تتيانا المبحوح أوكرانية تعيش في غزة: العالم ظالم ويرى بعين واحدة

المدينة نيوز :- ترتدي الأوكرانية تتيانا المبحوح الثوب الفلسطيني التقليدي وغطاء للرأس، وتجلس بالساعات الطويلة يوميا أمام شاشات التلفزة والمواقع الإخبارية، تتابع لحظة بلحظة تطورات الحرب الروسية على أوكرانيا.
وتبدي تتيانا اهتماما أكبر بمتابعة الأخبار الواردة من مدينة خاركيف، ثاني أكبر مدنية أوكرانية بعد العاصمة كييف، حيث ترعرعت هناك، قبل أن تنتقل للإقامة في غزة عام 1998، رفقة زوجها الدكتور محمود المبحوح الذي كان يدرس الصيدلة في إحدى الجامعات الأوكرانية.
وتواجه تتيانا تحديات كبيرة في التواصل مع أسرتها وأصدقائها في مدينة خاركيف، بسبب تردي خدمات الاتصالات والإنترنت، بفعل ما تعرضت له المدينة خلال الحرب التي دخلت شهرها الثاني على التوالي.
حرب عن بعد
اطمأن قلب تتيانا إلى حد ما بنجاح نجلها أحمد في مغادرة مدينة خاركيف صحبة أسرته، والانتقال إلى بولندا المجاورة، لكنها لم تتخلص من القلق تماما، فوالدتها وشقيقتها مع أبنائها والكثير من أصدقائها لا يزالون عالقين في المدينة التي تعتبر واحدة من أكثر المدن الأوكرانية تعرضاً للقصف الروسي.
وعلى مدى 24 عاماً قضتها تتيانا في غزة، تعلمت خلالها اللغة العربية، واكتسبت الكثير من العادات والتقاليد الفلسطينية، وتقول للجزيرة نت باللهجة الدارجة "والله ما أنا عارفة شو أعمل.. كثير زعلانة من الحرب، وقلقانة على أهلي وأصحابي".
وتجتهد تتيانا في المرات القليلة التي تنجح فيها في التواصل مع أفراد أسرتها وأصدقائها عبر الإنترنت أن تبث الطمأنينة في قلوبهم، مستعينة بالخبرات التي اكتسبتها من معايشتها لأربع حروب شنتها إسرائيل على غزة منذ عام 2008، وحتى الحرب الأخيرة في مايو/أيار من العام الماضي.
وسقط صاروخ -تعتقد تتيانا أنه روسي- قبالة منزل أسرتها في مدينة خاركيف لكنه لم ينفجر، وتقول "الحمد الله أهلي كلهم كويسين وبخير، ولو انفجر هذا الصاروخ لوقعت مجزرة".
وكانت آخر زيارات تتيانا لأسرتها في عام 2018، ويقول زوجها الدكتور محمود للجزيرة نت إنه لم يسبق له أن شاهد زوجته على هذه الحالة من الخوف والقلق والكثير من العصبية، حتى خلال الحروب الإسرائيلية على غزة كانت تتمتع بالقوة والصبر.
وأضاف "الوضع هذه المرة مختف بالنسبة لها، فهي تتابع من بعيد حرباً على بلدها، لم تعايش مثلها من قبل، والقلق يسيطر عليها خشية على أسرتها وأصدقائها هناك".
حروب غزة
وبينما كانت تتيانا تمسك بهاتف محمول وتحاول الاتصال بأسرتها من دون جدوى، قالت بغضب "الله يلعن الحرب (..) الأبرياء هم من يدفعوا الثمن".
وفي الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، كانت تتيانا واحدة من هؤلاء الأبرياء، عندما اضطرت وأسرتها إلى مغادرة منزلهم المتاخم لمنطقة حدودية في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، خشية من الاستهداف الإسرائيلي، وهو ما حدث بالفعل، وعن هذا يقول الدكتور محمود "لقد نجونا بأنفسنا، حيث تعرض المنزل للقصف ولحقت به أضرار جسيمة بعد مغادرتنا".
وقالت تتيانا للجزيرة نت "ما في فرق بين الموت في غزة، والموت في أوكرانيا.. الموت هو الموت"، واستدركت "لكن الخطر دائماً موجود في غزة، ولا يوجد أي ملاجئ للمدنيين".
وأضافت أنها تحدثت مع إحدى صديقاتها وكانت محتمية رفقة نحو 100 آخرين في ملجأ آمن ومجهز بكل شيء، وعندما وجدتها خائفة اجتهدت من أجل طمأنتها، ولم تجد أمامها سوى تجربتها في غزة، وقالت "أخبرتها أنني وكل غزة (حوالي مليوني فلسطيني) تعرضنا لأربع حروب إسرائيلية، وليست لدينا ملاجئ نحتمي بها من الغارات الإسرائيلية جواً وبراً وبحراً".
ليست الحروب الإسرائيلية الأربع فقط هي كل حكاية تتيانا مع "مخاطر الاحتلال"، المحدقة بغزة من آلات الموت الإسرائيلية، فقد عايشت بعد شهور قليلة من قدومها إلى غزة، أحداث انتفاضة الأقصى التي اندلعت في سبتمبر/أيلول 2000، ومارست خلالها إسرائيل صنوفاً من القتل والتدمير.
عالم يرى بعين واحدة
ويعتصر الغضب قلب تتيانا، وتبدي استياء من تباكي العالم على الضحايا في أوكرانيا بنيران الجيش الروسي، بينما هذا العالم نفسه لم تهزه المشاهد الدموية لمنازل سكنية آمنة دمرتها غارات جوية إسرائيلية فوق رؤوس ساكنيها، ومنهم الأطفال والنساء، وتساءلت بمرارة وبلكنة امرأة فلسطينية لا أوكرانية "ليش هيك.. هم الفلسطينيين مش بشر مثل الأوكرانيين؟!".
ولم تنتظر تتيانا إجابة من أحد على تساؤلها، وقالت وكأنها تجيب نفسها "الفرق أن من يقتل في غزة هي إسرائيل، والضحايا فلسطينيون عرب وليسوا أوروبيين".
وبقدر أمنياتها بأن تتوقف الحرب الروسية في أوكرانيا، وينعم شعبها هناك بالأمن والسلام، تتمنى تتيانا أن يسود العدل هذا العالم، ويستعيد الشعب الفلسطيني أرضه وحقوقه.
المصدر : الجزيرة