إعادة هيكلة الوظائـــف لا تكفي
إعـــادة هيكلة الوظائـــف الحكومية لا تكفي ولا تستحق الحكومة عليها زغرودة رغم حسنات هذه الخطوة وأهدافها الرامية الى تحقيق الموازنة والعدالة بين سائر الموظفين وتحسين أوضاع فئة ظلت محرومة من الأمتيازات والحظوات والنعم.
ذلك أن الشعب الذي علا ضجيجه واحتجاجه على الفساد في كل الميادين لم يكن قاصرا بطموحه وأحلامه على مجرد هيكلة الوظائف التي كانت مهيكلة على احسن صورة بعصر وصفي التل الذي اشتهر بوزاراته التنظيفية وايامه المفتوحة لكل الناس ثم غاب عهده وغابت معه هذه القيم والمعاني في كثير من المواقع.
إن الإصلاح الحقيقي الذي ينشده الشعب ويساعد على الإستقرار والأمن والأمان هو الإصلاح الذي يطال الطبقة المهيكلة التي فرضت نفسها على الجميع وإبتدعت هذه الفوارق والمزايا والمفاسد المجحفة لأجل تمييز ربعها و خاصتها وتسخير الإمكانيات الحكومية لصالحها دون أدنى إعتبار للواقع المفيد بأن نصف المجتمع قد بنيت حياته على أساس الإنتفاع من الوظيفة الحكومية نتيجة سوء التخطيط المزمن لفرص العمل وطبيعة تداول الثروات والإقتصاد على نحو أدى الى تمكين فئة محدودة من النصف الآخر في الإستحواذ على الإقتصاد الوطني واحتكاره بشكل غدت معه تتحكم باسعار السكر والشاي والأرز والماء والملابس...الخ وعلى نحو لايسمح لأي متطفل في مشاركتها غنائم هذا الإحتكار الجائر.
هذه الطبقة بشكليها المبغوضين حققت مصاهرة فيما بينها بعد أن جعلت لنفسها ولاية عامة على الجميع رغم انها كانت ولا تزال محدودة للغاية ولا تشكل رقماً أو نسبةً من نسب تعداد السكان لأنها لا تتجاوز بعض الأسر التي تغوّل أحد أشكالها على الوظائف العليا لأكثر من نصف قرن وجعلتها حكرا محكورا على أبنائها وبناتها وأزواجهم وأصهارهم بينما تغول الشكل الآخر على الإقتصاد ، وصنعت بمصاهرتها هذه سدا منيعا و سورا وسوارا محكما أحاط بالسلطة والثروة وحجب الشعب كله خلفها بالظلمة.
بعض الأسر الصغيرة في الأردن قد تجد منها رئيس حكومة سابق وعدد غفير من التابعين وتابع التابعين كالوزراء والأعيان والامناء العامين والسفراء والحكام الإداريين والقادة ومدراء الدوائر بكل الوزارات والأجهزة والهيئات ، لابل امتدت يدها لإدارة بعض البنوك والشركات الكبرى والمصانع وشكلت وحدة واحدة وتزاوجا مع أرباب الأسواق والسماسرة والباعة ولم تبق بأيدي الشعب بمختلف قبائله وأصنافه وأطيافه سوى زراعة الشعير وحلب الماعز .
وهكذا تمكنت فئة محدودة من التغلغل في كل المواقع وصنعت لنفسها طبقة تلو طبقة ترث بعضها بعضا ضمن حلقات متصلة وعلى سلم واحد بدرجات متفاوتة بشكل لايمكن الخلاص من نفوذها واستحواذها على الوظائف العامة والإقتصاد وكأن البلاد غدت حقلاً ومرتعاً أو إقطاعية يتوارثها هؤلاء الأسياد المزيفون جيلاً بعد جيل .
فهل يمكن إزاحة هؤلاء المهيكلين عن كاهل الامة وإتاحة الفرصة لباقي الناس لإحتلال مقاعدهم ولو لحظة من أجل حفظ ماء الوجه واستقرار البلاد والعباد على أمر معقول ؟.
إن ما يدعو للقهر والإستفزاز أن هذه الطبقة المترفة التي نزل حظها من السماء بشكل مكنها من تحقيق علو فائق على سائر الناس رغم انها كانت في الدرك الأسفل ، قد طال رتعها بالحقوق وصنعت بأيديها كل المفاسد حتى أوصلت البلاد لحالة من الخطر والضرر لاسابقة لها دونما أمل بوقفها عند حدها ، ومع ذلك ورغم كل مكاسبها توارت عن الأنظار وقت الأزمة وانقطعت تصريحاتها ومؤتمراتها ولاذت بالصمت عندما علت الأصوات في الشوارع للمطالبة بإسقاط النظام فأين كانت ؟.
ألم يكن حريا بها أن تدافع عن مصادر ثرائها واغتنائها من بعد جوع وفاقة . أم أنها شبعت بما كسبت وعافت وتعجرفت على الجميع ولم تعد ترى احدا بعينها ؟
أين كانت هذه الطبقة عندما حمل المغلوبين على أمرهم هرواتهم للدفاع عن أمن البلاد و استقرار نظام الحكم رغم حرمانهم من كل المكاسب ؟.