اقلبوا الهرم
ربما يكون الأردن من أنجح دول العالم في تأسيس المشاريع، فالسائد في «بلاد برّه» أن المشروع يُولَد صغيراً، ثم يكبر، يبدأ متواضعاً ثم يتطور سنة بعد أخرى، ويتجه صعوداً نحو القمة، إلا الأردن، يبدأ المشروع في الغالب من القمة، ثم يبدأ رحلة الهبوط، وهذا ينطبق على الخاص كما العام، والأمثلة كثيرة لن أذكر منها إلا نزراً يسيراً.
جامعة اليرموك أحد أبرز الأمثلة، فقد كان مقرراً، أن تكون واحدة من أفضل جامعات الشرق الأوسط، ولو نجحت الدولة في تحقيق هذا الهدف، لكانت «اليرموك» قاطرة التعليم لكل الجامعات الأردنية، الحكومية والخاصة التي تم إنشاؤها فيما بعد، ولتضاعف عدد الدارسين في الجامعات الأردنية من خارج الوطن.
مهرجان جرش كان يوم تأسيسه، أهم مهرجان في العالم العربي، انطلق كالنسر منذ سنته الأولى، استضاف في عام واحدة، فرقة الأكروبات الصينية، وفرقة رضا للفنون الشعبية المصرية، والفرقة القومية التونسية، والقومية الجزائرية، وفيروز، والبردوني، ودرويش، وغيرهم كثير، وكان شارع الأعمدة في جرش الأثرية، يعج بالفرق الشعبية والمشغولات والحرف التراثية الأردنية، فيما تصول فرقة موسيقات القوات المسلحة الأردنية وتجول ذهاباً وإياباً بين معبد زيوس، وساحة الأعمدة، وصولاً إلى مدرج ارتيمس شمالاً.
المركز الثقافي الملكي استضاف عام 1987 أحد أهم مؤتمرات القمة العربية. كان شعلة نشاط، ويعج يومياً بالموسيقى والأسرار والأسماء، انظروا إليه اليوم، وعدّوا على أصابعكم عدد الأشخاص الذين يحضرون ندوة ثقافية في أبرز قاعاته على هامش فعاليات «جرش»، المهرجان الذي كان عندما تضاء شعلته عند افتتاحه في اليوم الأول، تراها متقدة ملتهبة مضيئة على كل الشاشات العربية والأجنبية، كأنها انطلاقة «الأولمبيك»، أو كأنك على رأس قمة الأكروبول في أثينا القديمة أيام أفلاطون وأفروديت.
دعوا عنكم العام، واذهبوا إلى الشوارع والحدائق، وقارنوا بين جمالها في الثمانينات وبهاء إطلالاتها، وحالها الآن. إذهبوا إلى الخاص البسيط، مطعم حمص وفول وفلافل، يجتذب عند افتتاحه المئات من الناس، نظافة، وترتيب، ولقمة طيبة، ولطف معاملة، حاول أن تزور نفس المطعم بعد عام على تأسيسه، وقارن بين صورتين.
لعلنا نراقب مشهد الباص سريع التردد، لا أقصد أن نراقب سرعة تردده، ولكن نظافته على الأقل، وعدد الحوادث التي يتسببها، ومواعيد وصوله، وقس على ذلك المناطق التنموية، والملكية الأردنية التي تشتكي على متن إحدى طائراتها مسافرة، من أن قطعة البيتزا ليست طيبة، فيجيبها المضيف: «ما أنا عارف، بس ما في «أوبشنز»، عبارة سمعتها بأذني. أنظر إلى مؤسسات الصحة والتعليم، كيف كانت وكيف آلت، وغير ذلك.
وبعد تفكير طويل في هذه الحالة الصعبة، خطرت ببالي فكرة، يمكن أن تسهم في حل هذه الإشكالية، بحيث نضمن التطور نحو القمة، وعدم الترهل، الفكرة تتلخص في قلب شكل الهرم نفسه، فتصبح القاعدة في الأعلى، والقمة في القاع، وهكذا نبدأ من الأعلى كعادتنا، ثم ننحدر نحو القمة، وفي كل الحالات، علينا استبعاد زمرة مطبلين وورّاقين، ينبرون للدفاع عن الغلط، ومهاجمة أي ناقد بنّاء غيور على الوطن، بنزع ثوب الولاء والانتماء عن جسده، لأن مثل هؤلاء لا يصح فيهم، إلا الغلط !
الدستور