مواطن وصل حد الاغتراب
- يدرك الأردنيون أن حقوقهم التي ضاعت معلقة في رقاب رؤساء الحكومات السابقين، وكل من تدخّل في إدارة شأنهم العام وأضرّ بمصالحهم.
ولا تخفى على الصغير قبل الكبير حالة الوعي التي بلغها المجتمع ما بعد الثورات العربية التي هبت على المنطقة، وباتت القناعات الشخصية تؤمن أن جرائم الفساد الذي عشعش في البلاد تمت أمام ناظر حكوماتهم السابقة، بل برعايتها.
والناس على اختلاف مستوياتهم التعليمية والثقافية والعلمية، وتفاوت درجات وعيهم السياسي، توصلوا إلى نتيجة واحدة، وهي أنهم تعرضوا لخداع طويل المدى من قبل من أدار شأنهم العام في السلطتين التنفيذية والتشريعية.
ولا ينتظر المجتمع من مجلس النواب الحالي أن يكون هو من يطلق رصاصة الموت على رؤساء حكومات شهدوا على الفساد؛ فالنواب في عيون المجتمع ليسوا أفضل حالا من غيرهم، خصوصا أن فتحهم جبهة ضد الحكومات لخوض معارك وهمية بات معروف الأسباب، ويتمثل في كسب بعض الوقت.
المسرحيات التي يؤديها بعض نواب المجلس لكسب شعبية لن تنطلي على أحد؛ إذ لم يعد بوسعهم استرجاع الثقة بهم بعد سنوات من الجفاء الذي وسع الفجوة بين المجتمع والسلطات بتراكيبها المختلفة.
معركة استرجاع الثقة التي يخوضها نواب خاسرة، لأن تحقيق هذا الهدف لا يحتاج إلى خطابات رنانة وتصريحات مجانية، بل يتطلب إصلاحا سياسيا فعليا، يلغي الحواجز القائمة، ويؤسس لحياة سياسية حقيقية تقوم على مشاركة فاعلة من مختلف قطاعات المجتمع، وتسهم بها مكونات المجتمع لتعكس حالة الصحوة والتنوير التي أطلت على المنطقة مع سبق إصرار وترصد.
فالوعي السياسي الذي تشكل ونما لدى المجتمع، لم يكن نتاج حراك نيابي، ولم توقده المعارضة التقليدية أيضا، بل أفرزته معاناة شديدة تعايش معها الناس لسنوات، وساهمت الحكومات والمجالس النيابية ومراكز إدارة الشأن العام مجتمعة في تعميقها، ما أدى إلى استثارة واستفزاز الشارع ليخرج مطالبا بالإصلاح لإنهاء تلك المعاناة.
المرحلة الراهنة غير ملائمة لجولة جديدة من "الضحك على الناس" الذين شبعوا خطبا وبيانات، وباتوا اليوم بانتظار مبادرات عملية تخرجهم من مزاجهم السيئ وتخفف من وطأة حالهم الاقتصادية الصعبة.
المواطن وصل حد الاغتراب في وطنه، وصار ينظر بعين الريبة إلى كل ما حوله، فيما آخرون يتنصلون من المسؤولية، وما يزالون يبحثون عن مكاسب صغيرة، لتتسع المسافة بين الدولة والمجتمع.
"نهايته" كما يقال بالعامية: الأدوات السابقة لم تعد مقبولة من قبل المجتمع الذي بات يتطلع لنهج مختلف في إدارة الشأن العام الذي يؤثر في تفاصيل حياته، وخصوصا في إدارة الحياة السياسية التي تتطلب تحولا جذريا إلى درجة تشعر الفرد أنه جزء من صناعة القرار وليس مجرد تابع ومتلق لأجندات الغير.
كل الأدوات المستعملة حاليا لا تستجيب لهذا الطموح ولا تشبعه. وأمام مجلس النواب الحالي فرصة لتسجيل اسمه ضمن قائمة المجالس التي يذكرها الناس بالخير، شريطة تغيير أسلوب عمله. وعلى النواب أن يخوضوا معركة إلى جانب قوى الإصلاح وليس ضدها لتسريع وتيرة مسيرة الإصلاح، بحيث ننتقل بالبلد إلى مرحلة جديدة تكرس بناء الدولة الديمقراطية المدنية التي تسعى إلى تحقيق طموحات المجتمع الكبيرة.
(الغد)