الإعلام أداة للإصلاح والتغيير وليس أداة للتعبير !!
![الإعلام أداة للإصلاح والتغيير وليس أداة للتعبير !! الإعلام أداة للإصلاح والتغيير وليس أداة للتعبير !!](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/99636.jpg)
لا شك أن مصطلح السلطة الرابعة (Fourth Estate)، الذي أطلق على وسائل الإعلام عموماً وعلى الصحافة بشكل خاص، قد أثبت صدق نبوءته مع التطور التكنولوجي الحديث؛حيث يستخدم المصطلح اليوم في سياق "إبراز الدور المؤثر لوسائل الإعلام ليس في تعميم المعرفة والتعليم والتوعية والتنوير فحسب، بل في تشكيل الرأي، وتوجيه الرأي العام وقيادته ، والإفصاح عن المعلومات، وخلق القضايا، وتمثيل الحكومة لدى الشعب، وتمثيل الشعب لدى الحكومة، وتمثيل الأمم لدى بعضها البعض من خلال قدرتها على تغيير نظرة الناس إلى الحياة وإلى العالم ومن خلال تغيير مواقفهم تجاه الأشخاص والقضايا، فيتغير بالتالي، حكمهم عليها، وموقفهم منها، ولعل تغيير المواقف والاتجاهات، قد شمل أيضا منظومة القيم وبعض أنماط السلوك التي تحكم علاقاتنا بالآخرين و رؤيتنا للأمور ،
الإعلام تحول مثل تحول كل المجتمعات المعاصرة إلى مجتمع المعلوماتية وإلى اقتصاديات المعلومات والخدمات، ذلك أن ثورة المعلومات التي يعيشها العالم اليوم تمثل أحد أهم مراحل التطور التاريخي الهامة، مثلها في ذلك مثل الثورتين الصناعيتين الأولى والثانية. وإذا فاتت بعض المجتمعات فرصة المشاركة في الثورتين السابقتين وتخلفت قرونا من الزمن؛ فإن الفرص متاحة أمامها اليوم للمشاركة والاستفادة القصوى من ثورة المعلومات. ذلك لأن الإعلام بات في المجتمعات المعاصرة جزءا من التكنيك الاستراتيجي لمواجهة متطلبات مرحلية صعبة، خصوصا أن المجتمعات تعيش مراحل تحول، وان المرحلة تقتضي إعلاما يعيد الروح إلى الجسد يكون قادراعلى قيادة التحرر والتغيير والتطور، وهو بهذا يكون أداة من أدوات القوة التي يجب استحضارها وتفعيلها والبناء عليها استراتيجيا، وليس ترفا أو نافلة كما يوحي به الواقع.
عمليات التغيير الاجتماعي والسياسي التي نشهدها هذه الأيام، عادة ما تكون بحاجة الى إعلامها الخاص الذي يدافع عنها ويؤسس لثقافتها ضمن نوع خاص من الاتصال يطلق عليه الاتصال الاقناعي وهو الاتصال الذي يحدث عندما يوجه القائم بالإتصال عن قصد رسائله الإعلامية لإحداث تأثير مركز ومحسوب على اتجاهات وسلوك مجموعات معينة مستهدفة من الجمهو، فضلا عن قيامه بمواكبة العمل السياسي بالتقويم تارة وبالنقد تارة اخرى، هذا ما تؤكد عليه الكثير من ادبيات الاتصال والاعلام، والباحثون في هذا الحقل.
نعم تلعب وسائل الاعلام بكل اشكالها(سمعية،مرئية، مقروءة) دورا كبيرا في التأثير على الرأي العام وتشكيل توجهاته واتجاهاته، اوتعبئته باتجاه اهداف او قضايا معينة، فتصبح اداة مهمة في عمليات التغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ،ولكي يكون الاعلام مقنعا لابد أن يتصف بأنه ذو هدف، وأن تكون رسالته دقيقة ومفهومة وقابلة للتصديق ومتمشية في مضامينها مع حاجات وقيم المجتمع وملائمة لظروفه.
وفي كل دول العالم فان أية عمليات تغيير تحدث لابد ان تسبقها او ترافقها حملة إعلامية تبشر بهذا التغيير باعتباره مطلبا حضاريا لابد من تحقيقه، كما أن هذا التغيير لايمكن ان يصبح واقعا إلا من خلال الارتفاع بدرجات الوعي المجتمعي بأهميته، وبالتالي ايجاد وتوفير الرغبة الحقيقية فيه لدى جميع الشرائح الاجتماعية والمكونات الوطنية.
فرضت ثورة الاتصالات بجميع تقنياتها واقعا جديدا في حياتنا شئنا أم أبينا وبرع الإعلام المحترف أستخدامها لتجاوز محددات السلطة لإيصال الحقائق إلى العالم، وقبل ذلك تحشيد الجمهور وتعبئة الرأي العام لمواجهة السلطة عبر تقنيات العصر من فضائيات وخدمات الانترنيت وشبكة التواصل الاجتماعي الفيس بوك وغيرها .
وعندما نشير الى هذا الدور الجديد لوسائل الاعلام في عرض الوقائع مباشرة من مكان الحدث في لحظة حدوثها فأن هذا الدور الذي حول العالم بكل تفاصيله الى قرية صغيرة نستطيع من خلالها ان نرى ونسمع ونتابع ما يجري فيها اصبح بديلا عن ادوار اخرى كانت سائدة خلال الحقبة الماضية في مجال احداث التغيير المطلوب.
وسائل التغيير كانت تتم عبر الانقلابات العسكرية المدعومة بالطائرات والدبابات والبيانات وما يصاحب ذلك اراقة دماء وتدمير للبنى التحتية والمقدرات،أو من خلال التدخل العسكري المباشر كما جرى في العراق وافغانستان. في حين أن الاداة الجديدة للتغيير تبدلت بفعل ثورة الاتصالات وانهيار المحددات التي كانت تحول دون التغيير المطلوب. وهنا نتساءل هل تبدلت قواعد اللعبة في مجال التغيير أم أن استحقاقات العصر وتبعاته فرضت واقعا جديدا تبدلت معه قواعد اللعبة؟
ان المؤسسة العسكرية التي كانت تصون النظام وترد الكيد عنه أضحت بفعل تبدل قواعد اللعبة تراقب ما يجري على الارض ربما لشعورها أن رياح التغيير لا تصدها الطائرات ولا الدبابات والبنادق كما كان سائدا خلال القرن العشرين.
فأرادة التغيير الان يجسدها ويفرضها على الارض شباب يتنادون عبر نوافذ الشبكة العنكبوتية والفيس بوك والوسائل الاخرى وينزلون الى الشوارع ويواجهون التحديات بشكل أثار إعجاب وتقدير العالم لأن طريقتهم هذه حضارية ومعبرة وجريئة في مقاصدها النبيلة من دون إراقة دماء وتصفيات واجتثاث وثأر.
وهذا المنحى الحضاري باستخدام أدوات التغيير الجديدة أصبح بمثابة التداول السلمي للسلطة سيعطي زخما وحيوية ومنعة وحصانة للشعوب التي تنزع للحرية والإنعتاق .
فمرحلة التغيير باساليب المرحلة الماضية تبدلت وأضحت المؤسسة العسكرية الوطنية ضامنة للأمن والسلم الاجتماعي وراعيه للوحدة الوطنية وليست أداة قمعية بيد الحاكم كما كان سائدا ..وهنا تكمن أهمية المتغيرات في قواعد التغيير .
المتأمل للمشهد العام يجد أن الإعلام يقوم بدور خطير في هذا الجانب، مما يجعله من أهم العوامل المؤثرة في صياغة العقول والتلاعب بها، ورسم السياسات، وإقرار الحقائق،أو تزويرها، بل إنه يتحول أحيانا إلى سلطة سياسية جارفة، تقوم بدورلا تقوى عليه الجيوش الجرارة ولا القوانين الصارمة؛ وبذلك لم يعد الإعلام مقتصرا على نقل المعلومات إلى الآخرين عن طريق الكلمة أو غيرها فحسب بل تعدى ذلك ليصبح سلطة يتحدث عنها القاصي والداني، من حيث خطورتها وأهميتها