الأستاذ الجامعي ودوره التشاركي في التنمية المستدامة
تزخر الجامعات الأردنية منذ نشأتها بالقامات العلمية المتخصصة في مختلف المجالات العلمية والإنسانية والإجتماعية، والذين حملوا على عاتقهم المسوؤلية العلمية والمعرفية الرامية إلى تحقيق نقلة نوعية في بناء المجتمع بكافة مكوناته ، بإعتبارهم المفتاح الحقيقي للمعرفة ومصدر للتنوير المعرفي ، ناهيك عن ما يتمتعون به من فكرٍ واسع ورؤى ثاقبة وبدرجة خاصة في تشخيص وتحليل وتفسير الظواهر والقضايا ذات المساس بالمجتمع وفي مختلف المجالات إنطلاقاً من فكرهم الرصين بالمعرفة وقدرتهم على وضع الحلول المثلى القابلة للتبني والتطبيق كمساهمة تقوم على التشاركية في علاج العديد من القضايا المجتمعية نحو تحقيق ما يسمى بالتنمية المستدامة.
لقد أدركت إدارة الجامعات حقيقة دور الأستاذ الجامعي بإن لا يكون فقط مقصوراً على العملية التعليمية في إطار القاعة الصفية والبحث العلمي وما شابه من أساسيات وظيفة الأستاذ الجامعي بل أن يكون له دوراً أخر نحو الخدمة العامة وفي مختلف الميادين وكما يقال "أين ما وقع نفع" كمفكراً وصانعاً للمعرفة والعقول وقادراً على الطرح لأفكاره وقادراً على التفاعل والحوار البناء وتقديم الاستشارات والرأي السديد لأفراد ومؤسسات المجتمع المحلي وما له من إنعكاسات إيجابية منبثقة من دور ومكانة الأستاذ الجامعي من جهة والجامعات ودورها الرياي الفاعل في بناء المجتمع المحلي.
إن عطاء الأستاذ الجامعي الفكري والعلمي والمعرفي والبحثي الواسع بمضامينه والمشهود له قد أصبح من أهم المرجعيات الإستشارية في حياة المجتمعات وتطورها، وهذا ما نراها أو نسمع عنه في جميع أنحاء العالم والمؤمنة بإن الأستاذ الجامعي ليس فقط لغايات التعليم في القاعات الصفية وإنما هو في حقيقة الأمر يجب الاستفادة من فكره المعرفي ومساهماته الاستشارية وأن يكون حاضراً في جميع الميادين لخدمة المجتمع، وفي الغالب وكما نلحظ نجد حضور الأستاذ الجامعي من خلال مراكز الدراسات الإستراتيجية والدراسات الإستشارية، ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، والبرامج التلفزيونية متنوعة الأغراض ، والزيارات الميدانية لمؤسسات المجتمع المحلي، والمشاركة بالمشاريع التنموية كجهة إستشارية، والمشاركة بعضوية مجالس الحاكمية كإستشاري، والمشاركة في المحافل الرسمية والأهلية، وحضور اللقاءات الحوارية ذات الصلة بقضايا وهموم المجتمع المحلي لتفعيل دوره الهام في تحقيق التشاركية في صناعة الرأي الرشيد نحو تلك القضايا المطروحة بغرض طرح العلاج والحلول المثلى لها.
وقد لاحظنا في العقود الماضية فقد بادرت الجامعات الأردنية بتوجيه أساتذتها نحو المجتمع والخدمة العامة إسهاماً منها لدورها الريادي المجتمعي، مع حرصها على فتح أبوابها أمام أفراد ومؤسسات المجتمع المحلي ولمختلف القطاعات حرصاً منها على تعزيز مبدأ التشاركية المجتمعية الرامية إلى تحقيق التفاعل المشترك لمجمل قضايا المجتمع المحلي بالإعتماد وبشكلٍ رئيس على الأستاذ الجامعي بإعتباره الجهة التنفيذية للبرامج والمساهمات المشتركة، وبنفس الوقت لتتمكن الجامعات من ترجمة دورها ومسؤوليتها المجتمعية تجاه المجتمع لتكون النواة الحقيقية نحو تحقيق التنمية المستدامة. ولكننا نجد في حقيقة الأمر بإن دور الأستاذ الجامعي ما زال في الغالب مجسداً في العملية التعليمية، إذ نجد بما لا يزيد نسبته عن10بالمئة من إجمالي عدد أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات ممن هم فاعلين في برامج ومشاريع مجتمعية، وهذه النسبة بتقديرنا متواضعة جداً وبالتالي ستبقى الصورة النمطية لدور الأستاذ الجامعي والجامعات وبُعدهما عن دورهما الجوهري في تحقيق التنمية المستدامة، وبالمقابل أيضاً نجد هناك إبتعاد واضح لمؤسسات المجتمع المحلي وعدم رغبتها بالتشاركية مع الجامعات للأستفادة من مؤهلات ومعارف وخبرات الأستاذ الجامعي التراكمية.
وبإعتقادنا نرى بإن هناك حاجة ماسة لتعزيز وتفعيل دور الأستاذ الجامعي التشاركي في التنمية المستدامة مما يتطلب من الجامعات أن تكون المبادر في متابعة قضايا المجتمع المحلي والعمل على رصدها، والتنسيق المشترك مع الجهات ذات العلاقة الرسمية والأهلية لتفعيل برامج التشاركية الرامية لتحقيق التنمية المستدامة، وإستحداث وحدة متخصصة بالتنمية المستدامة في الجامعات ضمن فريق متخصص بهذا الشأن، وتخصيص ميزانية تقديرية لدعم وحل قضايا المجتمع المحلي كمساهمة من الجامعات، والبحث عن مصادر للتمويل بهدف توسيع نطاق التشاركية مع القطاع العام والخاص، وتوفير الدعم اللوجيتسي للأساتذة في الجامعات، والإهتمام بالأساتذة الرياديين والمهتمين في برامج التنمية المستدامة، وتحفيز الأساتذة على المشاركة بالانخراط في مشاريع وبرامج التنمية المستدامة، وتفعيل دور الطلبة وإشراكهم في البرامج التنموية والمجتمعية لأظهار الصورة الريادية والمتميزة للجامعات وأساتذتها وإبراز دورهما الحقيقي نحو التنمية المستدامة.