بعد 14 سنة: من يقود هيئة الأوراق المالية إلى بر الأمان؟
![بعد 14 سنة: من يقود هيئة الأوراق المالية إلى بر الأمان؟ بعد 14 سنة: من يقود هيئة الأوراق المالية إلى بر الأمان؟](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/89961.jpg)
ليست كالعديد من المؤسسات المستقلة التي يبقى الحديث عن تحسن أو تراجع أدائها خاضع لوجهات النظر، إن هيئة الأوراق المالية يمكن بسهولة في العصر الرقمي التعرف على مستوى أدائها وإنجازاتها من خلال مؤشر بورصة عمان الذي ينحدر على مر الأيام وكأن هذا اصبح لدى القائمين على الهيئة أمرا طبيعيا، وحين نرى التراجع الكبير في حجم التداول اليومي وكيف انخفضت الثروة التي كانت تديرها الهيئة بنسبة تزيد عن 50%. كل هذه المؤشرات على تراجع أداء هيئة الأوراق المالية ينبغي أن تكون ناقوس خطر يدفعنا إلى التحرك من أجل حماية سوق المال الأردني قبل فوات الأوان.
فغني عن القول أن عدم وجود رقابة فعّالة وكافية على الشركات المدرجة في سوق عمان المالي هو سبب التراجع الكبير في أداء السوق وضياع حقوق المستثمرين. ولهذا، من أجل تنشيط واستقرار السوق ونمه، ومن أجل تحقيق العدل وتكافؤ الفرص والشفافية؛ لا بد من تفعيل عمل الجهات الرقابية وتبني مجموعة من التشريعات والإجراءات الجديدة. إن أكبر مؤسستين تتحملان هذه المسؤولية هما: دائرة مراقبة الشركات وهيئة الأوراق المالية. بالنسبة لدائرة مراقبة الشركات – وللعلم هي ليست هيئة مستقلة وإنما جزء من وزارة الصناعة والتجارة – تقوم إدارتها الحالية بالعديد من الإصلاحات، وللإمانة - منذ أن المراقب الحالي إدارتها منذ أقل من سنة بدأ المستثمرون يلمسون تحسنا في متابعة الشركات ولم يعد بمقدور إدارات بعض الشركات الاستمرار في إخفاء الجرائم التي ارتكبوها منذ تسلموا إدارتها. كما أن عمل فريق إدارة الشركات في الوقت الحالي يشمل التدقيق والتحقيق في ملفات تعود إلى سنوات عديدة حين كانت بعض الشركات تبيع وتشتري وتتملك شركات تابعة وحليفة دون رقيب أو حسيب. في حين لا يزال دور هيئة الأوراق المالية غائبا أو مغيبا!
منذ عام 2004 - الذي شهد قفزة في السوق المالي الأردني، وهيئة الأوراق المالية تقوم بدورها كمؤسسة تتقدم على بقية المؤسسات التشريعية والرقابية والتنظيمية في المتابعة والإشراف على أنشطة الشركات. من جديد، وفي هذا الوقت بالذات.. حين بدأت تظهر شركات منهوبة، وآجلا أم عاجلا سيظهر المزيد منها إن بقي الحال في هيئة الأوراق المالية كما هو.. ولا محالة أنه سيؤدي إلى إحالة الكثير من الشركات إلى التصفية. في مثل هذه الظروف من الطبيعي أن ينتظر المستثمرون المزيد من هيئة الأوراق المالية.. وعلى العكس من ذلك - نجد أن دور الهيئة أخذ بالتراجع.
علاوة على أن تأثير تراجع أو غياب الرقابة على الشركات سيضر بالاقتصاد الوطني بشكل عام، فإن ذلك سيجعل أكبر الخاسرين هم صغار المستثمرين، وهذا يعني تراجع حجم الطبقة الوسطى الأمر الذي يؤدي إلى اتساع الفجوة بين الطبقات في المجتمع وبالتالي تتفاقم المشاكل الاجتماعية. لا شك أن صغار المستثمرين يملكون الحصة الأكبر في معظم الشركات ولكنهم لا يستطيعون التأثير في القرار؛ فينبغي العمل على توفير الحماية لمدخراتهم ومنع فقدانهم الثقة في السوق. لقد فشلت هيئة الأوراق المالي في حماية صغار المستثمرين من الاستغلال والكذب والغش والتضليل وعدم الشفافية، وليس أدل على ذلك أنك تجد عشرات الشركات التي طالما أفصحت على مدى سنوات في تقاريرها: نحن نبيع ونشتري ونملك ونربح وسنربح، ثم نكتشف أن الشركة تكبدت خسائر جسيمة أو على وشك الافلاس. شبهات الفساد الكبيرة والعديد من الممارسات السلبية الواضحة والمسجلة في التقارير المالية المرحلية والسنوية للشركات على مدى سنوات تركت حتى تفاقمت بسبب عدم قيام هيئة الأوراق المالية بتطبيق القوانين النافذة على الشركات؛ وبالتالي خسر صغار المستثمرين مدخراتهم وثقتهم بالسوق.
المشهد المتكرر في سلوك هيئة الأوراق المالية والذي لا يحتاج إلى خبير مالي للكشف عن أسبابه حين نرى أن هيئة الأوراق المالية أصبحت في السنوات الأخيرة تتهرب من مسؤولياتها وغير قادرة على اتخاذ أي قرار أو إجراء ضد أي شركة يحمي المستثمرين ويخلق بيئة استثمارية آمنة في هذا الوطن: القليل في مصادره الغني بأبنائه ذوي الخبرات والكفاءات العالية. فلا تحس بوجود الهيئة إلا عندما يتطلب الأمر قرارات سطحية تكون في كثير من الأحوال ضررها أكثر من نفعها.. وتبرر ذلك بأن ظروف الأزمة المالية العالمية تتطلب المرونة؛ بل هي محاولة للتنصل من المسؤولية في محاسبة بعض إدارات الشركات التي عاشت أزمة ضمير وتغولت في أموال المستثمرين تحت غطاء الأزمة المالية العالمية.
حين يتعلق الأمر بأموال صغار المستثمرين، وحين يتقدمون بشكاوي ومراجعات متكررة للهيئة، تجد أن دور الهيئة أصبح إعطاء حقن تخديرية وتضييع الوقت على المستثمرين نيابة عن إدارات بعض الشركات؛ أما حين يصدر قرار من الحكومة بإعادة هيكلة الرواتب، ففي أقل من 24 ساعة تنظم هيئة الأوراق المالية اعتصاما للتظلم وليتحدثوا عن دورهم الخطير في خدمة الاقتصاد الوطني. ويخرج علينا أحد موظفي الهيئة ليصرح أن المستثمر هو المسؤول عن متابعة الشركات والتدقيق في مخالفاتها ومحاسبتها ومتابعتها قضائيا، فماذا بقي للهيئة من هيبة وسلطة؟ بل وما هو دورها إذن؟ لطالما تقدم المستثمرون بشكاوي ضد إدارات بعض الشركات. وحين يراجع المستثمرون الهيئة بعد مدة بخصوص شكواهم يقول لهم الموظف المسؤول: "ليس من صلاحية الهيئة التدقيق على الشركات المساهمة العامة". وهذا إنما يعكس تدني وعي بعض موظفي الهيئة لمسؤولياتهم ومؤشر على الترهل الإداري الذي تعيشه الهيئة. الهيئة التي تضع اليوم اللوم على المستثمرين لعدم متابعتهم أخبار الشركات، تتناسى حين يحلو لها، بأن – مثلا - إحدى الشركات (وهي شركة الفارس الوطنية) التي استثمر فيها المواطن الأردني بعد أن رأى عشرات الأخبار في الصحف الرسمية حول خطط هذه الشركة ونظرتها المستقبلية، وخرج بعضهم على التلفزيون الأردني ليتحدث عن مشاريعها، وتحدثوا في منتدى الاقتصاد العالمي في البحر الميت، فاشترت مؤسسة الضمان الاجتماعي حصة فيها وكذلك فعل البنك العربي.. فهل كان قرار المستثمر في ذلك الوقت مبني على التخمين أم بناء على أخبار تنشر في صحف رسمية والتي يفرض القانون على هيئة الأوراق المالية متابعة هذه الأخبار؟
الأزمة التي يعيشها سوق المالي الأردني لا يمكن حلها إلا بقيام الحكومة بإجراءات سريعة وجريئة، منها:
1. تعديل التشريعات التي تنظم عمل السوق لأنها بلا شك تم صياغتها من وجهة نظر أحادية ولم تكن حيادية! فحقيقة أن كبار المستثمرين هم من يملكون الحصة الأقل في السوق، بينما صغار المستثمرين هم من يملكون الحصة الأكبر في السوق؛ لم يتم استيعابها جيدا في التشريعات الأمر الذي ساعد إدارات الشركات على التغول في أموال صغار المستثمرين.
2. عدم كفاية التشريعات وعدم تطبيق الموجود منها فيما يتعلق بالفصل بين الإدارة والملكية، وهذا ما جعل فئة قليلة تتحكم بإدارات الشركات وتعبث بموجودات الشركة، مع تغييب شبه تام لصغار المستثمرين الذين يمكون الحصة الأكبر في الشركة. نريد تشريعات ترتقي إلى مستوى تضمن حقوق الجميع بحيادية، فهل من العدل أن تقع الآثار السلبية لتراجع شركة ما على كل من صغار المستثمرين والمتسببين بنفس الدرجة؟ المتسببين كانوا مطلعين ولهم الدور الأساس – بقصد أو غير قصد – بالخسائر، بينما صغار المستثمرين كانوا مغيبين عن كثير من التفاصيل اليومية لنشاط الشركة. وإذا كان الحديث عن الآثار الإيجابية – فحدث ولا حرج - انظر إلى رواتب ومكافئات وامتيازات إدارات بعض الشركات التي نتمنى أن تتمكن هذه الإدارات من تحقيق أرباح تكفي لتغطية رواتبهم على الأقل! وقد يعترض أحدهم بأن هذه مسؤولية دائرة مراقبة الشركات، ولكن يبقى دور هيئة الأوراق المالية هو الأهم في مراقبة ومنع هروب كبار المالكين المطلعين من الشركة ورمي أسهمهم على صغار المساهمين.
3. تفعيل تطبيق التشريعات النافذة حيث أن كثير من هذه التشريعات يغيَّب عندما يستلزم تطبيقها، وتقوم الهيئة بالتنصل منها.. وكأن القانون يطبق وفقا لمزاجية شخص معين، لدرجة أنه قد ورد على لسان أحد مدراء الهيئة – وما أكثرهم - أنه حين سئل لماذا لم تقم الهيئة بتطبيق القانون الذي يعطيها الصلاحيات كان الرد بأن الهيئة تتعامل مع المستثمرين كما يتعامل الأب مع أبناءه، فليس من الضرورة أن يفهم الإبن دائما لماذا قسى عليه أبوه.. نعم، بهذا النمط من التفكير نتعامل مع المواطنين، فانتقلنا من تطبيق القانون تطبيق مغالطات سطحية، وتحولنا من هيئة مستقلة إلى مركز للإمومة والطفولة!
4. إزالة التشوهات داخل هيئة الأوراق المالية التي كرسها النمط الإداري المعشعش فيها منذ أكثر من عشر سنوات بحيث نشأ في الهيئة جيل غير قادر على استيعاب مفهوم الوظيفة العامة وأن العدالة هي أسمى قيمة ينبغي على كل إنسان إشاعتها بين البشر، ناهيك عن مسؤول بين مرؤوسيه. فحين يتعامل المسؤول مع المؤسسة التي يتولى قيادتها على أنها مؤسسته الخاصة فإنه يقوم بتمرير وجهات نظر مبنية على الوهم الذي أوصل سوق عمان المالي إلى الحال المريض الذي يعيشه الآن.. في عالم المال والمحاسبة لا يتم تجديد عقد عمل مسؤول مالي أو مدقق حسابات لأكثر من مدة زمنية قد تصل في أحسن الأحوال إلى أربع سنوات! فكيف يبقى رئيس هيئة الأوراق المالية الحالي في موقعة لمدة تصل 14 سنة؟! لا بد من البحث عن نمط إداري حديث يتناسب مع حجم التحديات ومتغيرات المرحلة المقبلة سواء على المستوى الخليجي أو ملف الدولة الفلسطينية المرتقبة.
5. البحث عن آليات تحقق استدامة السوق المالي ونموه قبل فوات الأوان. إن الملايين التي حصّلتها الهيئة ورفدتها إلى خزينة الدولة هي نتاج قيام المستثمرين بإيداع أموالهم في سوق عمان المالي والمتاجرة بها، وليس بسبب الوهم الذي جعل بعض موظفي هيئة الأوراق المالية يعتقدون أنه بجهودهم وبمشاريع استثمارية أبدعتها الهيئة تم تغذية خزينة الدولة بهذه الأموال. وبهذا الفهم، فإن ما قامت به الهيئة هو عملية جباية تحتاج أعمال إدارية ومحاسبية وبرمجيات جاهزة للمستخدم.. ولأنها لم تأخذ بشكل كاف الجوانب الفنية التي تضمن استدامة السوق ونموه.. حدث هذا التراجع الكبير في سوق المال الأردني. فلا بد من البحث عن سبل لتعزيز ثقة المستثمرين في السوق على أسس حقيقية وسليمة، ولن يتحقق ذلك بالنمط الإداري الحالي لأنه لم يثبت جدواه خلال السنوات الماضية وفي الكثير من المواقف.
6. إعادة النظر في المواقع الوظيفية في الهيئة والبحث عن الأسس والإجراءات التي تمت عند تعيين موظفي الهيئة، بحيث لا يبقى في الهيئة إلا من ثبتت جدارته وكافاءته وأهليته للعمل في الهيئة كمؤسسة وطنية تعتبر واجهة الاستثمار الأردني أمام العالم.
7. عدم وجود جهة تدقق على أعمال هيئة الأوراق المالية منذ تأسيسها ساهم في سرقة الولاة العامة من السلطة المناطة بالحكومة دستوريا. ولهذا، أصبح خضوع هيئة الأوراق المالية لإشراف ديوان المحاسبة أو الرقابة والتفتيش أمرا حتميا.
إن قرار إعادة هيكلة الرواتب في المؤسسات المستقلة خطوة جريئة على طريق التصحيح، وسيسجل إنجازا لحكومة البخيت، ولكن لا بد أن يرافق هذا القرار المزيد من الإجراءات التي تقلل من الترهل الإداري في هذه المؤسسات.