في استقبال رمضان
قال الله تعالى : ( يا أيها الذين امنوا كُتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )
فرض الله سبحانه وتعالى الصوم على عباده المؤمنين تهذيبا وتزكية للنفوس وتطهيرا للقلوب وصحة للأبدان فقال عليه الصلاة والسلام – ( كل عمل ابن ادم له إلا الصوم فانه لي وأنا اجزي به والصيام جُنّة – أي وقاية من المعاصي – فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفحش في الكلام ولا يصخب فان سابّه احد أو قاتله فليقل : إني صائم إني صائم )
يحلّ علينا وبساحتنا ضيف حبيب , طالما انتظرته القلوب المؤمنة , وتشوقت إليه النفوس الزاكية ضيف رفع الله شأنه , وأعلى مكانته وخصّه بمزيد من الفضل والكرامة , وجعله موسما عظيما لفعل الخيرات والمسابقة بين المؤمنين في مجال الباقيات الصالحات - وفي ذلك فليتنافس المتنافسون – انه شهر رمضان الذي أُنزِل فيه القران هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان.
فكيف نستقبل هذا الشهر ونغتنم رمضان ؟ وقبل الإجابة أسأل نفسي وإياكم سؤلا يقرب المسألة وهذا السؤال هو: لو أن لك عزيزا غاب عنك احد عشر شهرا ثم علمت بمجيئه إليك زائرا عما قريب ماذا آنت صانع لملاقاة واستضافة هذا الضيف العزيز الغالي عليك ؟
فإذا رزقت الإجابة المنصفة فاسأل نفسك ماذا هو الحال إذا كان هذا الزائر هو شهر رمضان ؟
انه سيد الشهور وأكرمها على الدوام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – : (سيد الشهور رمضان وسيد الأيام يوم الجمعة )
انه شهر القران والصيام والقيام , شهر تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران وتصفد فيه الشياطين ومردة الجانّ شهر الصبر والمواساة شهر التكافل والتراحم , شهر الفتوحات والانتصارات , شهر ترفع فيه الدرجات وتضاعف فيه الحسنات وتكفر فيه السيئات , شهر فيه ليلة واحدة خير من ألف شهر من حرم خيرها فهو المحروم فهنيئا لكم أيها المسلمون برمضان , السعد كل السعد لكم بشهر الصيام والقيام ويا بُشرى لمن جاهد نفسه في طاعة الله : قال تعالى : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )
ولقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يبشّر أصحابه بقدوم هذا الشهر المبارك ويبيّن لهم فضائله , حتى يتهيؤا له ويغتنموه , فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يبشر أصحابه فيقول : ( قد جاءكم شهر رمضان , شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه , فيه تفتح أبواب الجنان , وتُغلَق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين , فيه ليلة خير من ألف شهر , من حُرم خيرها فقد حرم )
قال بعض العلماء : هذا أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضا بشهر رمضان , وكيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان ؟ وكيف لا يبشّر المذنب بغلق أبواب النيران ؟ وكيف لا يبشّر العاقل بوقت يُغلّ فيه الشيطان ؟ ومن أين يشبه هذا الزمان زمان ؟!
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنة , وغُلِقت أبواب النار وصُفدت الشياطين وينادي منادٍ يا باغي الخير اقبل ويا باغي الشر اقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة .
لهذا كله ينبغي أن نستقبل هذا الشهر الكريم بالعزيمة الصادقة على صيامه , وقيامه , إيمانا واحتسابا لا تقليدا وتبعية للآخرين , وان تصوم جوارحنا عن الآثام من الكلام المحرم والبطر المحرم والاستماع المحرم والأكل والشرب المحرم .