المعلقات..
وهناك من خطف أطفال اليمن وزجهم في الشوارع وزنّرهم بالقنابل دفاعا عن شيخ مشايخ بني عبس الذي يختزن القات في صدغه قرنا من الزمان.
وهناك من فرط لبنان وجعلها محمية طبيعية خاصة له ولمعمميه يمارس فيها التنظير ومد اللسان..
وهناك وهناك وهناك.. فمن نحن..؟
من نحن الذين نملك هذا الصبر أو هذا القهر أو ربما هذه الوقاحة التي تسمح لنا بالنظر الى وجوه أطفالنا ونحن العاجزين عن الدفاع عنهم كما عجزنا في الدفاع عن حمزة الخطيب و محمد الدرة وإيمان حجو..الى آخر قائمة شهدائنا الأطفال.. وذلك لانشغالنا بمتابعة مباريات برشلونة مثلا ؟.