تعيين رئيسة للحكومة لأول مرة في تونس .. مكسب جديد للمرأة أم فرصة مهدورة؟
المدينة نيوز :- مرت نحو 3 أشهر على تعيين رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن، وهو تعيين جاء بعد فترة من إعلان الرئيس قيس سعيد، يوم 25 شهر تموز الماضي عن جملة من الإجراءات الاستثنائية.
وكان من أبرز هذه الإجراءات، تعليق أعمال البرلمان، وإيقاف العمل ببعض أحكام الدستور، وإقالة رئيس الحكومة؛ وذلك بهدف الخروج من الأزمة السياسية الخانقة التي تردت فيها البلاد، وفق ما جاء في الكلمة التي توجه بها في ذلك اليوم إلى الشعب التونسي.
هذا التعيين، استأثر بالأخبار العاجلة لنشرات الأخبار الوطنية والإقليمية والدولية، واحتل الصفحات الأولى للصحف في المنطقة، باعتباره سابقة لا في تونس فقط ولكن في العالم العربي، كما لاقى ترحيبا خاصا من قبل العديد من المنظمات والأحزاب، وأساسا من الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد الوطني للمرأة التونسية.
في المقابل، تحفّظ المعارضون لقرارات 25 من شهر تموز على هذا التعيين، ورأوا فيه مناورة من الرئيس سعيد تهدف إلى إحكام قبضته على السلطة التتفيذية، معتبرين أن تعيين امرأة على رأس السلطة التنفيذية في هذا الظرف الاستثنائي هو بمثابة الهدية المفخخة للمرأة التونسية، إذ أن رئيسة الحكومة المعينة لن تتمتع بكامل الصلاحيات التي تمكنها من القيام بمهمتها على أكمل وجه، وستكتفي، على الأرجح، بتنفيذ برنامج الرئيس.
ولاشك أن وجود امرأة على رأس الحكومة في هذه الظرفية الاستثنائية التي يسود فيها العمل بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية يضع على عاتق نجلاء بودن مسؤولية جسيمة في إثبات مدى جدارة المرأة بتولي المناصب القيادية العليا في البلاد، وهي مدعوة إلى أن تقود باقتدار حكومة تضم من بين أعضائها 9 وزيرات يتقلدنّ حقائب هامة من بينها المالية والصناعة والتجارة، من ضمن تشكيل حكومي يضم 25 وزيرا.
ويبدو أن مهمة رئيسة الحكومة لن تكون سهلة، خصوصا وأن رئيس الدولة استبق تعيينها بإسناد أغلب مشمولات رئيس الحكومة المنصوص عليها في دستور 2014 لفائدته، إذ قرر، بمقتضى المرسوم 117 المؤرخ في 22 من شهر أيلول الماضي، ممارسة السلطة التشريعية عبر مراسيم يصدرها في الغرض، ولا يبقى لرئيسة الحكومة سوى تنسيق العمل الحكومي، وتنفيذ البرامج التي يسطرها رئيس الجمهورية.
وبعد مرور نحو 90 يوما من عملها على رأس الحكومة، لم تتخذ نجلاء بودن أي قرار من شأنه تعزيز مكانة النساء التونسيات في الشأن العام، وتكريس مبادىء التناصف والمساواة بصفة فعلية، بل على العكس من ذلك، فقد أصدرت، يوم 18 كانون الأوَّل 2021 منشورا يتعلق بالتعيينات في الوظائف العليا المدنية تخلت فيه عن شرط اعتماد مبدأ المساواة بين الجنسين ومراعاة مقاربة النوع الاجتماعي في الترشيح للمناصب العليا.
وفي تقرير تضمّن تقييما لعمل الحكومة برئاسة نجلاء بودن في الفترة المتراوحة بين 11 من شهر تشرين الأول الماضي، وهو تاريخ تسميتها في هذه المهمة، و 12 من شهر كانون الأول الحالي، أصدرته مؤخرا الجمعية النسوية الناشطة في المجتمع المدني" أصوات نساء"، وصفت آداء رئيسة الحكومة ب"الضعيف"، خصوصا في ما يتعلق بالحدّ من الفجوة بين الجنسين.
واعتبرت "أصوات نساء" في تقريرها بأنه يمكن الحديث عن فرص مهدورة لوضع سياسات من شأنها النهوض بوضعية النساء والرجال وكافة فئات المجتمع، إذ لم تقم رئيسة الحكومة بأي مبادرة إصلاحية قانونية، تجاه دعم المساواة، بل على العكس من ذلك، فقد أصدرت المنشور عدد 18 لسنة 2021 الذي قام بإلغاء وجوبية اعتماد مقاربة النوع الاجتماعي في التعيينات في الوظائف العليا التي كانت معتمدة سابقا من قبل الوزراء وكتاب الدولة.
أما على المستوى الاتصالي، فقد أصدرت بودن، التي غابت تماما عن الحوارات الصحفية والنقاط الإعلامية منذ تعيينها، منشورا يوجب على الوزراء استشارة رئاسة الحكومة قبل القيام بأي لقاء صحفي، وهو ما اعتبرته "أصوات نساء"، توجها يرمي إلى تعطيل تطبيق مبادئ الشفافية والمساءلة.
وفي تعقيبها على مخرجات هذا التقرير، أكّدت أستاذة القانون العام، جنان الإمام، على الهوة القائمة بين الخطاب السياسي والنصوص القانونية من جهة، وبين الممارسة في الواقع من جهة أخرى، معتبرة أن وجود امرأة على رأس الحكومة في هذه الظرفية الاستثنائية والتنظيم المؤقت للسلط العمومية يرفع من سقف الانتظارات، خصوصا في ما يتعلق بترسيخ القيادة النسائية في مواقع القرار العليا.
وقالت أستاذة القانون إن ضعف منسوب الوعي بقضايا المساواة بين الجنسين والالتزام بها، والتراخي في التصدي لكل أشكال التمييز ضد المرأة، قد يطرح، أكثر من سؤال حول مسألة مدى حفاظ تونس على التزاماتها بالتشريعات والاتفاقيات المبرمة في مجال تعزيز المساواة بين الجنسين ومكافحة كل أشكال التمييز ضد المراة.
وحذرت الإمام من أن تكون التدابير الاستثنائية والتنظيم المؤقت للسّلط ذريعة للتنصل والتنكر لمثل هذه الالتزامات والمواثيق، وللتضحية بحقوق النساء، واعتبار كل المسائل المتعلقة بحقوقهنّ واستحقاقات مسألة النوع الاجتماعي مسائل ثانوية مقارنة بالاستحقاقات السياسية.
وتابعت قائلة، في هذا الصدد: "الخوف كل الخوف أن تتم التضحية بقضايا المرأة والتشريعات المتعلقة بجميع الحقوق والاتفاقيات الدولية، والتراجع عن بعض الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها تونس على غرار اتفاقية اسطنبول لمناهضة العنف ضد المرأة، واتفاقية منظمة العمل الدولية المتعلقة بالنساء العاملات".
وخلصت أستاذة القانون إلى أن إصدار منشور 18 من شهر كانون الأول الحالي المتعلق بالتعيينات في الوظائف العليا المدنية والذي حذفت منه الفقرة التي تنص على ضرورة احترام مقاربة النوع الاجتماعي في الترشيح لهذه المناصب، دليل على أن مسألة مراعاة النوع الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين الجنسين لم تعد ضمن الأولويات.
من جانبها، عبرت الناشطة النسوية، وعضو الهيئة المديرة لجمعية النساء الديمقراطيات، حليمة الجويني، عن مخاوف من التراجع في عدد من المكاسب التي تحققت لفائدة المرأة، مشيرة إلى أن هذه المخاوف تعززت بعد إغلاق بعض مراكز إيواء النساء ضحايا العنف، وضعف تعاطي وزارة شؤون الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، مع الملفات الحارقة في علاقة بملف العاملات في القطاع الفلاحي والمعطلات عن العمل.
وأكدت حليمة الجويني أنه بقدر مساندة جمعية النساء الديمقراطيات لتولي المرأة المناصب القيادية في الدولة، بقدر تأكيدها على ضرورة أن تكون هذه الاخيرة مؤمنة بقضايا النساء وتستبطن الدفاع عنهنّ من أجل تدعيم مكاسبهنّ.
وقالت الجويني، إن الحكومة الحالية لم تتفاعل إلى حدّ الآن مع مطالب الحركة النسوية، ولم تفعّل مختلف الإجراءات المتعلقة بتنفيذ القانون عدد 58 المتعلق بمناهضة العنف ضد المرأة، ولم تفتح حوارا جادا حول القضايا الحقيقية للمرأة.
في الأثناء، وبعيدا عن رفاهية الحديث في مسائل النوع الاجتماعي والمساواة بين الجنسين، لا يزال طيف هام من نساء تونس يعانن من أوضاع صعبة ومشاكل متعددة الأبعاد، فاقمتها الأزمة الصحية جرّاء انتشار وباء كورونا، وهو ما يفرض على حكومة ترأسها امرأة الانكباب على هذه الملفات الحقيقية والحارقة وإيجاد الحلول العاجلة لها.
--(بترا)