القدس.. بين فتنتين صغرى وكبرى
(1)
الفتنة الصغرى.
هذه فتنة صغرى يدير الملك ملفها بحكمة فيها من القانون وسيادته الكثير، وفيها من الأبوية وأخلاق الهاشميين الكثير أيضا.
الملك يرسخ نهجا هاشميا سبق وأن رأيناه في سياسة الملك الحسين ولمن لم يعش أو يتذكر تلك السنوات أو قرأ عنها وقد قلنا دائما أن مثل هذه الوقائع ستحتاج لأن تروى وأن توثق في التاريخ الأردني المعاصر. وقد كان الحسين عفا غير مرة، حتى قيل أن النظام الهاشمي الذي عانَى من سفك الدم في العراق عبر التاريخ وغيرها من المواقع لم يقتص للدم بالدم بل كان العفو سيد الموقف.
لم يتجاهل الملك سيادة القانون التي لطالما دعا إلى تكريسها، وإن كان العفو حق من حقوقه الدستورية فهو لا شك يريد للقانون أن يأخذ مجراه ليعرف الرأي العام حقائق ما جرى، ويعرف لماذا يصف الملك نفسه مجريات الأحداث بالمؤلمة.
الإفراج عن غالبية المتهمين لا يعني إقفال القضية وإلغاء سيادة القانون كما سارع كثيرون إلى تفسير النطق السامي، فالملك كان واضحا في التزامه بالآليات القانونية.
لكن سيادة القانون لا تلغي التَّسامح، ولا تعني إغلاق الباب دون التراحم والعفو وهي الشيم التي قامت عليها مجتمعاتنا العربية منذ عصور وهي من صلب الدين ويقال "العفو عند المقدرة".. "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ".
العفو حق للملك وسيادة القانون من واجباته.. هذه هي كل الحكاية.
(2).
الفتنة الكبرى.
هي القدس وليس غيرها فمنذ سقوطها عام 67 لم يحمل أثقالها كما حملها ولا زال أبناء شعبها والأردن معه شعبا وملوكا, وهي فتنة هذا الزمان وكم من القصص والحكايا تروي عنها وعن دورها ومركزيتها في آخر الزمان وقد كانت كذلك منذ أول الزمان والحق المسلوب فيها يغادر أصحابه حينا ويعود إليهم حينا وهي في كر وفر.
ماذا عن الأردن وأين هو من هذه الفتنة، سيظل الأردن المرابط تحت الضغط وهدفا للمؤامرات وللفتن، بل إنه الجدار الذي سيقاومها وهو أيضا الجدار الذي ستنهكه معاركها، لأنه ظهير القدس وحامي قضيتها وحامل أثقالها بيد وشعبها باليد الأخرى.
الشمس لا تغطى بغربال، هناك مؤامرات تسير في اتجاهين الأول تهويد القدس وهو من ناحية إسرائيل، أما الثاني فهو شطبها كمدينة مقدسة وهو ما يتم على أيدي بعض السفهاء.
القدس فصلت بين الخيط الأسود والأبيض وكما هو دورها في التاريخ فها هي تسقط مرة جديدة الأقنعة، فالقدس ليست خارج مسرح الأحداث فهي في صلبها ووراء كل حدث فيها.